نما الاقتصاد السوري بمعدل معتدل على مدار السنوات القليلة الماضية وهو ما يتضح من نمو الناتج المحلى الاجمالى الحقيقي الذي تراوح تقريبا في حدود 5 في المائة خلال الفترة من العام 2001 إلى العام 2006. ونما الناتج المحلى الاجمالى الاسمي بصورة ملحوظة بمعدل 14.6 في المائة سنويا بالغا 1,708.7 ليرة سورية (32.8 مليار دولار أمريكي) في العام 2006 مرتفعا من 1,490.8 مليار ليرة سوري (27.9 مليار دولار أمريكي) في العام 2005. علاوة على ذلك، تشير التقديرات الأولية من جانب مسئولي الحكومة إلى أن الناتج المحلى الاجمالى الاسمي بلغ 2,037.8 مليار ليرة سورية (40.8 مليار دولار أمريكي) في العام 2007 بنسبة ارتفاع تقرب من 19 في المائة. كذلك بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالى 1,785 دولار أمريكي في العام 2006 بنسبة ارتفاع 15.6 في المائة سنويا عن مستوى العام 2005 البالغ 1,544 دولار أمريكي. وقد حقق الاقتصاد السوري نموا في الناتج المحلى الاجمالى الحقيقي بمعدل 5.1 في المائة في العام 2006 ويتوقع صندوق النقد الدولي تحقيق نمو حقيقي بمعدل 3.9 و4 في المائة خلال العامي 2007 و2008 على التوالي.
تسيطر الحكومة السورية على أسعار كثيرا من السلع الأساسية والمواد الغذائية من خلال سياسة الدعم. علما بأن هذا الدعم يستنزف مالية الحكومة بسبب تزايد السكان والارتفاع الهائل لأسعار العناصر المدعومة، وخاصة دعم الطاقة. لذلك تعمل الحكومة على إيقاف دعم الطاقة مرحليا حيث رفعت مؤخرا أسعار البنزين بمعدل 20 في المائة ليصل إلى 720 ليرة سورية (15 دولار أمريكي) لكل 20 لتر.
حاليا تعانى سوريا من تدهور إنتاج النفط. حيث يتراوح الإنتاج في الدولة في حدود 364,700 برميل يوميا في العام 2007 منخفضا من أقصى ارتفاع سجله على مدار تاريخه في منتصف التسعينات والبالغ 600,000 برميل يوميا. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا ما استمر الاتجاه الهبوطي لإنتاج النفط على هذه المنوال ، يصاحبه ارتفاع الطلب المحلى على الطاقة ستصبح سوريا مستوردا صافيا للنفط خلال عقد من الزمن. وحاليا تستحوذ إيرادات النفط على 29.2 في المائة من إجمالي إيرادات الحكومة.
وقد بدأت سوريا سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية لتنشيط اقتصادها وجذب رأس المال الأجنبي. وتأتى هذه الإصلاحات في ظل محاولات الإدارة السورية لتوسيع قاعدة الاقتصاد بعيدا عن النفط الذي يشهد حاليا انخفاض في معدلات الإنتاج. وتهدف هذه الإصلاحات إلى تحويل الاقتصاد من اقتصاد خاضع لسيطرة الحكومة إلى اقتصاد سوق حر. وتدرك السلطات السورية الاحتياجات الضرورية للتغيرات في إطار السياسة الاقتصادية إذا ما حافظت سوريا وعملت على إسراع معدل النمو الاقتصادي.
وقد بدأت الحكومة السورية جهودا لإصلاح في التسعينات عندما تم إصدار قانون الاستثمار رقم 10 لتشجيع الاستثمارات الخاصة والذي تم تعديله في العام 2000. علاوة على ذلك، فقد بدأت الإصلاحات المالية الرئيسية في العام 2000 عملا على تحريك سوق الائتمان من ثباته والذي تسيطر عليه وتحتكره البنوك التي تديرها الدولة. وفى العام 2001 تم السماح بإنشاء البنوك الخاصة وبدأ أول بنك خاص مزاولة نشاطه في العام 2004. كما تم تخفيف السيطرة على الصرف الأجنبي وتم تقديم سعر صرف جديد غير موحد لليرة السورية. كذلك تم إجازة كثير من العمليات المصرفية الأساسية مثل فتح الاعتماد المستندية وبيع العملة الأجنبية. علاوة على تبسيط عملية الإقراض. وبجانب البنوك الخاصة ، أجازت السلطات السورية كذلك إنشاء شركات خاصة للتأمين .
وقد أنهى البنك المركزي السوري ارتباط عملته بالدولار الأمريكي في أغسطس 2007. وتم ربط الليرة السورية منذ ذلك الحين بسلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي ، التي تتكون من 44 في المائة يورو ، 34 في المائة دولار أمريكي ، 11 في المائة لكل من الجنيه الاسترلينى والين الياباني. والجدير بالذكر أنه بعد إنهاء الارتباط بين الليرة السورية والدولار الأمريكي ارتفعت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بمعدل 9 في المائة تقريبا.
وقد كانت الحكومة السورية تسير في الطريق الصحيح حتى الآن بتنشيط اقتصادها الذي ظل يتميز لكثير من العقود بأنه اقتصاد اجتماعي. وقد تم تقديم هذه الإصلاحات المتعددة من جانب المسئولين السوريين منذ التسعينات بهدف الإسراع بدور القطاع الخاص في الاقتصاد. وقد كانت هذه الخطوات المتخذة من من جانب سوريا ناجحة إلى حد بعيد في جذب الاستثمارات، وخاصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات البنوك، والعقارات، والصناعة. هذا بجانب دخول سوريا في اتفاقيات ثنائية مع تركيا ، الاتحاد الأوربي ، وغير ذلك من الدول الأخرى. وهذه الخطوات جزء من الجهود المستمرة للتحرك نحو اقتصاد يقوم على قوانين السوق.
وقد كانت جهود الإصلاح ناجحة في تحسين موقف الاقتصاد كما يتضح من الموقف الاقتصادي لسوريا بالنسبة لباقي دول العالم. ووفقا لتقرير "ممارسة الأعمال 2009" الصادر من البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية ، فقد قفزت سوريا ثمانية درجات من رقم 145 إلى 137 في التقييم العام الذي يتضمن 181 اقتصاد .
وفيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كان أداء الدولة جيدا للغاية. ووفقا لتقرير الاستثمار العالمي للعام 2008 الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية فقد زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة لسوريا كنسبة من اجمالى التكوين الرأسمالي الثابت بالغة 10.3 في المائة في العام 2007 مقابل 7.6 في المائة في العام 2005. ونتيجة للإصلاحات ، جذبت سوريا المستثمرين العرب والأجانب الباحثين عن فرص الاستثمار .
وعلى صعيد سوق رأس المال، من المقرر أن تفتح سوريا سوق الأوراق المالية خلال النصف الأول من العام 2009. وقد كان من المقرر لسوق دمشق للأوراق المالية أن يفتح في العام 2006. إلا أنه تأجل عدة مرات للعديد من الأسباب والتي يتمثل أكثرها حداثة في نقص الخبرة التكنولوجية والتجهيزات. وتتمثل آمال الحكومة في جذب استثمارات جديدة في قطاعات البنوك والسياحة والتأمين والغاز لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط والزراعة .
وتمثل العقوبات الأمريكية المفروضة من جانب إدارة بوش في العام 2004 أحد العوائق الرئيسية أمام الإصلاحات الاقتصادية السورية. حيث تقيد العقوبات تصدير المنتجات الأمريكية الصنع إلى سوريا باستثناء بعض منتجات الغذاء والأدوية. كذلك لا تستطيع سوريا استيراد المنتجات التي تتضمن مكونات أمريكية الصنع تزيد نسبتها عن 10 في المائة بغض النظر عن منشأ تلك المنتجات. وبالرغم من ذلك لم توقف تلك العقوبات الاتفاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وسوريا وهو ما يتضح من نمو التجارة بين البلدين بمعدل 7.7 في المائة في العام 2007 .
© 2008 تقرير مينا(www.menareport.com)