من الناحية الاقتصادية « المجردة فان قرار رفع اسعارالمشتقات النفطية الذي اتخذته الحكومة من الناحية الاقتصادية يأتي في سياق قرار سابق ولحكومة سابقة قررت رفع الدعم عن المشتقات النفطية وربطها بمعادلة تسعيرية لها علاقة بسعر برميل النفط عالميا، اضافة الى عوامل اخرى لست في معرض الحديث عنها، ولذلك فقد سارت الحكومة على هذا النهج «رفع الاسعار حين يرتفع سعر برميل النفط عالميا وتخفيضها حين تنخفض الاسعار عالميا»..
وزادت حكومة الدكتور عبدالله النسور بأن قررت دعما ماليا لذوي الدخل المتدني والمتوسط وخصصت نحو 300 مليون دينار كدعم للمحروقات انطلاقا من قرار «توجيه الدعم الى مستحقيه» وقررت ازالة هذا الدعم النقدي في حال انخفاض سعر برميل النفط الى ما دون المائة دولار وهو الرقم المحتسب في موازنة الدولة لعام 2013 . القصد من كل ذلك ان القرار «اقتصاديا» صحيح مائة بالمائة وفقا للسياقات المذكورة اعلاه، اما سياسيا فمؤكد بان وجهات نظر مختلفة ومتعددة سنسمعها هنا أو هناك قد تربط القرار بقرب الاعلان عن رئيس الحكومة المقبل او تربط القرار بمجلس نواب جديد يواجه رفض الشارع لأي « قرار رفع « وغيرها من الامور، ولكن من الامور الواجب ربطها في هذا القرار التزام الاردن باتفاقيات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بملياري دولار وفي مقدمة الاصلاحات الاقتصادية رفع الدعم عن المشتقات النفطية، واي تراجع بهذا النهج سيعرض مصداقية الحكومة امام المجتمعات الدولية من صندوق النقد الدولي ، والدول والمؤسسات المانحة الى الشك في قدرة الحكومة على الالتزام بتعهداتها.
ما ستوفره الحكومة من عجز في الموازنة جراء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية والمقدر في حدود الـ (800 مليون دينار) ليس بالمبلغ الكبير المؤثر في عجز الموازنة ، ولكن القرار يعني التوجه نحو اعتماد الاقتصاد الوطني على الذات واصلاح التشوهات الاقتصادية السابقة وفي مقدمتها عدم توجيه الدعم الى مستحقيه . البعض ما زال يعلل تشكيكه بالتسعيرة النفطية ودقتها بمقارنتها بمقدار التسعيرة يوم بلغ سعر برميل النفط نحو 147 دولارا للبرميل، واقول «مجتهدا» هنا بأن القرارات في حكومات سابقة كانت احيانا «سياسية» تراعي ظرفا داخليا او خارجيا معينا فكان الرفع في جزئياته «اقتصاد سياسي» ، وكان هناك معونات ومساعدات خارجية متدفقة اما الان فنحن في ظرف اختلفت فيه المعادلات ، واخذت الحكومة فيها قرارا اقتصاديا شجاعا «مهما كانت كلفته الجماهيرية» حتى تؤكد مصداقيتها اقليميا ودوليا. مثل هذا القرار «غير الجماهيري» يؤكد مصداقية الحكومة الدولية خارجيا وحتى داخليا لمن يريد ان يقرأ الارقام على صحتها وبتجرد وبمهنية لان مشكلة لغة الارقام احيانا انها يمكن ان تقرأ من زوايا يريدها «القارئ» حتى وان خالفت حقيقة «المقروء».