السؤال الذي يطرق باب غالبية المنتجين في لبنان يتعلق بكيفية التصدير إلى دول الخليج في ظل إغلاق المعبر البرّي أمامهم، أي سوريا. الباخرة التي تنقل البضائع إفرادياً قد تكون حلاً لبعضهم، فيما العبّارة ستكون حلاً للصادرات الزراعية. إلى أي مدى يكون خيار النقل البحري مجدياً؟ منذ أكثر من شهر ونصف شهر يستحيل تصدير أي سلعة لبنانية برّاً، أي من طريق سوريا. على أطلال هذا الخطّ وُلدت خطوط بديلة للتصدير بحراً. حتى الآن هناك وسيلتا نقل بحري لكلّ منهما صعوباتها ومشاكلها وإيجابياتها أيضاً. الكلفة ليست أهم هذه المشاكل فيما التنظيم والاستدامة يعدّان العائق الأساس. هل ينجح لبنان في تكريس هذه الخطوط والاستغناء عن سوريا للمرّة الأولى في تاريخه؟ التحدّي يزداد صعوبة مع ارتفاع وتيرة المعارك في سوريا وحدّة الحاجة إلى النقل البحري في لبنان.
في الاشهر الثلاثة الأولى من عام 2013 صدّر لبنان 91.8 ألف طن من المنتجات الزراعية المدعومة مقارنة مع 82.4 طناً في الفترة نفسها من عام 2011. وقد بلغت نسبة النقل البحري في 2012 نحو 8.2% مقابل 91.7% للنقل البرّي. إلا أن هذا التوزّع تغيّر كثيراً هذه السنة مع توقف النقل البرّي منذ تاريخ 8 آذار إلى اليوم بصورة تامة، ما خفض نسبة النقل البري إلى 60.9% مقابل 39% للنقل البحري. ويُتوَقّع استمرار هذا المسار للصادرات اللبنانية إذ إن «إغلاق الحدود البرّية أمام الصادرات اللبنانية سيرفع نسبة التصدير البحري للمنتجات الزراعية إلى 100%» على ما يقول رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية لتشجيع الاستثمار في لبنان (ايدال) نبيل عيتاني.
حتى الآن لم يتحوّل التصدير البحري إلى خطّ دائم يعتمد عليه رغم اتخاذه أكثر من شكل؛ ففي البدء، أي منذ اندلاع الأزمة في سوريا وارتفاع كلفة التصدير البري من لبنان برّاً إلى 5000 دولار على الحاوية الواحدة، لجأ التجار إلى البواخر المتجهة إلى موانئ بعض المدن الساحلية مثل بورسعيد والعقبة وجدّة وسواها، كوسيلة للتصدير. وبحسب رئيس الغرفة الدولية للملاحة إيلي زخور، فإن النقل بواسطة البواخر، هو عملية فردية يمكن أي مصدّر ان يقوم بها ويحجز لبضائعه مكاناً على الباخرة وهي وسيلة متوافرة بوتيرة يومية إلى أي من الموانئ المطلوبة وهي أيضاً وسيلة رخيصة «لأن لبنان يستورد نحو 500 ألف حاوية ويصدّر نحو 300 ألف سنوياً، فيما تصدّر شركات الملاحة نحو 200 ألف حاوية على حسابها، ما يعني أن من الأفضل لها تأجير هذه الحاويات وتشغيلها». وقد ازداد استعمال هذه الوسيلة إلى الضعف «فقد كنّا نصدّر 2500 حاوية شهرياً بواسطة البواخر، ثم تضاعف العدد إلى ما بين 4500 حاوية و5000 حاوية شهرياً» يقول زخور.
مشكلة البواخر أنها لا تنقل الشاحنات المبرّدة فيما يجب نقل المنتجات الزراعية مبرّدة لأنها قابلة للتلف بسرعة. وفي حال لجأ المصدّر إلى استعمال برّادات البواخر، فإن أعباءه ستزيد حتماً وستكون كلفة النقل مضاعفة نظراً للتحميل والتفريغ أكثر من مرّة خلافاً لآلية النقل السابقة التي تتضمن التصدير برّاً. ففي السابق كانت الشاحنات المبرّدة تحمّل البضائع من المزرعة وتذهب مباشرة نحو الحدود اللبنانية ــــ السورية، ومن هناك إلى الأردن أو العراق ومصر ودول الخليج. أما آلية النقل البحري فهي أكثر تعقيداً في عملية التحميل والتفريغ من المزرعة إلى الباخرة ومن هناك إلى المرفأ ثم إلى التاجر الذي اشترى البضاعة...
في ظل هذا الوضع خرجت فكرة العبّارات التي استخدمها الأتراك لتصدير منتجاتهم وتشغيل 250 ألف شاحنة مبرّدة ودعم النقل من خلال بمبلغ 1000 دولار على النقلة الواحدة. لكن ما هي حظوظ مثل هذه الآلية في لبنان؟ إن مشكلة استخدام العبّارات بالنسبة للمصدرين اللبنانيين، تكمن في أنهم سيدفعون أجور النقل مرتين؛ في المرّة الأولى سيدفعون أجرة الشاحنة المبرّدة، وفي المرّة الثانية أجرة العبّارة. وعناصر الكلفة على العبارة مختلفة أيضاً عن الخط البري لجهة الرسم على الحدود، وفيما يفرض المسار البري على سائق الشاحنة المرور بنحو 3 بلدان عربية وسداد رسوم العبور في كلّ منها، يوجب المسار البحري سداد رسوم عبور قناة السويس الباهظة جداً.
وللخطّ البحري مشكلتان؛ المشكلة الأولى متعلقة بمسار العبّارة الذي لا يحقق إيرادات كبيرة تغري لتحويله إلى خطّ ثابت بوتيرة اسبوعية، فيما تنطوي المشكلة الثانية على كيفية عودة الشاحنات من دون تحميل المصدرين أو أصحاب الشاحنات أي أعباء جديدة، إذ إن الشاحنات المبرّدة المنقولة بواسطة العبّارة سواء ذهبت إلى ميناء ضبا في السعودية أو ميناء بورسعيد في مصر، عليها إفراغ حمولتها والعودة إلى لبنان برّاً أو بواسطة العبّارة أيضاً، لكن العودة براً من دون حمولة غير مجدية اقتصادياً لمالكي الشاحنة، فيما العودة بواسطة العبّارة ستكون أمراً مكلفاً على الشاحنة، وسيكون مكلفاً على العبارة إذا لم تنقل حمولة في خطّ العودة! في رأي عيتاني، إن هذا الخطّ البحري يحتاج إلى تنظيم فقط، لأن مسار العبّارة يجب أن يكون بيروت ــــ ضبا (السعودية) ــــ بنغازي (ليبيا) ــــ بور سعيد (مصر) ــــ بيروت. وبالتالي يجب رسم طرق عودة الشاحنات من الخليج إلى مصر سواء في بور سعيد أو أي ميناء آخر هناك لتأمين عودتهم عبر العبّارة «لكن الوكلاء البحريين متخوفون من أن يكون الخطّ البحري هو خط مؤقت وليس خطّاً ثابتاً».
ليس سهلاً معالجة هذه التعقيدات بصورة ترضي الجميع، أي ترضي تشغيل النقل البرّي بكلفة منخفضة على المصدّر وبالعائد المناسب لاصحاب العبّارة. ولذا، يعتقد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك، إن تصدير المنتجات الزراعية «يتطلب من الدولة شراء عبارتين أو ثلاث عبّارات وتشغيلها ودعم التصدير عبرها... بهذه الطريقة وحدها يمكن التغلّب على التعقيدات».