تترقب «القطاعات السياحية» أن تثمر جولة رئيس الجمهورية ميشال سليمان على عدد من الدول الخليجية أخيرا، برفع الحظر عن قدوم مواطنيها إلى لبنان، خصوصا أن موسم الصيف الذي يعد العصب الأساس للنشاط السياحي، على الباب. لكن، ما يبدو لافتا للانتباه، وجود إصرار على إبقاء الحظر، إذ لم يكد يمر 20 يوما على تحذير الدول الخليجية الأربع (الكويت، الإمارات، قطر، البحرين)، حتى دعت الإمارات مواطنيها مجددا، إلى عدم السفر إلى لبنان، ما يشرع المخاوف على مصير قطاع يشكل حوالي 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير نقيب «أصحاب الفنادق» بيار الأشقر إلى أن «الزيارات الرئاسية والاتصالات الحكومية والوزارية، لم تدفع حتى الآن، إلى رفع الحظر رسميا»، مؤكدا عبر «السفير» أن «مفاعيل الحظر وتداعياته أشد تأثيرا على القطاع، بل على البلد كله، من معظم المشاكل التي مررنا بها في السنتين الأخيرتين».
وفيما يتوقع الأمين العام لـ«اتحادات النقابات السياحية» جان بيروتي عبر «السفير»، ألا «تتعدى إيرادات القطاع أربعة مليارات ونصف المليار دولار هذه السنة، بتراجع 25 في المئة مقارنة مع العام الماضي، وحوالي 36 في المئة مقارنة مع العام 2010»، يرى «أن الحظر يخسر البلد السائح الخليجي الذي يعدّ الأكثر إنفاقاً، مقارنة مع السائح الغربي».
وفي السياق نفسه، يؤكد رئيس «نقابة أصحاب وكالات تأجير السيارات السياحية الخصوصية» محمد دقدوق لـ«السفير» أن «الحوادث التي شهدتها طرابلس وبيروت أخيرا، لم تؤثر على القطاع كما يؤثر الحظر»، لافتا الانتباه إلى أنه «لحظة إعلان منع السفر في النصف الأخير من أيار، ألغيت أكثر من 80 في المئة من الحجوزات، وبقي الوضع على هذا الحال حوالي 10 أيام، ليتمكن القطاع من التقاط أنفاسه بعد ذلك». ويضيف «لكن ما يبدو لافتا للانتباه، وجود نشاط سياحي خليجي حاليا، على الرغم من قرار الحظر، فضلا عن ارتفاع في قدوم السياح من العراق والأردن. أما أجنبيا فلا يزال الحراك شبه معدوم».
ويبدي الأشقر استغرابه من استمرار الحظر، إذ «خلال الحروب والحوادث كلها التي مرت على لبنان، لم يصدر قرار كهذا»، معتبرا أن «كل الايجابيات التي من الممكن أن تصدر من طاولة الحوار الوطني، لن تخفف من وطأة التراجع، إذا لم يرفع قرار الحظر رسميا».
فنادق تستعد للإقفال خارج بيروت
وعلى الرغم من تحسن الإشغال في فنادق بيروت (5 نجوم) 35 في المئة، و(أقل من 4 نجوم) 55 في المئة في النصف الأول من السنة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، فإن الوضع خارج العاصمة لا يزال «كارثياً»، ويفضل الأشقر وبيروتي القول: «إن معدل الإشغال خارج العاصمة ظلّ ما دون 40 في المئة في هذه الفترة».
ولا يقف الأمر هنا، بل علمت «السفير» أن هناك فنادق خارج العاصمة، تفكر جدياً بإقفال أبوابها. ويوضح الأشقر وبيروتي أن «المحرك الأساس للقطاعات السياحية خارج العاصمة، كان 500 ألف سائح يدخلون عبر البر سنويا معظمهم عائلات ومن الطبقة الوسطى وما دون، أما اليوم فحركة العبور معدومة، فمثلا كان هناك حوالي 90 ألف أردني و80 ألف خليجي يأتون إلى لبنان في موسم الصيف فقط، ومجموعات سياحية كانت تأتي برّا مستفيدة من الأسعار المخفضة، فضلا عن السياح الإيرانيين الذين يقدر عددهم بأكثر من 50 ألفا، هؤلاء جزء كبير منهم لا يقدر على الكلفة العالية للمجيء جوّاً، كذلك لا يجرؤ على القدوم في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة».
ارتفاع الحجوزات يرتبط بمؤشرات إيجابية
وبينما يؤكد الأشقر أن «حجوزات الفنادق لموسم الصيف لا تزال قليلة جدا في بيروت»، يقول بيروتي: «إن 15 في المئة من حجوزات شهر تموز المقبل ألغيت، من أصل معدل وسطي يتراوح بين 50 و60 في المئة، وننتظر حجوزات إضافية، إذا ظهرت مؤشرات إيجابية عن طاولة الحوار، وتهدئة الخطاب السياسي». وفي السياق نفسه، يقول دقدوق: «إن الحجوزات على السيارات السياحية، في الموسم الأول (من 20 حزيران إلى 20 تموز المقبل) يلامس 50 في المئة مقارنة مع 70 في المئة في العام الماضي، أما نسبة الإلغاءات في هذه الفترة، فلم تتعد 10 في المئة، بعدما بلغت ذروتها في أيار الماضي والأيام الأولى من حزيران الجاري، إذ كان من المتوقع أن تبلغ نسبة التشغيل 70 إلى 80 في المئة، إلا أنها هبطت إلى أقل من 55 في المئة».
ويتوزع النشاط السياحي، وفق الأشقر، إلى قسمين:
ـ الأول في العاصمة وهو لا يزال متماسكا نتيجة إقبال شريحة واسعة من رجال الأعمال على عقد المؤتمرات والمعارض، حيث ظلت بيروت الأكثر أمانا واستقرارا مقارنة مع عواصم المنطقة.
ـ الثاني خارج العاصمة، والذي يفترض عادة أن يعكس مؤشرات السياحة الفعلية، إلا أنه في ظــل الواقع الحــالي، لا يزال يعــاني مشــكلة تتفاقم منذ السنة الماضية، بعدما خسرنا شرائح واسعة من سياح البرّ.
وبلغ معدل الاشغال الفــندقي في بيروت في النصف الأول من السنة 70 في المئة، مقارنة مع 40 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي، أما حاليا فتتراوح النسبة، وفق الأشقر، بين 60 و75 في المئـــة، بعــــدما تخطت في أيار الماضي 70 في المئة، على الرغم مما شهده هذا الشـــهر، من وقوع حـــوادث أمنية متفرقة. أما خـــارج العاصمة، فيـــبدو المشهد مخالفا تماما، حيـــث بلـــغت نسبة إلغـــاء الحجوزات، وفق بيروتي، 80 في المئـة في الفترة نفسها.
الصيف من 100 إلى 30 يوماً
يلخص الأشقر المشهد بالقول: «موسم السياحة الصيفية كان يمتد إلى 100 يوم، أما الآن ونتيجة الوضع السوري ووقوع شهر رمضان في منتصف الموسم، فلم يعد يتعدى 30 يوماً». وهذا ما ينعكس سلباً على الوظائف التي كانت تتوافر في الموسم لحوالي 20 ألف شاب معظمهم من الطلاب، يعملون في الفنادق والمطاعم والمسابح والملاهي وغيرها من القطاعات، إذ وفق إحصاءات النقابة، تراجعت إلى أقل من سبعة آلاف وظيفة.
ويلفت الانتباه إلى أن «القطاع لم يشهد حالات صرف للموظفين حتى الآن، لكن من يترك العمل لسبب أو لآخر، لا يحل أحد مكانه». وعن توقعاته لموسم الصيف، يقول: «إن نتج من طاولة الحوار خير، فمن الممكن أن تتغير المعادلة إيجابا، فلبنان معروف بنهوضه السريع والقوي، وهذا ما حدث مثلا بعد حرب تموز 2006، وأيار 2008، لكن المعادلة الأهم والأكثر تأثيرا هي أن ترفع دول الخليج وبعض الدول الغربية الحظر عن سفر رعاياها إلى لبنان».
لبنانيون وأوروبيون يلغون حجوزاتهم
أما بيروتي فيشير إلى أن الهبوط القاسي للإشغال في أيار وحزيران تخطى 40 في المئة، نتيجة إلغاء مجموعات أوروبية وبعض العرب ولبنانيين مغتربين حجوزاتهم. ويوضح أن «الخليجي يبقى حتى الدقيقة الأخيرة، ليختار البلد التي سيقضي فيها إجازته، وهذا ما يمكن أن نعول عليه خيرا في الأسبوعين المقبلين، أما السائح الأجنبي والمغترب اللبناني، فيحجز قبل وقت كاف من الموسم، ما يعني أن من لم يحجز في نيسان وأيار الماضيين، خسرنا قدومه هذه السنة». ويلحظ بيروتي أن «لبنان لم يعد على الخريطة السياحية، ومن يأتي إليه، يأتي لسبب أو لآخر، أي ما يمكن وصفه، بالسياحة القصرية، أو سياحة أولاد البيت، إذ صحّ التعبير». ويلفت الانتباه إلى أن النشاط السياحي في العاصمة أخذ من حصة الأطراف، بعد ارتفاع مخاطر العبور برّا، يضاف إلى ذلك أن القطاعات خارج العاصمة، تتكبد أكلاف وخسائر إضافية ناجمة عن 18 إلى 20 ساعة من انقطاع يومي للتيار الكهربائي، وخدمات شبه معدومة». ويسأل «في أي نهار سيعي السياسيون أهمية الاقتصاد بحياة المواطنين، وأن النزاع على تبعية اللبنانيين كلفته حياتهم ورخاؤهم؟». وإذ يعقد القطاع الآمال على طاولة الحوار، يوضح بيروتي أن «عددا من المؤسسات السياحية تتريث في صرف موظفيها حاليا، متوقعة أن تنعكس الأجواء الايجابية نشاطا سياحيا قريبا». أما دقدوق فيؤكد أن «أجواء الحوار تلقي بتداعيات ايجابية على البلد»، متوقعا أن «تظهر المؤشرات على القطاع خلال الأسبوع المقبل». ويوضح أن «المشغل الأبرز لقطاع تأجير السيارات، اللبناني المقيم والمغترب، الذي تقدر نسبته بحوالي 80 في المئة».
30% التراجع في تأجير السيارات
وإجمالا، يشير دقدوق إلى أن «حركة التشغيل تراجعت 30 في المئة في النصف الأول من السنة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ بلغت 30 إلى 35 في المئة، مقابل 60 في المئة في 2011». لكن ما يبدو مؤشرا سيئا، إقفال 7 وكالات تأجير سيارات أبوابها أخيرا، وهناك أخرى تنتظر انتهاء الموسم الحالي لتتخذ قرار الاستمرار أو الاقفال. يضاف إلى ذلك «ان عدد الوكالات العاملة يبلغ حوالي 220 شركة، 20 في المئة منها خفضت من حجم أسطولها هذه السنة البالغ 15 ألف سيارة». لكن لا يريد دقدوق أن يختم حديثه بمسحة تشاؤمية، فيؤكد أن «لبنان استعد لاستقبال السياح بأسطول من أربعة آلاف سيارة سياحية طراز 2012 و2013، ونراهن كما القطاعات الأخرى، على موسم واعد وناجح، لأن هذا البلد برهن دائما، أنه يمرض سريعا لكنه يتعافى أسرع».
كامل صالح