أصبح ملحوظاً للجميع أن طوفان الأزمة المالية العالمية يهدد مستقبل العملات الرقمية، وصار تخبطها في الآونة الأخيرة واضح للجميع، فنجد تضخم مالي هنا، وتخبط إداري هناك، وما بين هنا وهناك يتكبد المستثمرين خسائر ضخمة، والتي سببت حالة من الزعر والقلق في سوق أسهم العملات الرقمية، تلك الحالة من الزعر التي أدت إلى نقل عدوى التشفير من العملات إلى الأفكار، وأصبح كلاً من المستثمرين والراغبين في الاستثمار في حيرة كبيرة، فهل البنوك هي الحل أم أن للعملات الرقمية صحوة أخرى؟، هذا ما سوف نعرفه سوياً في السطور التالية.
ما هو مستقبل العملات الرقمية المشفرة ؟
لا أستطيع أن أجزم أن هناك من يعرف تماماً مستقبل العملات الرقمية المشفرة، ولكن هناك عدد كبير من الخبراء يتوقعون أن الأزمة ليست في الكيان الاستثماري للعملات الرقمية فقط، ولكن الأزمة تكمن في كيان الاقتصاد العالمي بأكمله، وذلك نتيجة تخبط الاستثمار ما بين التضخم وقرارات البنوك المركزية، وبرهن البعض على تلك الفرضية بما حدث في الأسهم الخاصة لشركة نتفليكس، والتي شهدت أسهمها انخفاض بمعدل 70٪، وهي ليست واحدة من شركات العملات الرقمية المشفرة، ذلك الأمر الذي يدعم فرضية الانهيار العام الذي لا يقتصر على سوق العملات الرقمية فقط.
ما سبب انهيار سوق العملات الرقمية؟
يوضح بعد الخبراء أن ذلك الانهيار نتيجة الزيادة المستمرة في معدلات التضخم، والتي زادت آثارها السلبية بعد تأخر البنوك في رفع القيمة الخاصة بالفائدة، كما يري البعض الآخر من الخبراء أن ما حدث في سوق العملات الرقمية هو تأثر عادي نتيجة لحالة الزعر التي تخلقها التقلبات في الأوضاع الاقتصادية في مختلف بلدان العالم، ويرى خبراء آخرون أن الاستثمار في العملات الرقمية هو واحد من أكثر الاستثمارات التي تعتمد على أصول خطيرة تجعل صعودها مبهر وهبوطها كارثي نتيجة ارتباطها بقرارات الشركات العالمية وحركة المستثمرين في مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى قرارات الدول وموقفها المتباين تجاه العملات الرقمية المشفرة، وهناك من يرى أنه ثمة جهات معينة تعمل على إعادة العملات الرقمية لقيمتها الأولية التي هي صفر، وذلك سعياً لإعادة السوق لحالته القديمة، تلك العودة التي لها القدرة على خلق حركة شراء ضخمة لصالح أسهم الشركات الراسخة في سوق التعاملات المالية.
توقعات الخبراء بخصوص عملة البيتكوين

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن عملة البيتكوين، ذلك حيث تعددت الآراء والتحذيرات حول مستقبلها، حيث حذر بعض الخبراء المستثمرين من الإقبال عليها لعدة أسباب تتمثل في:
- الزيادة السريعة بخصوص تلك العملة ينذر بفقدانها لقيمة العملات الرقمية، ويبشر بتحولها من عملة رقمية إلى عملة تقليدية.
- ثمة عملات رقمية أخري تعمل بشكل أسرع على حل المشكلات في السوق المالية، وهو عكس ما يحدث مع عملة البيتكوين، ذلك الأمر الذي قد يؤدي إلى قلة الاعتماد عليها.
- زيادة ارتباط مفهوم العملات الرقمية عند عدد كبير بعملة البيتكوين يجعلها في خطر، تلك الزيادة التي تخلق اعتقاد زائف بأن أي انهيار في سوق العملات الرقمية هو انهيار في البيتكوين.
موجة من الحذر بشأن العملات الرقمية
بجانب ارتفاع معدلات التضخم هناك أيضاً عدد من الأمور التي يمكن اعتبارها سبباً لانهيار سوق العملات الرقمية في الوقت الحالي، وتعد موجات التحذير أحد أهم وأبرز تلك الأمور، حيث حذرت دولة الصين المؤسسات المالية من دعم تداول العملات الرقمية، كما أعلنت بصفة رسمية عدم تبنيها للعملات الرقمية كوسيط في تعاملاتها الاقتصادية والاستثمارية.
كما حذر ايلون ماسك من الأمر نفسه، وذلك بعدما أعلن أنه لا سبيل للتعامل أو الاستثمار بشأن صناعة سياراته الكهربائية من خلال العملات الرقمية، ذلك بجانب ما يتم نشره من تحذيرات نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتي تُحاط بعدد كبير من علامات الاستفهام حول خمودها أو انفجارها مسببة خوف كبير لعدد ضخم من الأفراد ومؤسسات الاستثمار، فقرر البعض التوقف عن الاستثمار واللجوء إلى الادخار كحل أمن وضمان لعدم المخاطرة بأصول تنتظر مستقبل متقلب.
الوعود الكاذبة تشوه من سمعة العملات الرقمية
يشهد سوق العملات الرقمية في الفترة الأخيرة عدد ضخم من الشركات التي لجأت إلى خلق عروض مغرية لجلب عدد كبير من المستثمرين بعائد مرتفع يصل إلى ١٨٪، ذلك العائد المغري الذي نجح في جلب كتلة ضخمة من المستثمرين الجدد الذين سرعان ما وجدوا الواقع مختلف ومعقد والعائد زائف، فانطلق بعضهم لسحب أمواله وانطلق الآخر يحذر من الاستثمار في العملات الرقمية، تلك الانطلاقة التي تخلق هالة كاذبة حول خطورة العملات الرقمية وخداع العاملين عليها، ونتيجة لذلك تقل نسبة المقبلين عليها بعض الشيء.
الركود الاقتصادي يضع شركات العملات في أزمة
حسب ما ذكره بعض الخبراء أن عدم وجود أصول مالية قوية لشركات العملات الرقمية هو واحد من أسباب موجة الانهيار التي تحدث حالياً، تلك المشكلة التي خرج منها القائمين على صناعة القرار داخل الشركات بحيلة ذكية، حيث قاموا بتجميد سحب الأصول المالية للمستثمرين حرصاً على عدم إفلاس الشركات، وبعد ذلك قاموا ببيع تلك الأسهم إلى مستثمرين جدد لرغبتهم في سداد أموال المستثمرين القدامى من أرباح المستثمرين الجدد.
ولكن فاجئهم الركود الاقتصادي ليثير حالة من الغضب عند المستثمرين الجدد الذين لم يجدوا ما توقعوه من الربح، وحالة من الهلع عند المستثمرين القدامى الذين لا يعلمون ما هو مصير أموالهم في تلك الشركات في ظل عدم التقنين والمشروعية للعملات الرقمية.
كثرة تدفق الشركات تدعم ظاهرة انهيار العملات الرقمية

يشهد العالم تدفق كبير للشركات والمؤسسات التي تعمل على جلب مستثمرين لعملات رقمية مجهولة الهوية، تلك الشركات التي لا تملك خبرة كافية للتعامل مع أوضاع الاقتصاد الحالية، فتهبط بشكل سريع مسببة خسائر فادحة لمن قاموا بالاستثمار بها، ولأن عدد كبير ينظر إلى العملات الرقمية على أن جميعها نفس العملة فإن أي انهيار في الشركات الناشئة الضعيفة من شأنه أن يخلق حالة من الذعر والهلع حول كافة العملات الرقمية الأخرى.
مخاطرة جماعية أو ركود جماعي
يمكن وصف سوق التعاملات المالية للعملات الرقمية بأنه بات يرتبط بموجة الجماعة فينظر الذين هم في حيرة من أمرهم إلى قرار المجموعة الأكبر ويسلكون مسلكهم في اتخاذ القرار، ولذلك فأن أي صعود يكون مذهل وكل هبوط يكون كارثي
متى تصعد العملات الرقمية؟
لا شك أن مخاطر العملات الرقمية موجودة، ولكن يجب العلم بأن أي استثمار تحفه المخاطر، وأنه ليس هناك ربح مضمون سواء في التعاملات البنكية أو استثمار المعادن أو غيرها، ويتوقع بعض المستثمرين أن ما يحدث حالياً هو نسخة طبق الأصل لما حدث عند ٢٠١٧ حيث شهدت العملات الرقمية فترة ركود دامت مدة الثلاث سنوات، وبعد ذلك استعادت العملات الرقمية مكانتها مرة أخرى.
التوقعات الإيجابية بشأن مستقبل العملات الرقمية
يتوقع عدد كبير من الخبراء أن مستقبل العملات الرقمية سوف يشهد تعافي قادم لا محالة ولكنه سوف يستغرق بعض الوقت، ويتم الاستشهاد على ذلك بما حدث سابقاً من انهيار حدث بعده ازدهار كبير، كما يتحدث بعض الخبراء أن هناك عدد من التشريعات سوف تصدر من الاتحاد الأوروبي لبدء العمل بها في عام ٢٠٢٤، والتي من شأنها أن تدعم ازدهار العملات الرقمية بشكل كبير وبنطاق استثماري أكبر من الذي هو موجود حالياً.
التوقعات السلبية بشأن العملات الرقمية
بعدما تكبدت بعد المؤسسات المالية خسائر بسبب انهيار سوق العملات الرقمية فإن تدخل الدول صار متوقع بشكل كبير، وخصوصاً بعدما زاد معدل الاقتراض مع العجز عن سداد ما يتم اقتراضه، ويتوقع بعض الخبراء أنه في الفترة القادمة سوف يسير عدد كبير من الدول مسار الصين في حظر التعامل بالعملات الرقمية، ولو حدث ذلك فهم يؤكدون أن مستقبل العملات الرقمية سوف يكون صعب للغاية ويمكن اعتبار أن صعودها مستحيلاً لأنها سوف تفقد قيمتها، كما يرى عدد من محللين الاقتصاد أن الاقتراحات المتداولة بشأن تشريع العملات الرقمية وخلق بورصة استثمار لها تابعة للبنك المركزي هو أمر من شأنه أن يعيق ازدهارها ويؤثر على قابلية عودتها بقوة مرة أخرى.
وإلى هنا نكون قد انتهينا من الحديث حول مستقبل العملات الرقمية، وذكر البعض من أسباب الانهيار، كما ذكرنا لكم التوقعات السلبية والإيجابية بشأن العملات الرقمية المشفرة حسب رأى الخبراء، نرجو أن يكون ما ذكرناه مفيداً لكم.