يحظى الحديث عن أداء العملات المشفرة ومستقبلها بمساحة متزايدة من الاهتمام عاما بعد آخر. وعلى الرغم من أن صعود وهبوط العملات المشفرة ليس بالجديد، فإن مؤشرات الأداء في عام 2019، تكشف عن وضع أفضل وأكثر ربحية للمستثمرين مقارنة بعام 2018، الذي اتسم بتراجع ملحوظ في أسعار العملات المشفرة.
يمكن القول بدرجة عالية من اليقين، "إن أكثر الظواهر تأثيرا في سوق العملات المشفرة في العام المنصرم يعود إلى التحول الملحوظ في مواقف عمالقة التكنولوجيا في العالم، تحديدا موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، من تلك العملات وإمكانية الاستفادة منها".
وشهد العام المنصرم تحولا في علاقة تلك الشركات بعالم العملات المشفرة، وبعد الموقف المعلن القائم على التشكك والرفض والحظر، تغير لمصلحة تبني تلك العملات والعمل على إصدار عملاتها الخاصة، وأشهرها في الوقت الحالي "ليبرا" التي يخطط "فيسبوك" لإصدارها.
إحدى السمات الأخرى التي اتسم بها عام 2019 وعلاقته بالعملات المشفرة، تعود في الأساس إلى تطورات الاقتصاد العالمي، وانعكاسها على رؤية المستثمرين تجاه هذا النوع من الأصول المالية.
يقول لـ"الاقتصادية" روبن ستانلي الخبير المالي في بورصة لندن، "إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أحدثت تغييرات في وجهة نظر كبار رجال الأعمال في العالم فيما يتعلق بالفائدة الممكن تحقيقها عبر الاستثمار في العملات المشفرة مثل "بيتكوين"، التي تفوقت في كثير من الأوقات على الأصول التقليدية مثل الذهب والأسهم".
ويضيف "يتم تداول "بيتكوين" حاليا حول سعر 7200 دولار أمريكي صعودا وهبوطا، وهو ما يمثل ربحا بنسبة 93 في المائة على أساس سنوي وفقا لمؤشر سعر عملة "بيتكوين" الخاص كوين دسك".
بالنظر إلى التطورات التي شهدتها أسعار "بيتكوين" في عام 2019، سنجد أنها ارتفعت من 3700 دولار إلى 13880 دولارا في الأشهر الستة من العام الماضي، لكن الأخبار المتعلقة بإطلاق "فيسبوك" عملته "ليبرا" التي ظهرت للعلن في منتصف العام الماضي، أوجدت مناخا من القلق لدى المستثمرين في "بيتكوين"، وعززت الشعور بأن المقبل الجديد للأسواق سيحظى بالحظوة الكبرى، وسيجذب المستثمرين إليه، ما دفع بعديد من رجال الأعمال إلى التخلص من استثماراتهم في "بيتكوين" بالبيع، ومن ثم انخفضت الأسعار في النصف الثاني من العام.
وبلغت خسارة "بيتكوين" في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2019 نحو 48 في المائة، وبلغت قيمتها أدنى مستوى سعري لها في سبعة أشهر، إذ تراجعت إلى 6500 دولار في الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لكن الانخفاض السعري لا ينفي أن عام 2019 كان عاما إيجابيا بكل المعايير لسيدة العملات المشفرة، حيث زادت حصة "بيتكوين" في سوق العملات المشفرة من 54.6 في المائة إلى 65 في المائة حاليا.
لم يكن عام 2019 إيجابيا فقط لـ"بيتكوين"، إنما لعدد آخر من العملات المشفرة الأقل انتشارا.
وحول أفضل تلك العملات أداء يعلق اس. ك. جورج المحلل المالي للعملات المشفرة في موقع دايلي إف إكس قائلا لـ"الاقتصادية"، "إن أحد أبرز تلك العملات LINK التي افتتحت العام الماضي بتكاسل نسبي فيما يتعلق بتطوراتها السعرية. فخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي ارتفع سعر الرمز الواحد من 0.31 دولار إلى 0.45 دولار، إلا أن الأسعار ارتفعت بشدة في الأسبوع الأول من شهر تموز (يوليو) الماضي بحيث بلغت 3.74 دولار، وعلى الرغم من تراجعها في آخر شهرين من العام الماضي، فإنه يتم تداولها حاليا عند مستوى 1.82 دولار، ويعني هذا أن قيمتها ارتفعت بأكثر من خمسة أضعاف خلال عام واحد".
من العملات المشفرة الأخرى التي حققت نتائج إيجابية هذا العام عملة "بينانس" التي طرحت في الأسواق منتصف عام 2017، إذ بدأت العام عند سعر ستة دولارات للعملة الواحدة، وبحلول الأسبوع الأخير من شهر أيار (مايو) الماضي ارتفع السعر إلى 35.20 دولار، ما يعني نموا بأكثر من 450 في المائة.
لكن الربع الثالث من العام الماضي شهد انخفاضا سعريا لعملة "بينانس" من 33.10 دولار إلى 15.79 دولار، ويلاحظ أن قيمة العملة ظلت ثابتة خلال الشهرين الماضيين حيث يدور السعر حاليا حول 14 دولارا، ويعني هذا أنها حققت خلال عام زيادة سعرية تقدر بـ140 في المائة.
من وجهة نظر الأداء المالي للعملات المشفرة في العام الماضي فإن عملة "تيزوس" واحدة من تلك العملات التي حققت نتائج باهرة خلال عام 2019، إذ لم يتجاوز سعر الوحدة الواحدة عند بداية العام 0.47 دولار، وبنهاية الربع الأول من العام الماضي ارتفعت القيمة إلى 1.06 دولار، واستمر الأداء في تحسن حتى بلغ السعر أعلى مستوى له عند 1.88 دولار في النصف الثاني من شهر أيار (مايو) الماضي، وعلى الرغم من تراجعها لاحقا فإنها تقف حاليا عند حدود 1.31 دولار أي أنها حققت زيادة تقارب 200 في المائة خلال عام.
ويبقى السؤال: هل تظل الأجواء إيجابية خلال عام 2020 بالنسبة إلى العملات المشفرة، أم أن الأسواق العالمية ستشهد تغيرات قد تترك بصمات مختلفة على مسيرتها، وهل ستحتفظ "بيتكوين" بسيادتها على الأسواق أم ستشهد بروزا لمنافسين جدد قد يخطفون الأضواء منها؟
وبشأن توقعات عام 2020 للعملات المشفرة، يؤكد لـ"الاقتصادية" ال. دي سيمون الخبير المصرفي في مجموعة لويدز المصرفية أن عملة "بيتكوين" تحتل الحيز الأكبر من سوق العملات المشفرة، ومع ذلك فإن السوق ستعتمد في الأساس على ما سيحدث في سوق "بيتكوين"، إلا أن أغلب التوقعات تشير إلى أن العملات المشفرة ومن بينها "بيتكوين" ستشهد تراجعا خلال النصف الأول من العام.
وحول نسبة التراجع المتوقعة وأسباب ذلك، يشير سيمون إلى أن "بيتكوين" ربما تخسر نصف قيمتها خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجديد، وسينخفض الطلب نظرا إلى توقعات السوق بشأن طرح "فيسبوك" عملة "ليبرا"، كما أن دخول "فيسبوك" سوق العملات المشفرة غالبا ما سيلهم مواقع تواصل اجتماعي أخرى وربما مواقع للتجارة الإلكترونية مثل "أمازون" و"علي بابا" لدخول هذا المجال، كما أن دولا مثل الصين تعمل على تسريع عملية تطوير عملتها الرقمية، وهذا قد يوسع سوق العملات الرقمية هذا العام، لكنه سيخطف الأضواء من "بيتكوين".
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية"، أندرسون كلارك الخبير الاستشاري في شركة بلوكشين الاستثمارية في مجال العملات المشفرة، "من المحتمل أن يجلب العام الجديد بل والعقد المقبل عديدا من حالة الصعود والهبوط في صناعة العملات المشفرة، وعلى الرغم من أن بعض المضاربين يتنبأون بأن تصل قيمة "بيتكوين" بنهاية 2020 نحو مائة ألف دولار، إلا أن هذا الأمر غير مرجح في ظل السعر الحالي".
ويضيف "بغض النظر عن التراجع المتوقع أن يحدث في الأشهر الستة الأولى إلا أن الاتجاه العام لـ"بيتكوين" هذا العام سيكون الارتفاع".
ويبني أندرسون تلك التوقعات على أساس أن تقنية سلسلة الكتلة التي تعد حجر الأساس في صناعة العملات المشفرة آخذة في الانتشار خارج حدودها التقليدية، وباتت محل اهتمام كبير من قبل عديد من منصات البيع والشراء على الشبكة العنكبوتية، كما أن كثيرا من الصناديق المتداولة في البورصات تتجه حاليا إلى مزيد من الاستثمار في العملات المشفرة، وهذا سيوجد طلبا متزايدا على تلك العملات في عام 2020.
وكان مايك نوفوجراتر المؤسس لبنك التجارة بالعملات المشفرة أعلن في إحدى تغريداته على موقع تويتر في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أنه يتوقع بلوغ سعر "بيتكوين" بنهاية عام 2020 نحو 12 ألف دولار للعملة الواحدة، وبغض النظر عن دقة تلك التوقعات فإن توقعات المستثمرين تشير إلى هيمنة الاتجاه الصعودي لـ"بيتكوين" على مسار الأحداث خاصة في نهاية عام 2020.
لكن التوقعات بارتفاع الأسعار لا تقف عند "بيتكوين" فقط، فالعملة المشفرة "إيثريوم" تحظى هي الأخرى بتوقعات إيجابية على نطاق واسع، وكذلك "بينانس" و"اينجين كوين"، إذ يتوقع أن تحقق جميع تلك العملات نتائج إيجابية خلال العام الجاري.
ويقول لـ"الاقتصادية" الخبير الاستثماري سميث وايت "إنه سيكون من الأجدى في عام 2020 أن تتسم المحافظ الاستثمارية في مجال العملات المشفرة بالتنوع، إذ يجب أن تضم ما لا يقل عن عملتين أو ثلاث، حيث يمكن أن تكون التقلبات السعرية عنيفة في بعض الأحيان خاصة إذا أخذ في الحسبان أن العام الجاري سيشهد صراعا انتخابيا حادا في الرئاسة الأمريكية".