بعد أن أصبح الكمبيوتر لغة العصر، ولم يعد يخلو أي منزل منه، وبعد أن أثبت العرب قدرتهم في التعامل معه على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، ولكن يبقى السؤال.. متى نشهد تطورًا في صناعة البرمجيات العربية ولا نعتمد على التجميع فقط؟ فالعالم من حولنا يتقدم وبخطى سريعة ونحن مازلنا نقف عاجزين عن إنتاج أدنى متطلبات العصر، بالرغم من توافر الكفاءات البشرية، ورءوس الأموال، وهل إنشاء شركة عربية لإنتاج أجهزة الكمبيوتر أمر يصعب تنفيذه؟
عن سبل النهوض بالصناعة المعلوماتية، يقول طلال أبو غزالة خبير تكنولوجيا المعلومات: إن فكرة تقنية المعلومات والاتصالات علينا ألا ننظر إليها على أنها وسيلة نوعية أو إحدى وسائل التنمية وإنما علينا الإدراك جيدًا أنها وسيلة ناجحة لكافة جهود التنمية، على هذا فالسبيل الوحيد أمام النهوض بتلك الصناعة هو التنسيق والتعاون بين الدول العربية، للوصول إلى صناعة قومية تنافس الصناعات العالمية، أما إذا حاولت كل دولة منفردة فقد يكون الوصول للهدف المنشود صعبًا للغاية. وفي رأي المهندس مقبل فياض مدير إحدى شركات صناعة البرمجيات أن هذه الصناعة تحتاج إلى رأس مال ضخم جدًا، لكي نتمكن من إنتاج كمبيوتر على مستوى عالٍ من الجودة والتقنية، وبسعر منخفض مناسب لشرائح المجتمع المختلفة، فمصر على سبيل المثال بها مليون كمبيوتر )CP( فقط، بالرغم من تعدادها السكاني الكبير، ويدخل مصر كل عام حوالي ربع مليون كمبيوتر )CP(، وهذا العدد غير كافٍ لكي يستطيع المنتج جني أرباح صناعته إذا اتفقنا على أهمية عرض المنتج بسعر مناسب، أما الشركات المتخصصة في إنتاج وصناعة البرمجيات في الخارج فهي تنتج ملايين الأجهزة كل عام، ومن ثم تستطيع تحقيق المعادلة الصعبة من إنتاج ذي جودة عالية، وسعر منخفض وهذه هي ميزة الإنتاج الكبير وهذا هو السبب الرئيس لعدم قدرتنا في الوطن العربي على إنتاج منتج يخوض في المنافسة وينتصر فيها، فإنتاج مثل هذه الأجهزة ليس بالأمر الصعب كما يتخيل البعض، وتوجد الخبرات الكافية في الوطن العربي ولكن نتيجة للأسباب السابق ذكرها فالخوض في هذه التجربة ما زال بعيد المنال.
ويشير فياض إلى أن معظم صناعة البرمجيات في العالم تقوم على التجميع وليس التصنيع، فكبرى شركات العالم مثل «MBI» وغيرها تقوم بتجميع أفضل أجزاء الجهاز من الشركات المتخصصة في الصناعة، ثم تعيد بيعها، ومصر وكثير من الدول العربية بها شركات تقوم بعمل ذلك في الوقت الحالي، أما الشركات التي تخصصت في التصنيع فقد تركزت في «الفار إيست» فقد تخصصوا بكفاءة في هذا المجال، والآن هم المصدرون الأساسيون لهذه المنتجات لمختلف دول العالم، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية كبرى الدول المتقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات تقوم الصناعة فيها على أساس التجميع وليس التصنيع نفسه، ويجب الإشارة إلى انخفاض تكلفة الجهاز المجمع في المنطقة العربية، وبالتالي توافره بسعر مناسب مقارنة بالأجهزة المستوردة من البلاد الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى أن كفاءتها لا تقل عن هذا المجمعة في الخارج، ويجب ذكر أن مصر هي الدولة الوحيدة التي أنتجت طابعة في الوطن العربي، وهي بداية جيدة لتقدم تكنولوجي مقبل في هذا المجال، إضافة إلى تقدم التجميع كما ذكرنا فالشركات العربية يتوافر لديها ما يسمى «بالإنتاج النمطي» الذي يتوافر بسعر مناسب وجودة عالية، مؤكدًا أن المنطقة العربية لا تعاني إطلاقًا من تخلف في مجال إنتاج تكنولوجيا المعلومات، ولكن من إحجام عن دخول هذا المجال إلى أن يتوافر لها الخبرة المتخصصة ذو الكفاءة العالية ورءوس الأموال الضخمة، إضافة إلى إمكانية الإنتاج الكبير والجودة العالية. واتفاقية «الجات» ليس لها تأثير في صناعة البرمجيات، أو على أسعارها المتداولة في السوق؛ لأن تبادل أجهزة الكمبيوتر بدون جمارك، وبإضافة ضريبة المبيعات فقط.
تكنولوجيا المعلومات
ومن ناحية أخرى، يرى إيهاب السيد «مهندس برمجيات» أن المنطقة العربية تعاني من تخلف شديد في مجال تصنيع تكنولوجيا المعلومات، فنحن لا ننتج أي من أجزاء الكمبيوتر على الإطلاق حتى )D.C( و)D.F) نستوردهم من الخارج، رغم أن التصنيع سهل وبسيط، ولعل الأسباب الرئيسة ترجع إلى تراجع حكومات الدول العربية عن دعم مثل هذه الصناعة والاهتمام بها، ولكن يجب ألا ننكر مبادرة مصر في هذا المجال بإنشاء القرية الذكية، بالإضافة إلى قلة الأفكار وضعفها، ومن ثم فالمتميزون لا يجدون سبيلًا للتفوق سوى السفر إلى الخارج، وبالتالي فالمشكلة ليست في الإمكانيات المادية والتمويل حيث أنه متوافر في العديد من الدول العربية، وخاصة دول الخليج.
وفي مصر- مثلا - نستورد كل عام بمليارات الدولارات، فإذا تم استغلال هذه الإمكانيات المادية في مجال التصنيع سيختلف الوضع اختلافًا جذريًا، ولكني أعتقد من وجهة نظري أن المستوردين لهم علاقات بمسئولين في الحكومة ويدعموهم وتتفق مصالحهم حول الاستيراد، وبالتالي لن يفكروا في التصنيع، ودون مساندة الدول للقطاع الخاص في هذا المجال ودعمها له لن تستطيع شركات القطاع الخاص الدخول في مجال التصنيع مطلقًا، فكل شركة بتمويلها الخاص لن تستطيع إحراز أي شيء، وبالتالي فعلى حكومات الدول العربية التفكير جديًا في موضوع التصنيع على الأقل بالسماح لشركة عالمية بفتح فروع لها في الدول العربية لاكتساب الخبرات التي قد تفيدنا فيما بعد، خاصة لأن اتفاقية «الجات» ستؤثر بالسلب على هذا المجال نتيجة لتخفيض الجمارك على الأجهزة المجمعة في الخارج، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل، مشيرًا إلى أن أكثر الدول تقدمًا في مجال تكنولوجيا المعلومات في المنطقة العربية هي الإمارات وخاصة دبي.
وسائل التنمية
وتجدر الإشارة إلى أن هناك الآلاف من المشروعات المرتبطة بتقنية المعلومات والاتصالات أو التي يمكنها الاستفادة منها، وذلك طبقًا لرؤية الحكومات لكيفية ارتباط تقنية المعلومات والاتصالات بالتنمية، ولذلك يجب على حكومات الدول العربية الإسراع في النهوض بتلك الصناعة، ولا مانع بالطبع من مساندة القطاع الخاص للعام في إطار هذه الخطة والتي قد لا يكون من سبيل أمام القطاع العام لتحقيقها دون مساندة القطاع الخاص، وعلى هذا نرى أن هناك الآلاف من الجهات التي تسعى بطريقة أو بأخرى لرصد وتسجيل وبيع وتنمية السوق العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات وتوفير البنية التحتية له، وعلينا - إذن - الاستفادة من هذه الجهات.