أكدت دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي على ان دول مجلس التعاون الخليجي قد شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث استخدمت هذه البلدان عائداتها النفطية لتحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل وتحسين المؤشرات الاجتماعية، وتمكنت في نفس الوقت من مراكمة احتياطيات رسمية والحفاظ على مستوي الدين الخارجي المنخفض نسبياً ومواصلة دورها كجهات مانحة مهمة للبلدان الفقيرة. وأشارت الدراسة الى ارتفاع متوسط الدخل الفردي في بلدان مجلس التعاون الخليي الذي قدر بنحو 12000 دولار أمريكي في عام 2002، ويتراوح بين أقل من 8000 دولار أمريكي في عمان و28400 دولار أمريكي في قطر، بينما وصل اجمالي الناتج المحلي الإسمي المجمع لهذه البلدان الي ما يقرب من 340 مليار دولار أمريكي (أي أكثر من نصف اجمالي الناتج المحلي للبلدان العربية كلها).
ونظراً لمستوى التضخم شديد الانخفاض، بلغ متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي الكلي 4% سنوياً خلال العقود الثلاثة الماضية، مع اكتساب الأنشطة الاقتصادية غير النفطية أهمية متزايدة على نحو مطرد، مما يعكس جهود بلدان مجلس التعاون الخليجي لتنويع النشاط الاقتصادي. واضافة الى ذلك تبلغ الاحتياطيات الدولية لدى البنوك المركزية وحدها في بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي ما يعادل حوالي 10 أشهر من الواردات. وقد تحقق هذا التقدم في ظل نظام سعر الصرف والتجارة المنفتح والتدفقات الرأسمالية الحرة، الى جانب الحدود المفتوحة أمام العمالة الأجنبية. وهكذا أصبحت منطقة مجلس التعاون الخليجي مركزاً مهماً للنمو الاقتصادي الإقليمي.
وأوضحت الدراسة، وكما ذكرت صحيفة الراية القطرية، بأن استكمال مشروعات كبرى للبنية التحتية قد أدى إلى تقليص دور الإنفاق الحكومي في تحقيق النمو غير النفطي. وتعني ضخامة حجم القطاع العام ان استثمارات القطاع الخاص ظلت منخفضة نسبياً كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، رغم تزايد معدلاتها. وأشارت الى ان بلدان مجلس التعاون الخليجي تقوم في الوقت الراهن بتنفيذ إصلاحات في السياسة الاقتصادية من أجل تسريع النمو في القطاع غير النفطي وايجاد الوظائف اللازمة للقوي العاملة التي تشهد زيادة سريعة مستمرة، مع الحد من التعرض لصدمات أسعار النفط. وهي تدرك الحاجة الى التكيف مع التحديات الناجمة عن التكامل الإقليمي وعولمة الاقتصاد العالمي، كما تدرك ان التصدي لهذه التحديات لن يخلو من المتاعب.
وتشير الدراسة الى أن بلدان مجلس التعاون الخليجي تشترك في العديد من الخصائص الاقتصادية: فالنفط يسهم بحوالي الثلث في إجمال الناتج المحلي الكلي وبحوالي الثلاثة أرباع في الإيرادات الحكومية في الصادرات السنوية. ويبلغ نصيب هذه البلدان كمجموعة حوالي 40% من الاحتياطات النفطية المثبتة في العالم و20% من صادرات النفط الخام، كما أصبحت قطر رابع أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسيل في العالم. وتستخدم بلدان المجلس سعر الصرف كركيزة اسمية فعلية، حيث تربط عملاتها ربطاً ثابتاً بالدولار الأمريكي. وتضيف الدراسة:" نظراً لأن الثروة الهيدروكربونية تؤول بالكامل الي الحكومة، فإن جميع بلدان المجلس تطبق نظاماً واسع النطاق للرعاية الاجتماعية".
ونوهت الدراسة الي ان جميع بلدان المجلس تتسم بأجهزتها المصرفية القوية والخاضعة لمستوي جيد من الرقابة. فالبنوك تتمتع بمستوي جيد من الرسملة والربحية، كما تمت تقوية أطرها الرقابية التي تتوافق الي حد كبير مع المعايير والمواثيق الدولية. واضافة الي ذلك، اتخذت بلدان المجلس بالتدريج عدداً من الخطوات صوب التطبيق والمواثيق الدولية. واضافة الي ذلك اتخذت بلدان المجلس بالتدريج عدداً من الخطوات صوب تطبيق سياسة نقدية قائمة علي السوق، وان كانت الأدوات المباشرة (كالحدود القصوي لأسعار الفائدة والائتمان) لا تزال تؤدي دوراً في بعض البلدان.
وأشارت إلى التغييرات الجارية في هياكل اقتصاديات المجلس وتكوين صادراتها. فقطاع الصناعة التحويلية ينمو بسرعة فائقة في المملكة العربية السعودية، وكذلك الحال بالنسبة لتجارة إعادة التصدير والأنشطة المرتبطة بها في الإمارات العربية المتحدة، بينما يعد قطاع البنوك والتأمين أهم القطاعات علي الإطلاق في البحرين. وفي قطر أحرز قطاع الغاز الطبيعي تقدماً كبيراً في التفوق علي قطاع النفط كأهم قطاع في الاقتصاد، بينما بدأت عمان تحصد ثمار استراتيجيتها التنموية التي تركز علي تنمية موارد الغاز الطبيعي وتنشيط السياحة .(البوابة)