لا شك أن طبول الحرب التي تُقرع حالياً بين الغرب وروسيا بخصوص التوترات مع أوكرانيا تزداد جدية كل يوم. سواءٌ استطاعت السبل الدبلوماسية كبح جماح احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة يخشاها جميع الأطراف أو تصاعدت الأحداث باتجاه أكثر عنفاً، لن ينجح شيء في منع تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة جديدة.
مع كل يوم جديد، تزداد الأزمة في أوكرانيا تعقيداً كما ترتفع حدة اللغة التي يستخدمها القادة والسياسيون في توجيه التهديدات لبعضهم البعض. فنرى تحالف الناتو بقيادة الولايات المتحدة مستمراً في التحذير من غزو روسيّ وشيك لأوكرانيا، فيما تنكر روسيا أي خطط لذلك.
فيما تتصاعد التهديدات في أوروبا، تتخوف بقية دول العالم من غير المنخرطين في الصراع من التبعات المحتملة لأي مواجهة بين أكبر جيوش العالم وأكثرها تسليحاً. ولكننا هناك للحديث فيما بعد السياسة.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المهم الاستعداد للنتائج التي قد تنجم عن المواجهة العسكرية المحتملة والتي قد تؤثر على اقتصادات المنطقة خصوصاً باعتماد المنطقة على اقتصادات أوروبا، روسيا، وأوكرانيا بشل كبير.
التأثير المتوقع على اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
النفط
تعد احتمالات الحرب القائمة حالياً واحدة من أكبر الأسباب التي أشعلت أسواق النفط الذي لامست أسعاره مستويات قياسية لم نشهدها منذ سنوات تقترب من الـ$100 دولار للبرميل الواحد. لا تأتي هذه الارتفاعات مفاجئة إذا ما عرفنا أن روسيا هي ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، ما يعني أن أي تغيرات تتطرأ على معدلات الانتاج ستؤثر مباشرة على الأسعار التي قد ترتفع إلى مستويات تاريخية.
الغاز الطبيعي
تأتي روسيا في المرتبة الثانية عالمياً من حيث إنتاج الغاز الطبيعي الذي لا تعتمد الكثير من الدول العربية عليه، لكن من المتوقع أن تنعكس التوترات المستمرة مع أوكرانيا على ارتفاع شديد على أسعاره ما يتسبب بتحديات إضافية لاقتصادات المنطقة المتعثرة أصلاً.
كذلك فإن الغاز الطبيعي هو أحد أهم صادرات أوكرانيا التي تأتي في المرتبة 36 من حيث إنتاجه.
القمح
تعد كل من أوكرانيا وروسيا من أكبر منتجي القمح في العالم إذ تقدمان قرابة 29% من احتياجات القمح في العالم، ما يعني أن أي تغير في معدلات إنتاج هذا العنصر الغذائي الأساسي يعد أمراً كارثياً بالنسبة للشرق الأوسط الذي يعاني من التصحّر ويعتمد على استيراده بشكل رئيسي من دول أخرى.
في العام 2020، استوردت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يعادل 50% من صادرات أوكرانيا من القمح.
بحسب بيانات CNBC Arabia، فإن لبنان هو أكبر مستورد للقمح الأوكراني في العالم، معتمداً على الدولة الشرق أوروبية في الحصول على حوالي 50% من احتياجاته، ما يعني أن العجز عن استيراد الكميات اللازمة منه يعني أزمة غذاء كبرى في البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية تاريخية منذ أكثر من سنتين.
في المرتبتين الثانية والثالثة من حيث مستوردي القمح الأوكراني في المنطقة، تأتي ليبيا واليمن اللتان مزقتهما الحرب وتتهددهما الأزمات المالية والمجاعة.
تتعدد أوجه الخطر الذي تشكله احتمالات هذه الحرب على الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، فهي لا تهدد فرصة حصولنا على إمدادات الغذاء المعتادة والتي قد تؤدي إلى مجاعات ونزاعات مسلحة جديدة فحسب، إنما قد تودي الارتفاعات المتوالية في الأسعار إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة منذ عقود، إضافة إلى التحديات التي تسببت بها جائحة كورونا في السنتين الأخيرتين.
بالرغم من عدم تورط أي من دول المنطقة في الأزمة الأوكرانية -حتى الآن- لكن بوسع اندلاع المواجهات العسكرية في أوروبا التسبب بأضرار بليغة على اقتصادات هذا الجزء من العالم.