لبنان: ارتفاع درجة المخاطر المحلية

تاريخ النشر: 23 مايو 2012 - 02:48 GMT
يُمثّل القطاع السياحي أحد المقوّمات الأساسية للاقتصاد اللبناني الريعي وغير المنتج
يُمثّل القطاع السياحي أحد المقوّمات الأساسية للاقتصاد اللبناني الريعي وغير المنتج

المؤسسات السياحية محبطة والصادرات تستبدل ممرات البر بالبحر  الأزمة في سوريا، المناخ العربي المتوتر، الاضطرابات السياسية والأمنية المحلية، حكومة تنأى بنفسها عن كل شيء... جميعها عوامل تدفع إلى القلق في ظل اقتصاد ريعي هشّ مرهون للتدفقات المالية الخارجية والنشاط السياحي ومستوى عال من الاستهلاك المحلي على مشارف صيف 2012، مع استعداد المؤسسات السياحية المختلفة لهذا الموسم، والآمال المعقودة، كالعادة، كانت كبيرة؛ نظراً إلى أنّ الأزمات التي عصفت بالعالم العربي لم تكن قد مسّت لبنان بعد. غير أنّ الرياح سرعان ما تغيّرت وبدأت الحسابات العكسية.

فبحسب الأمين العام لنقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي، طوني الرامي، الأعمال في هذا القطاع تراجعت بنسبة 50% خلال الفترة الأخيرة، «وهي ضربة قوية للمؤسّسات المختلفة التي كانت تهيّئ نفسها لفصل الصيف». يوضح الرامي أنّ في السنوات السابقة كان يُسجّل تدفّق 50 ألف سائح شهرياً عبر الحدود السورية من مختلف الجنسيات. «يزور هؤلاء لبنان للسياحة، ليس فقط في بيروت، بل في مختلف المناطق، وبالتالي إنّ تأثير إنفاقهم يمسّ العاصمة إيجاباً ومختلف المؤسسات المنتشرة في الأطراف». أمّا الآن، مع استمرار الأحداث في سوريا وازدياد التوتّر في لبنان، فهناك تراجع حادّ في تدفّق هؤلاء السياح.

ويُمثّل القطاع السياحي أحد المقوّمات الأساسية للاقتصاد اللبناني الريعي وغير المنتج. وفي عام 2011، عانى من جراء التوترات في المنطقة – وتحديداً في سوريا – وانخفض عدد السياح بنسبة 25% تقريباً، بعدما كان العام السابق قد سجّل رقماً قياسياً فوق 2.1 مليون سائح.

ووفقاً لتوقّعات مجلس السياحة والسفر العالمي التي صدرت في بداية العام الجاري، يُتوقّع أن يُسهم قطاع السياحة والسفر في لبنان بـ4.3 مليارات دولار في الاقتصاد الوطني في العام الجاري – أي نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي – وأن يرتفع عدد العاملين فيه إلى نحو 130 ألف عامل، ما يُمثّل 9.5% من القوة العاملة الإجماليّة، مع العلم بأنّ هذا القطاع يمسّ مختلف القطاعات الأخرى، وبالتالي يكون تأثيره على صعيد الاقتصاد ككلّ. لكن مع التطوّرات السلبية الملحوظة وتوقّعات الخبراء، قد يكون نشاط القطاع هذا العام عكسياً، ما يؤدّي ربما إلى موجة صرف للموظّفين. الصادرات الأساسيّة ومن السياحة إلى حركة الصادرات حيث تقع المعادن الثمينة، وأبرزها الذهب، على رأس اللائحة. إلا أن تراجع الطلب الخارجي على هذه السلعة الكمالية أدى إلى انخفاض كمية صادرات الذهب المصنّع والمشغول لدى مصانع الحرفيين اللبنانيين، إلى النصف تقريباً بحسب الرئيس السابق لنقابة الصاغة والجوهرجية وليد معوّض. «يعود هذا التراجع إلى استمرار الأحداث السياسية والأمنية (في المنطقة عموماً) منذ أكثر من سنة إلى اليوم، التي كان لها تأثير سلبي على مبيعات الذهب المشغول».

وفي عام 2011 استورد لبنان 36.8 طناً من الذهب الخام؛ وفي المبدأ يُصدّر معظم هذا المعدن الثمين بعد شغله وتصنيعه، وتتجه 60% من تلك الصادرات إلى دول الخليج. لكن في العام الماضي، انخفض حجم الصادرات إلى نصفه.

«هذا الانخفاض لم يكن مرتبطاً بارتفاع أسعار الذهب عالمياً منذ نحو سنة إلى اليوم»، يوضح خبير الجواهر. «ففي عام 2010 كانت واردات لبنان من الذهب 32.5 طناً بقيمة 1208.8 مليار ليرة، أي إن سعر الذهب ارتفع من 38500 دولار لكل كيلوغرام خام، إلى 69 ألف دولار».

وهكذا يعود تراجع الطلب إلى تغيّر ثقة المستهلك اللبناني والعربي «الذي لم يعد يرغب بالإنفاق على شراء سلعة كمالية مثل الذهب؛ فالعامل النفسي يؤدي دوراً مهماً في هذا الأمر». ولهذا الأمر وقع كبير على المصانع المحلية، فبعضها يعمد حالياً «إلى صرف الموظفين»، يتابع معوّض. رغم ذلك، لم تشعر المصانع اللبنانية باليأس بعد، فبحسب معوّض «هي تسعى حالياً إلى توسيع وجودها في الأسواق الأوروبية لتعويض النقص الحاصل في تصريف الإنتاج في الدول الخليجية. وما يعزّز هذا الاتجاه أنه يمكن الأسعار اللبنانية أن تنافس الأسعار الأوروبية بجودة مماثلة للمنتج الأوروبي».

لكن الأسواق الأوروبية هي الوحيدة المتاحة، وهي تعاني مشاكل اقتصادية كبيرة؛ ففي منطقة الشرق الأقصى لا يُمكن المنافسة؛ لأن كلفة الإنتاج اللبناني أعلى بنحو 4 أضعاف مقارنة بالمعدّل السائد في البلدان هناك. لذلك تسعى بعض المصانع اللبنانية حالياً للمشاركة في معارض للذهب في مختلف بلدان أوروبا والولايات المتحدة.

وبموازاة هذه المشاكل، تبقى المنتجات اللبنانية معرّضة لمنافسة في الأسواق الخارجية، ولا سيما من المصانع التركية، والتايلاندية والصينية التي دخلت على الخط أخيراً. علماً بأن كلفة الإنتاج الأساسية لهذه السلع، تتركّز في اليد العاملة الخبيرة، لأن سعر الذهب الخام محدّد عالمياً. الآلات معطّلة! ومن أبرز الصادرات التي تتعرّض لمخاطر واسعة بسبب التطورات المحيطة بلبنان، هي صادرات الآلات والمعدات الكهربائية التي تصنّع في لبنان؛ فهي تعدّ من الصناعات التجميعية الخفيفة ذات القيمة المضافة التي لديها قدرة تنافسية في الأسواق الخارجية بحسب خبراء في هذا القطاع.

يوضح هؤلاء أنّ المشكلة الأساسية في هذا القطاع تتمثّل في التزام المصانع العقود الخارجية الموقّعة في بلدان مثل العراق ودول الخليج، وإيران... ففي الفصل الأول من العام الجاري تراجع تصدير لبنان من الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية إلى 116.3 مليون دولار مقابل 128.8 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بما نسبته 9.7%. ويُشار إلى أنّ الصادرات من الآلات والمعدّات الكهربائية تراجعت بنسبة 31% تقريباً بين عامي 2010 و2011.

ووفقاً للخبراء أنفسهم، كان للعقوبات على إيران وسوريا أثر في هذا التراجع، حيث بات التدقيق وفتح الاعتمادات المصرفية أمراً معرقلاً لعمليات الاستيراد والتصدير. كذلك، إن سعي المصنعين إلى التزام عقودهم، دفعهم إلى تحمّل مخاطر أكبر، ولا سيما أن عمليات التصدير البرّي باتت مكلفة أكثر بسبب الضغوط الأمنية في سوريا، ولا سيما أن العراق والسعودية والأردن والكويت والإمارات العربية تستحوذ على جزء مهم من صادرات الآلات والمعدات الكهربائيّة. المواد الغذائيّة ومن تصدير المعادن الثمينة والآلات الصناعية إلى قطاع الصناعات الغذائية حيث تطاول التبدلات في حركة استيراد وتصدير آلية نقل المنتجات، من دون التأثير على ماهية الأسواق المصدّرة والمستوردة. يشرح رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية عادل أبي شاكر، أن الأسواق التي يستورد منها لبنان متعددة، من القارة الأميركية، والاتحاد الأوروبي وتايلاند والصين إلى الدول العربية. بالتالي لم يتأثر حجم المستوردات بما يحصل من اضطرابات أمنية إقليمية، إلا أنّ من المؤكد أنّ تأثيرات الإضرابات المحلية ستؤثر على انخفاض الطلب في السوق اللبنانية وتراجع حجم المستوردات.

يلفت أبي شاكر إلى أنّ ما يحدث في سوريا لم ينعكس أيّ تغييرات في حجم الاستيراد من الأسواق العربية، غير أنّ العوائق زادت أمام الاستيراد، وخصوصاً مع فرض السعودية آليّة استحصال السائق السوري على تأشيرة دخول (Visa) للمرور في أراضيها. وهكذا تراجع الاستيراد البري لصالح الاستيراد عبر البحر وزادت الفترة المنتظرة لاستيراد البضائع، وارتفعت كلفة الاستيراد في آن واحد.

ويستورد لبنان العديد من المواد الغذائية من الأصناف العالمية من الدول العربية. فبهدف الإفادة من معاهدة التيسير العربية التي تفرض عدم وجود رسوم جمركية لانتقال البضائع بين الدول الموقعة، اتجهت الشركات العالمية للتصنيع في عدد من الدول العربية، منها مصر وبعض دول الخليج والأردن.

أما حركة تصدير الصناعات الغذائية، فلم تتأثر كثيراً بما يحصل في العالم العربي، يقول رئيس نقابة الصناعات الغذائية جورج نصراوي. فالأسواق التي يصدر إليها لبنان صناعاته الغذائية لا تزال هي ذاتها، وهي تتوزع بين الدول العربية وأوروبا وأميركا اللاتينية وكندا وأفريقيا. ويلفت إلى أن نسب الصادرات إلى الدول العربية لم تتغير، ولكن الشحن تحول من البر إلى البحر، وبذلك لم ترتفع الكلفة كثيراً، إلا أن وصول البضائع إلى هذه الأسواق أصبح يطول لأسابيع.

يشدد نصراوي على أن الأزمة المحلية اللبنانية أكثر تأثيراً من الأوضاع الإقليمية على الصادرات؛ إذ إن تطور الأحداث الداخلية يضعف الثقة بالمصدّر اللبناني، ما يؤدي إلى تراجع في الطلب العالمي والإقليمي على منتجاته. كذلك، في حال تطوّر الأزمة الداخلية، من الممكن أن يصبح الوصول إلى المصنّعين في الأرياف صعباً، ما يخفض من حجم الصادرات. ويلفت نصراوي إلى أن السوق الداخلية تشهد انكماشاً واضحاً، في حين أن حجم الصادرات لا يزال حتى اليوم مستقراً. مصاعب ترانزيت وبالانتقال إلى القطاع الزراعي، يوضح رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك، أنّ حجم الصادرات الزراعية مستقرّ، باستثناء الموز، الذي تراجع حجم صادراته إلى سوريا من 95 ألف طن إلى 35 ألف طن سنوياً. ويعود ذلك إلى أن السلطات السوريّة خفضت الرسوم الجمركية على استيراد الموز، ما أدّى إلى تراجع الطلب على الموز اللبناني الذي أضحى سعره في السوق السورية أغلى مقارنة بالواردات من البلدان الأخرى.

يؤكد حويك أن حركة الترانزيت الزراعيّة عبر سوريا لا تزال على حالها، إلا أنّ كلفة النقل ارتفعت نتيجة زيادة كلفة المخاطر من المرور في الأراضي السورية، وبذلك ارتفعت أسعار المزروعات اللبنانية المعدة للتصدير بنسبة 50% على معظم المنتجات. في المقابل، شهدت السوق اللبنانية تراجعاً في حجم استهلاك المزروعات بنسبة تراوح 30% و40% في عام 2011 في مقارنة مع العام 2010.

أما بالنسبة إلى حركة استيراد الفاكهة والخضر، فلا تزال على حالها. علماً بأن غالبية الواردات الزراعية هي من السعودية ومصر والأردن وسوريا. لا بل يشير حويك إلى ارتفاع في حجم الاستيراد بعد إلغاء الروزنامة الزراعية منذ بداية عام 2012.

13 في المئة نسبة نموّ حركة المسافرين عبر مطار بيروت الدولي في نيسان الماضي مقارنة بالشهر نفسه من عام 2011. ومنذ بداية العام الجاري نما عدد المسافرين بنسبة 18.8% إلى 1.765 مليون مسافر. ونما عدد الوافدين بنسبة 17.1%، فيما ارتفع عدد المغادرين بنسبة 20.05%. النقل عبر أراضٍ خطرة نتيجة للأزمة الأمنية السائدة في سوريا، تعاني شركات النقل اللبنانيّة ارتفاع كلفة تغطية الشحنات إلى هذا البلد الجار وعبره إلى مختلف البلدان العربية. وبحسب أوساط مطّلعة، تراجعت الأعمال بنسبة 20% عمّا كانت عليه قبل بدء الأحداث في سوريا. ويوضح أحد المطّلعين أنّ كلفة الشحنة الواحدة (النقلة) إلى العراق مثلاً ارتفعت من بين 3500 دولار و3800 دولار، إلى نحو 5 آلاف دولار «بحجّة تغطية كلفة المخاطر لدى العبور عبر الأراضي السورية». ويُشير في الوقت نفسه إلى أنّ شركات الشحن تستغلّ هذا المعطى لتفرض كلفة أكبر من كلفة المخاطرة الفعلية التي يطلبها السائق لمروره في أراضٍ غير آمنة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن