بعد إقرار قانون الكهرباء والتوافق حوله من باب الحكومة الى داخل المجلس النيابي، هناك مجموعة اسئلة اساسية يفترض التوقف عندها، عسى الإضاءة على بعض الامور الخاصة بمصالح الناس الذين يتحملون الاعباء من اشخاص ومؤسسات وقطاعات إنتاجية.
السؤال الأساسي هو ماذا بعد اقرار قانون الكهرباء وتخصيص 1,2 مليار دولار لانشاء معامل بطاقة 700 ميغاوات؟ وما هي النتائج على المواطن والمشترك والقطاعات والخزينة والكهرباء لجهة تحسين التغذية؟ ما هي المراحل والمدة الزمنية لشعور الناس بالتحسن؟ هل ستخف الاعباء على الخزينة والمواطن والمؤسسة، أم أنها ستزيد مع تزايد الانتاج إذا عدلت التعرفة او بقيت على حالها؟ اين ستقام المعامل الجديدة وما هي نوعيتها وعلى ماذا تعتمد في انتاج الكهرباء؟
الاجوبة متنوعة يفترض التوقف عندها انطلاقاً من عناصر أساسية تتلخص بالمحطات الآتية:
1- اولاً هناك دفتر الشروط الذي تؤكد مصادر متابعة للملف انها باتت جاهزة بحيث يمكن اطلاق المناقصة لتلزيم معامل الانتاج اعتباراً من الشهر المقبل او الاسابيع القليلة المقبلة عن طريق ادارة المناقصة بعدما جهّزتها وزارة الطاقة.
2- المرحلة الثانية وهي تحتاج الى ستة او سبعة اشهر بين فض العروض وتلزيم المعامل بعد اختيار الشركة او الشركات التي ستقوم بعملية الالتزام وانشاء المعامل. اشارة هنا الى ان العديد من الشركات الاوروبية الشرقية والغربية، اضافة الى شركة اميركية مهتمة في المشاركة بالفوز بالالتزام حسب مصادر مهتمة بقطاع الكهرباء، نظراً الى قيمة المشروع وحجمه.
3- اما انتاج الكهرباء وانجاز انشاء المعامل الجديدة فيحتاج الى سنتين بالحد الادنى بين تاريخ التلزيم وبداية شعور المواطن بالانتاج الجديد الذي سيحسن التغذية بين ثلاث واربع ساعات عن المعدلات المعتمدة، وذلك لن يكون قبل العام 2014.
4- بالنسبة للمعامل التي ستقام فستوزع على الشكل الآتي:
- معمل الذوق مجموعة او مجموعات بطاقة 180 ميغاوات، مقابل 80 ميغاوات لمعمل الجية، وهذه المجموعات تعمل على الفيول اويل اسوة بالمجموعات الموجودة حالياً.
- أما الباقي وقدره حوالى 440 ميغاوات فستقام في معمل دير عمار في طرابلس وعلى أساس مجموعات تعمل على الغاز والمازوت، بحيث تشغل على المازوت حتى يتم انجاز استجرار الغاز الى المعمل. اشارة هنا الى ان معمل دير عمار هو الوحيد الذي يصل اليه انبوب او خط الغاز في حين لا يوجد في المعامل الاخرى خطوط الغاز وهي بحاجة الى تمديد والتزامات ضمن الخطة خلال الفترات المقبلة اذا ما تم ذلك.
5- حتى الآن لا وجود لاتفاقات نهائية وواضحة لتأمين الغاز الكافي لتشغيل المعامل باستثناء الاتفاقية مع مصر شبه المتوقفة، أو المنفذة جزئياً ولفترات متقطعة تؤمن الغاز لتشغيل مجموعة واحدة من معمل البداوي او معمل دير عمار في الشمال عبر الخط الذي يمر في سوريا والأردن. اشارة هنا الى أن هناك توجهات لشراء الغاز من روسيا عبر تركيا لتشغيل المعامل وهو أمر يمر عبر سوريا أيضاً على اعتبار ان الخط الروسي التركي يمر بسوريا، وهذا امر يحتاج الى آليات جديدة واتفاقات محددة بالتزامن مع انشاء المعامل.
المهم أن المجموعات ستعمل فور تشغيلها على المازوت والفيول بانتظار استكمال خطوات وخطوط الغاز الى كل المعامل وهذا امر يحتاج الى المتابعة بالتزامن مع اصلاح شبكات النقل القائمة وانشاء شبكات حديثة تحد من الهدر الفني وحتى الهدر غير الفني بمعنى السرقات على الخطوط.
تزايد قياسي للعجز في 2012
هذه الامور مجتمعة تقود الى الحديث عن الوضع المالي لكهرباء لبنان انطلاقاً من نتائج العام 2011 وصولاً الى ترقبات موازنة العام 2012 التي سينمو عجزها كثيرا. هذا مع العلم ان متابع الانتاج على مادتي المازوت والفيول اويل سيزيد العجز ما دامت أسعار النفط معرضة الى الارتفاع.
بداية تظهر ارقام مؤسسة كهرباء لبنان للعام 2012 ان نفقات المؤسسة ستصل الى حوالى 4881.9 مليار ليرة مقابل حوالى 3498,4 مليار ليرة للعام 2011 أي بزيادة قدرها حوالى 1383,4 مليار دولار أي بما نسبته 39,54 في المئة عن العام الحالي.
أما العجز المقدر للعام 2012 فيبلغ حوالى 3102,9 مليار ليرة، أي ما يوازي الملياري دولار، مقابل عجز للعام 2011 قدره حوالى 2141 مليار ليرة (حوالى 1,4 مليار دولار) أي بزيادة قدرها 961,9 مليار ليرة وبما نسبته 44,93 في المئة. هذا مع العلم أن موازنة العام 2011 وضعت على اساس 75 دولاراً لبرميل النفط وهو تخطى خلال القسم الاكبر من السنة الـ110 دولارات، مما يعني ان عجز العام 2011 سيكون اكبر من المقدر في الموازنة. أما موازنة 2012 فاعتمدت 117 دولاراً لسعر برميل النفط.
النقطة الثالثة المهمة تتعلق بالإيرادات الخاصة للمؤسسة والتي تقدر بحوالى 1256,2 مليار ليرة. مع العلم أن قيمة فاتورة المحروقات للمؤسسة تقدر بحوالى 3520,5 مليار ليرة بما يعني أن كل إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان خلال العام 2012 لا تغطي 35,6 في المئة من ثمن المحروقات فقط، وهي لا تشكل سوى 25,7 في المئة من إجمالي النفقات.
فاتورة المحروقات من دولة لدولة زادت 52%
على صعيد فاتورة المحروقات لكهرباء لبنان، فإن أية كميات من الغاز لم تستجر في العام 2011 نتيجة توقف ضخ الغاز المصري منذ انطلاقة الثورة المصرية وتغيير النظام. أما المازوت والفيول اويل فيتم استيرادها من الكويت والجزائر بموجب اتفاقيات ثنائية بين الدولة اللبنانية والدولتين المذكورتين. مع الإشارة إلى أن الدولة متعاقدة مع الجزائر لشراء 511,2 ألف طن من المازوت عبر مؤسسة سوناتراك الجزائرية، كذلك متعاقدة مع دولة الكويت لاستيراد كمية مماثلة أو اقل قليلاً عبر مؤسسة النفط الكويتية، بحيث تصل الكمية المستوردة لمؤسسة كهرباء لبنان بما يقارب 1200 طن تبعاً لكمية إنتاج الطاقة وهو أمر يتعلق بوضعية المعامل العاملة على المازوت، أما سعر طن المازوت المقدر للعام 2012 فهو حوالى 1149 دولاراً بعدما كان بحوالى 757 دولاراً في موازنة العام 2011، وهذا يعني أن فروقات أسعار المازوت زادت أكثر من 52 في المئة. أما كمية الفيول اويل المستوردة سنوياً لمعملي الذوق والجية فتقدر بحوالى 1100 طن تقريباً على سعر حوالى 700 دولار للطن بزيادة في الكلفة حوالى 52 في المئة أيضاً.
كل هذه الأعباء الإضافية تأتي وسط ترقب تراجع انتاج الطاقة الكهربائية في العام 2012 بنسبة واحد في المئة عن العام 2011، من الاخذ في الاعتبار نمو حاجة الاستهلاك السنوية التي تقارب 3,5 في المئة نتيجة الطلب والمشاريع العقارية الجديدة. هذا مع التقدير المتفائل للهدر الفني على الشبكة بنسبة 15 في المئة والتعليقات والسرقات والهدر غير الفني بنسبة 25 في المئة، وهو امر يصل في بعض المناطق الى اكثر من ذلك بما يقارب الـ10 في المئة من دون أي تضخيم.
في الخلاصة ما يمكن قوله في ايجابية إقرار قانون الكهرباء هو أن امور المعالجة ولو الجزئية وضعت على السكة، بمعزل عن الشروط والمواصفات وطرق التلزيم وعدم وضوح خطة وصول الغاز الذي يؤدي الى الوفر، كذلك بمعزل عن أهمية قيام الهيئة الناظمة وتعيين مجلس ادارة جديد لمؤسسة الكهرباء، على اعتبار ان استثمارات بهذا الحجم تحتاج الى اجهزة ادارية وفنية تدير وتحافظ على هذه الاستثمارات من «البابوج حتى الطربوش»، بحيث يكون لدى مؤسسة كهرباء جهازها لصيانة المعامل وادارة تجهيزات التي تلزم لشركات أجنبية أو محلية تحمل الخزينة وكهرباء لبنان نفقات اضافية لأعمال يمكن ببساطة لفنيي المؤسسة ومهندسيها القيام بها إذا توافرت الامكانات. تبقى ملاحظة لا بد من التذكير بها أن القانون هو جزء من الحل وليس كله على اعتبار أن مشكلة الكهرباء في لبنان تحتاج انشاء معامل بطاقة انتاجية تقارب 1500 ميغاوات لتأمين القسم الاكبر من الحاجة اليوم مع نمو طبيعي لحاجة الاستهلاك بنسبة 3 في المئة سنوياً.
ومن الآن وحتى العام 2014 يخلق الله ما لا تعلمون.