السعودية تفرض غرامات مالية لتصحيح مسار سوق العمل

تاريخ النشر: 23 أبريل 2013 - 01:00 GMT
إن السياسة العقابية تضع في الحسبان منع فرص تشغيل العمالة لدى غير الكفلاء النظاميين
إن السياسة العقابية تضع في الحسبان منع فرص تشغيل العمالة لدى غير الكفلاء النظاميين

من السهل جداً اقتراح فكرة تطبيق غرامة مالية قدرها 100 ألف ريال على مَن يشغل عاملاً ليس على كفالته، وهي عقوبة عالية جداًَ إذا أضفنا إليها عقوبة السجن ومعاقبة الكفيل الذي أعطى لمكفوله حرية العمل لدى جهات ليس له علاقة بها، ذلك أن التحوُّل الذي يشهده سوق العمل في المملكة تدريجي يراعي تراكم الأخطاء وتنوعها في سوق عاش بعيداً عن التنظيم وغرق في الاستثمار في التأشيرات بيعاً وشراءً ونقلاً للكفالات حتى أصبح نشاطاً له أربابه والعارفون ببواطنه، ولعل أولئك هم الأبعد عن نيل العقاب الذي تهدف وزارة العمل من ورائه إلى تحقيق عنصر الردع والزجر لمَن استمرأوا جني أرباحهم من هذه السوق التي هي فعلا سوق سوداء للعمل وتوفير الأيدي العاملة.

لقد قطع هذا المقترح شوطاً بعيداً وأصبح في أحضان مجلس الشورى وربما يكون عمّا قريب قانوناً أو جزءاً من قانون العمل السعودي حيث تتركز النصوص العقابية المعالجة للأوضاع الخاطئة للاستقدام وتشغيل العمالة، حيث يجري العمل على وتيرة واحدة، وهي وضع إجراءات مانعة أو وقائية تحول دون هذه الكثافة الهائلة في سوق العمل المحلي، فالمعروض أكثر من المطلوب أي أن العدد يفوق حاجة السوق مرات عدة ما يتطلب التدقيق في آليات الاستقدام وشروطه بدلاً من القفز إلى عقوبات غير معتادة وغير مألوفة، بل تتعارض مع الكيفية التي بها يتم معالجة الوضع بالجملة ما يوحي بأن هذه العقوبة قد تصطدم مع الواقع فتتحوَّل إلى حبر على ورق.

إن السياسة العقابية تضع في الحسبان منع فرص تشغيل العمالة لدى غير الكفلاء النظاميين وقد سارت وزارة العمل في هذا الاتجاه وطلبت أن يتم إيداع الرواتب في حسابات العمال أولاً بأول من أجل تحقيق الرقابة مع تطبيق صارم للتفتيش الذكي، وبمثل هذه الوسائل تستطيع الوزارة أن تضع يدها على تفاصيل المشكلة بدلا من الترصد ضد من أصبحوا جزءا من تركيبة معقدة في سوق العمل تعيش على توفير العمالة للغير وهو سلوك يجب أن يتوقف، ولكنه لن يتوقف سوى بموجهات جديدة تجعل من الاستثمار في التأشيرات أمراً غير ممكن من الناحية العملية ولهذا أكثر من طريقة، وقد سارت وزارة العمل في هذا الاتجاه ولديها أكثر من وسيلة لتحقيق ذلك. والذي يمكن حدوثه أن يتم توقيع عقوبة الغرامة بــ 100 ألف ريال ضدّ مَن أخطأ في تشغيل عامل بعد أن أغلقت أمامه أبواب الحصول على عامل أو عاملة، في حين يبقى هوامير سوق العمل في مكان آمن، كما أن من الممكن أن يصنعوا لأنفسهم وسائل حماية فالثغرات في القانون دائماً موجودة وممكنة ومن الصعب المقارنة بما هو معمول به في دول مجاورة، فلكل سوق ظروفه ومؤثراته وطبيعته الخاصّة التي تفرز مشكلات تختلف عن الآخر، وهذا يعني عدم عملية اقتباس الحلول أو التقليد في معالجة المشكلات فما ينجح في بلد قد يفشل في بلد آخر، ولذا فإن الابتكار لمعالجة المشكلات هو الطريق الأسلم مع تحقيق متطلبات الأطراف في سوق العمل وفتح مجالات بدلاً من دفع السوق دفعاً نحو المخالفة النظامية. إن تصريح مسؤول في الغرفة التجارية في الرياض، بأن الاستقدام في السابق كان بما يعادل النصف متاجرة في التأشيرات وليس احتياجاً فعلياً للمستقدم يكشف عن رقم كبير جداً وربما يؤكّد أن لدينا فائضاً من الأيدي العاملة يفوق الاحتياج إليها وهذا يتطلب إجراءات وليس عقوبات وتنظيماً للاستقدام، فليس كل من قدم طلب استقدام تمت الاستجابة له، ولذا فإن وزارة العمل بيدها الملف وبيدها العصا أيضاً حيث يجب أن تمسكهما من المنتصف وليس من الطرف.