تسارع معدل غلاء المعيشة في الكويت ليصل إلى 5.3% في شهر مايو

تاريخ النشر: 13 أغسطس 2007 - 01:11 GMT

أشار بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير أن دول مجلس التعاون الخليجي قد شهدت حالة من الازدهار الاقتصادي منذ بداية الوفرة النفطية الحالية امتدت لتشمل كافة القطاعات الاقتصادية، وحملت في طياتها النمو الاقتصادي بمستويات قياسية، والفوائض الملموسة في الحساب الجاري والميزانيات الحكومية لدول المجلس، إلى جانب بناء كم هائل من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية. إلا أن هذه الانجازات قد رافقها ضغوط تضخمية بدأت بالتنامي في الآونة الأخيرة، وخاصة خلال العامين السابقين. ومع ذلك، يلاحظ أن العوامل الرئيسية المسببة لارتفاع معدلات التضخم في الدول الخليجية تتباين ما بين دولة خليجية وأخرى. فعلى سبيل المثال، يلاحظ أن ارتفاع معدل الإيجارات كان وراء تزايد معدل التضخم في كل من قطر والإمارات، في حين جاء التسارع في أسعار المواد الغذائية العامل الرئيسي لارتفاع التضخم في السعودية. إضافة إلى ذلك، فقد تباين معدل التضخم بشكل جوهري بين الدول الخليجية، وتراوح خلال عام 2006 ما بين 2.1% في البحرين و11.8% في قطر.

وفي الكويت، تشير أحدث البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط إلى تسارع معدل التضخم أو غلاء المعيشة، مقاساً بالتغير في المستوى العام لأسعار المستهلك، خلال عام 2007 وذلك بعد أن كان قد تراجع إلى 3% في عام 2006 من مستواه القياسي المسجل في عام 2005 والبالغ 4.1%. فقد بلغ معدل التضخم في شهر مايو 5.3% على أساس سنوي، مسجلاً بذلك تراجعاً طفيفاً من أعلى مستوى بلغه في شهر إبريل والبالغ 5.4%. كما يلاحظ أيضاً أن معدل التضخم خلال الأشهر الثلاثة المنتهية بمايو كانت الأعلى تاريخياً منذ قامت وزارة التخطيط باحتساب ونشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك وفق أوزان ترجيحية جديدة وعام 2000 كسنة أساس. وبالتالي، فقد بلغ متوسط الارتفاع في غلاء المعيشة خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2007 نحو 4.8% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وما قدره 3.4% مقارنة بمتوسط عام 2006 بأكمله. 

ويرى بنك الكويت المركزي أن تراجع سعر صرف الدينار الكويتي مقابل العملات الرئيسية من غير الدولار قد لعب دوراً رئيسياً في تنامي معدل غلاء المعيشة في الكويت وذلك عن طريق زيادة أسعار الواردات. وفي خطوة لاحتواء هذه الضغوط التضخمية، وأخذاً بعين الاعتبار توقع تواصل حالة الضعف في الدولار الأمريكي، تخلى البنك المركزي في 20 مايو من العام الحالي عن سياسة ربط سعر الدينار حصرياً بالدولار، وعاد إلى تبني سياسة الربط بسلة من العملات التي كانت سائدة قبل عام 2003. وقد مكنت هذه السياسة البنك المركزي من رفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأمريكي بنحو 2.5%، مع أنه من السابق لأوانه معرفة أثر هذا الإجراء على معدل التضخم.

ولحظ الوطني أنه ومنذ تبنى البنك المركزي سياسة ربط سعر صرف الدينار حصرياً بالدولار الأمريكي في يناير من عام 2003، فقد خسر الدينار 17% و14% من قيمته تجاه اليورو والجنيه الإسترليني على التوالي، في حين كسب 2.5% مقابل الين الياباني. وخلال الفترة ذاتها، قام البنك المركزي برفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار بنسبة 3.5%. ومع أن قياس الآثار التضخمية لهذه التحركات في سعر الصرف يعتمد على عدة عوامل، كدرجة تحول الكويت في وارداتها من شريك تجاري إلى آخر، ودرجة التراجع في هامش الربح الذي سيقبله المصدرون إلى الكويت بغية الحفاظ على حصتهم في السوق الكويتي، فمن المؤكد أن التغير الملحوظ في سعر صرف الدينار خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة كان له أثر ملموس على أسعار واردات الكويت.

ومما لا شك فيه أن التسارع في معدل غلاء المعيشة في الكويت لم ينجم فقط عن تطورات سعر صرف الدينار، وإنما أسهم به أيضاً مجموعة من العوامل الداخلية كتزايد معدل الاستهلاك الخاص في السنوات الأخيرة والذي سجل نمواً سنوياً متوسطه 11.1% منذ نهاية عام 2004 مقابل ما نسبته 6.8% خلال العامين السابقين. كما يتوقع للنمو الملحوظ الذي شهده حجم القروض المقدمة للأفراد والبالغ 23.2% و17.8% خلال العامين السابقين على التوالي والذي تجاوز بفارق ملموس لمتوسط نمو القطاع غير النفطي خلال نفس الفترة أن يكون قد أسهم في تزايد معدل الاستهلاك وبالتالي معدل غلاء المعيشة. كذلك الحال، فإن زيادة معدل الأجور في القطاع العام في السنوات الأخيرة وزيادة حجم التحويلات المقدمة للمواطنين كالمنح الأميرية تعتبر أيضاً من العوامل الأخرى التي يتوقع أن تكون قد لعبت دوراً في تسارع معدل التضخم. وبالمقابل، فإن برنامج الدعم السخي الذي توفره الحكومة لعدد من السلع الاستهلاكية والخدمات يسهم على الأرجح في الانتقاص من حجم مشكلة التضخم وذلك لكون أسعار السلع المدعومة التي تظهر في سلة أسعار المستهلك لم يطرأ على أسعارها تغيرات تذكر خلال السنوات الأخيرة. 

وتشير بيانات التضخم إلى أن قطاع الغذاء قد تبؤ مركز الصدارة في توليد الضغوط التضخمية في الكويت خلال العامين السابقين. فبعد أن تراجعت أسعار هذا القطاع إلى 3.9% خلال عام 2006 من مستواها القياسي البالغ 8.6% لعام 2005، عادت أسعار الغذاء للتصاعد مرة ثانية لتصل إلى 5.6% في شهر مايو من العام الحالي وليبلغ بذلك متوسط ارتفاعها إلى 5.7% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام. وبذلك تكون أسعار الغذاء لوحدها قد أسهمت بنحو ثلث الزيادة المسجلة في معدل غلاء المعيشة خلال العامين السابقين، وبما نسبته 22% من الزيادة في غلاء المعيشة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي. ويذكر هنا أن أسعار الغذاء خلال شهري إبريل ومايو قد تراجعت بشكل طفيف عن مستوياتها التي سادت الربع الأول من العام.

وبحسب تقرير الوطني، فأن ارتفاع أسعار الغذاء يعتبر ظاهرة عالمية خلال السنوات الأخيرة. حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن المتوسط العالمي لأسعار الغذاء قد ارتفع بنسبة 14.3% خلال عام 2004، وبما نسبته 9.9% خلال عام 2006. ومن المحتم أن مثل هذا القدر من الارتفاع والذي تجاوز متوسطه للسنوات السابقة قد أثر على أسعار واردات الكويت، وخاصة في ظل اعتماد الكويت وبشكل كبير على الخارج لتوفير احتياجاتها من المواد الغذائية، هذا ناهيك عن الدور الذي لعبه التراجع في سعر صرف الدولار بهذا الخصوص.

أما مجموعة "سلع وخدمات أخرى" والتي تضم بشكل رئيسي السلع والخدمات الترفيهية والشخصية، فقد احتلت المرتبة الثانية من حيث مساهمتها في ارتفاع معدل غلاء المعيشة، حيث أسهمت بنحو 17.8% من معدل الزيادة في أسعار المستهلك خلال عامي 2005 و 2006، و9% من الزيادة المسجلة خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي.

وأشار الوطني إلى أن مجموعة السلع والخدمات المنزلية كالمنسوجات والأجهزة المنزلية والأثاث وتكلفة الخدم قد شهدت زيادة ملحوظة في أسعارها خلال السنوات الماضية. حيث بلغ متوسط التضخم السنوي في هذه المجموعة 3.2% خلال العامين السابقين، و3.3% خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2007. وبالتالي فقد أسهمت هذه المجموعة بنحو 13.1% و10.2% من معدل التضخم المسجل في أسعار المستهلك خلال العامين السابقين وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2007 على التوالي. وقد يعزى ارتفاع أسعار هذه المجموعة إلى ارتفاع أسعار المستوردات في ضوء ارتفاع كل من أسعار النفط والمعادن عالمياً، إلى جانب التأثير غير المباشر لارتفاع معدل الإيجارات في الكويت. ويذكر هنا أن صندوق النقد الدولي يقدر حدوث ارتفاع في أسعار المعادن عالمياً بنحو 26.4% و56.5% خلال عامي 2005 و2006 على التوالي.

 وامتد الارتفاع الملموس في الأسعار ليشمل مجموعات " الكساء وملبوسات القدم" وخدمات المسكن (إيجارات المساكن بشكل رئيسي) و"النقل والمواصلات"، مما دفع بمساهمة هذه المجموعات في معدل الارتفاع المسجل في غلاء المعيشة خلال عامي 2005 و2006 لتصل إلى 12.9% و12% و6.2% على التوالي.   وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجموعة "النقل والمواصلات" قد استحوذت على مركز الصدارة بين كافة المجموعات الرئيسية في توليدها للتضخم المسجل خلال عام 2007، حيث أنها أسهمت بنحو 31.6% من معدل الزيادة في أسعار المستهلك خلال الخمسة أشهر الأولى من العام. وقد يكون هذا التطور قد نجم عن ارتفاع كلفة الواردات من وسائط النقل الشخصية وقطع الغيار ذات المصدر الأوروبي، وخاصة في ضوء ارتفاع سعر صرف اليورو والجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي، هذا إلى جانب ارتفاع أسعار تذاكر السفر الجوي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع نسبة السكان الذين يستخدمون وسائل الهاتف. وبالمقابل، يُلاحظ أن التضخم في هذا المجموعة قد كان طفيفاً خلال الفترة التي سبقت شهر نوفمبر من عام 2006. أما تكلفة خدمات السكن، فقد تأثرت بشكل رئيسي بتنامي الطلب على الوحدات السكنية مع النمو الملحوظ في عدد السكان، إضافة إلى الآثار غير المباشرة للتسارع الملحوظ في كلفة مواد البناء.

© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)