جهات ومراكز بحثية قطرية تقود جهودًا رائدة لتطوير علاجات مُشخصنة لمرضى سرطان الثدي

تقود جهات ومراكز بحثية في قطر جهودًا رائدة تستهدف تطوير علاجات مشخصنة لمرضى السرطان، تستعين من خلالها بالطب الدقيق وبمخرجات برنامج قطر جينوم الفريد من نوعه في الشرق الأوسط، وذلك في مسعىً منها لإحدث تحول في فهم كيفية الوقاية من سرطان الثدي وطرق تشخيصه والتعافي منه، مما يعطي أملًا جديدًا لمرضى السرطان وعائلاتهم في قطر.
في كلمتها خلال النسخة الافتتاحية من مؤتمر "المرأة في مجال العلوم: الرحلة نحو الطب الدقيق" الذي استضافته سدرة للطب - عضو مؤسسة قطر، أشادت الدكتورة صالحة بوجسوم، استشاري أورام أول ورئيس برنامج السرطان الوراثي وبرنامج سرطان الثدي في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية، بالجهود البحثية الوطنية التي تبذلها العديد من المراكز والجهات البحثية والأكاديمية في قطر لإحداث ثورة في علاجات سرطان الثدي، واستعرضت التطور الذي قطعته هذه الجهود والخدمات العلاجية التي تقدمها قطر وأثر ذلك في تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة.
ويعتبر سرطان الثدي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بمرض السرطان في جميع أنحاء العالم، كما أنه أكثر الأورام الخبيثة شيوعًا بين النساء في قطر، حيث تصل نسبة الإصابة به بين النساء إلى 31 بالمائة. وتصل مخاطر تعرض النساء للإصابة بسرطان الثدي بين السكان إلى 56 حالة في كل 100 ألف امرأة.
ونوَّهت الدكتورة بوجسوم بالجهود التي يبذلها الباحثون في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية وكذلك سدرة للطب ووايل كورنيل للطب- قطر، وهي إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، فضلًا عن مراكز بحثية أخرى، في في إطار مساعيهم للاستعانة بالطب الدقيق في إحداث تحول في مفهوم الوقاية من سرطان الثدي وطرق تشخيصه والتعافي منه.
وقالت: "الطب الدقيق هو استراتيجية علاجية ووقائية من الأمراض وذلك لكونها تأخذ في الحسبان التباين الجيني بين الأفراد والبيئة والأنماط الحياتية – ويتمحور حول استخدام المؤشرات الحيوية الجينية بهدف التحول من العلاج الموحد الذي يستخدم مع الجميع إلى نهج مشخصن يتحدد بحسب كل حالة".
وأضافت: "وتمثل المؤشرات الحيوية أهمية بالغة حيث تتيح لنا تطبيق العلاج الشامل للمرضى المعرضين لمخاطر عالية، وبهذا يمكننا تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة. ويرتبط البقاء على قيد الحياة بالتشخيص المبكر للمرض وأيضًا بإدخال العلاج الموجه في وقت مبكر".
وتابعت: "يهدف الطب الدقيق إلى تحسين استجابة الورم للعلاج وفي الوقت نفسه الحفاظ على وظائف الأعضاء، وبالتالي جودة الحياة. إن مفهوم النهج الفردي ليس بالأمر الجديد في مجال سرطان الثدي، ومع ذلك، فإن التطورات الحديثة في الطب الجينومي قد سمحت باستخدام مقاربات أكثر شخصنة."
وسوف يتيح الفهم الأفضل للأنواع الفرعية الجزيئية من سرطان الثدي للأطباء إمكانية تقليل اعتمادهم على العلاج الكيميائي، وما يصاحبه من آثار جانبية رهيبة على المريض، وبدلاً من ذلك يوجهون اهتمامهم للبحث في خيارات جديدة مثل العلاج المناعي الذي يساعد جهاز المناعة لدى الجسم على مهاجمة الخلايا السرطانية، وكذلك العلاج الهرموني والأدوية التي تستهدف الورم بشكل مباشر.
وكان سدرة للطب قد نشر في وقت سابق من هذا العام، بالتعاون مع برنامج قطر جينوم التابع لمؤسسة قطر - وهو أكبر مشروع جينوم في الشرق الأوسط – دراسة مشتركة في مجلة "ذا لانست أونكولوجي" بشأن التباين الجيني في الجينات ذات القابلية للإصابة بالسرطان لدى سكان قطر. وأشارت الدراسة إلى وجود درجة عالية من عدم التجانس في جينات قابلية الإصابة بالسرطان ودرجات المخاطر متعددة الجينات عبر الأسلاف بين هذه المجموعة السكانية في قطر، وهي معلومات يمكن أن تفيد في تنفيذ برامج وطنية للطب الوقائي من السرطان. وقد شملت الدراسة التي قامت بتمويلها مؤسسة قطر، كلًا من وايل كورنيل للطب- قطر ومعهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر.
وحول مفهوم الوقاية من سرطان الثدي، أشارت مديرة برنامج سرطان الثدي في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية إلى تدشين المركز عيادة خاصة بتشخيص الحالات ذات المخاطر العالية للإصابة بالمرض في عام 2013 وذلك لتلبية احتياجات المرضى ممن لديهم استعداد وراثي للإصابة بسرطان الثدي والمبيض، والتي تم توسيع نطاقها في عام 2016 حتى تستقبل أيضًا مرضى آخرين ممن لديهم مخاطر عالية للإصابة بسرطانات وراثية أخرى.
وأضافت الدكتورة بوجسوم قائلة: "فيما يتعلق بالوقاية، فإننا نطبق استراتيجيات لتقليل المخاطر ليس فقط بالنسبة للشخص الذي لديه الطفرة الجينية ذات الصلة، ولكن أيضًا لأفراد الأسرة كلها، ونحرص على عمل ذلك بشكل منتظم" مضيفةً: "إن متوسط العمر عند تشخيص مرضى سرطان الثدي لدينا هو 47 عامًا ولكن حوالي 30 بالمائة من الحالات يتم تشخيصها قبل بلوغ سن الأربعين، وعادةً ما يكون سرطان الثدي الذي يظهر في سن الشباب أشد شراسة من ذلك الذي يصيب النساء ممن هن أكبر سنًا".
وتابعت: "صحيح أن لدينا فئة عمرية شابة أكبر مقارنة ببقية بلدان العالم، ولكن الصحيح أيضًا أن لدينا فئة عمرية أصغر سناً تم تشخيصها بالسرطان عموما، وليس بسرطان الثدي فحسب، بل وبأنواع فرعية أخرى من السرطان. ومن الواضح أننا بحاجة إلى تكثيف أبحاثنا الموجهة لفئة الشباب من أجل فهم أفضل للأسباب التي تؤدي إلى ذلك".
وأكدت الدكتورة بوجسوم أن التشخيص المبكر والعلاج الأفضل يعتمدان على مزيج من الرعاية السريرية الفعالة والتعليم والبحث، كما أشادت بالجهود التي تبذلها منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية لاكتشاف التفاوت بين تشخيص مرضى سرطان الثدي في مختلف البلدان والجهود التي تبذلها المؤسسات المختلفة داخل قطر وتتعاون مع مؤسسة حمد الطبية في العديد من المشاريع البحثية التي تتمحور حول الاستعانة بالطب الدقيق في التعامل مع سرطان الثدي.
وأضافت: "يمثل انخفاض النشاط البدني لدى الأفراد عامل خطر رئيسي للإصابة بالسرطان، مما يؤدي إلى السمنة، وهناك مجموعة متزايدة من الأبحاث حول الميكروبيومات البشرية، بالإضافة إلى الصلة بين نقص فيتامين (د) والإصابة بالأورام الخبيثة. ولذلك، فنحن بحاجة إلى النظر في عوامل الخطر القابلة للتعديل في مجتمعاتنا المحلية ودراستها بين سكاننا والنظر في كيفية تقليل المخاطر عبر تغيير النمط الحياتي".
ويتعين إجراء المزيد من البحوث والدراسات حول القيود الاجتماعية والثقافية التي تحول بين النساء وبين مبادرتهن بإجراء الفحص المبكر والعلاج، بالإضافة إلى التركيز على الرسائل الملائمة ثقافيًا.
كما قالت الدكتورة بوجسوم إن الأطباء في جميع أنحاء الشرق الأوسط اعتادوا على رؤية مرضى بلغوا مرحلة متقدمة من الإصابة بالسرطان ولم يطلبوا العلاج بعد، وهو ما أرجعته إلى نقص في التعليم وعوامل نفسية مثل الخوف والإنكار. وأضافت أن بعض المرضى كانوا يعتقدون خطأً أنهم ما لم يكونوا يشعرون بألم، فمن غير المرجح أن تكون لديهم أورام خبيثة.
وأضافت: "ليس المرضى وحدهم الذين يحتاجون إلى المزيد من التعليم- فنحن بحاجة أيضًا إلى جعل مقدمي الرعاية الصحية المجتمعية لدينا يحصلون على فهم أفضل لعلامات وأعراض سرطان الثدي".
واختتمت: "وهذا هو أحد مجالات البحث التي يجب التركيز عليها: ما هي العوائق التي تحول دون مبادرة المرأة بطلب المشورة الطبية؟ لا شك أن التعليم والوعي يمثلان أهمية بالغة في هذا الجانب."
خلفية عامة
مؤسسة قطر
تأسست مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سنة 1995 بمبادرةٍ كريمةٍ من صاحب السموّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بهدف تنمية العنصر البشري واستثمار إمكاناته وطاقاته.
توجّه مؤسسة قطر اهتماماتها إلى ثلاثة مجالات هي التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، كونها ميادين أساسية لبناء مجتمع يتسم بالنمو والإستدامة، وقادر على تقاسم المعارف وابتكارها من أجل رفع مستوى الحياة للجميع. تُعد المدينة التعليمية أبرز منجزات مؤسسة قطر وتقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة، وتضمّ معظم مراكز المؤسسة وشركائها.