من المحتمل أن تُصبح أسعار الغاز في بريطانيا أكثر تقلبًا وأن تُسجّل قفزات مفاجئة خلال الأعوام القليلة المقبلة بعد أن انتقلت بريطانيا من وضع الاكتفاء الذاتي الى الاعتماد المتزايد على واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر. وتظهر أحدث بيانات للحكومة البريطانية أن واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر كانت تُعادل 52 بالمئة من استهلاك الغاز خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2011 صعودًا من 11 بالمئة في عام 2009 كله. وكان نصيب قطر أيضًا 85 بالمئة من إمدادات بريطانيا من الغاز الطبيعي المسال في الفترة بين يناير ونوفمبر من العام الماضي وحلت نيجيريا في المركز الثاني بنسبة ضعيفة قدرها خمسة بالمئة فحسب.
وقد تتعرّض سوق الغاز في بريطانيا لتحويل شحنات الغاز القطرية إلى بلدان تدفع ثمنًا أكبر أو لقيود على حركة الملاحة أو لتعطيلات غير مزمعة لمنشآت الإنتاج. وقال تاجر غاز بريطاني في مؤسسة مرافق عامة إذا قطعت إمدادات الغاز الطبيعي المسال القطرية الى بريطانيا فإن أسعار الغاز البريطانية ستقفز الى مستويات مرتبطة بالنفط لاجتذاب الواردات وربما الى مستويات أكبر من ذلك لاجتذات الغاز المسال من أماكن أخرى . وكان حدث يُعتبر أمرًا عاديًّا في أسواق أخرى - وهو تسرّب أنباء في الصيف الماضي عن برنامج الصيانة الخريفي لوحدات انتاج الغاز المسال في قطر - قد تسبّب في ارتفاع أسعار الغاز البريطانية ثلاثة بالمئة في يوم واحد.
وقفزت أيضّا أسعار الغاز البريطانية في مارس من العام الماضي حينما تعرّضت اليابان - وهي مستورد رئيسي للغاز المسال - لأزمة فوكوشيما النووية وبدأت احلال واردات غاز إضافية محل الطاقة النووية. وبحلول ديسمبر كانت واردات اليابان من قطر مثلي مستوياتها قبل عام. وقد يؤدي احتمال حدوث زيادة ثابتة في حاجة اليابان الى مزيد من الغاز الى تحويل مسار شحنات الغاز المسال المتجهة الى أوروبا ورفع أسعار الغاز البريطانية مرة أخرى في وقت لاحق من هذا العام. وقال تاجر غاز أوروبي في شركة تجارية بريطانية "في رأيي أن سوق الغاز البريطانية لم تأخذ هذا الاحتمال في الحسبان وهو ما يظهر جليا من سعر الغاز في شتاء 2012 فصاعدا".
ويبلغ سعر الغاز البريطاني لشتاء 2012 حاليا 25ر68 بنس لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وهو أعلى من سعر عقود أقرب استحقاق لكنه يقل نحو 11 بالمئة عن المستويات التي كانت في مارس في أعقاب كارثة فوكوشيما. ويقول تجار: إن تلك الأسعار الشتوية قد ترتفع مرة أخرى مع منافسة اليابان في الحصول على مزيد من الإمدادات.
والأمر الاشد خطورة أن بريطانيا عرضة للتأثر بأزمة في الشرق الأوسط مثل احتمال أن تنفذ ايران تهديدها باغلاق مضيق هرمز. وتقريبا كل سفن الغاز المسال القطرية تحتاح الى المرور عبر مضيق هرمز وقناة السويس للوصول الى بريطانيا. وقال بول أكاس تاجر الغاز الأوروبي في مؤسسة ايسنت الهولندية للمرافق: قرب قطر من بلدان أقل استقرارًا واعتمادها على توصيل الشحنات عبر مضيق هرمز وقناة السويس أمر يبعث على بالغ القلق بالنظر الى التوترات مع ايران التي وقعت في الآونة الأخيرة . وأضاف قوله: في ظني أنه إذا حدث تعطيل حقيقي للامدادات فإن رد الفعل الأوّلي سيكون صعود الاسعار الى أعلى مستويات لها على الاطلاق .
وتقر الحكومة البريطانية بأن بريطانيا تحصل على جزء كبير من احتياجاتها من الغاز من قطر وأنه إذا حدث اغلاق لمضيق هرمز فان ذلك سيعرض النمو الاقتصادي للبلاد للخطر. ومثل هذا الحدث إذا وقع فسوف يكون له أثر أقل كثيرًا على البلدان الاوروبية الاخرى مثل ألمانيا التي تتلقى معظم امداداتها من الغاز من روسيا من خلال خطوط الانابيب. وخلال العامين الماضيين أثبتت قطر أنها شريك تجاري يعوّل عليه وأصبحت بريطانيا سوقا ذات اهمية حيوية لقطر للحفاظ على مكانتها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
وقال تاجر الغاز البريطاني: أعتقد أن قطر تريد أن تقيم علاقة متينة مع بريطانيا للحفاظ على مركزها بوصفها المورد الاول للغاز الطبيعي في العالم . واستدرك بقوله: غير أني أرى أن الفائض في شحنات الغاز سيذهب الى مكان آخر ما لم نكن مستعدين لدفع ثمنه . ولم يعبر المسؤولون البريطانيون عن قلق يذكر من الاعتماد على امدادات الغاز القطرية. وقال وزير الطاقة تشارلز هندري في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي: في عام 2011 استوردنا الغاز المسال من ثمانية بلدان والبنية التحتية موجودة للاستمرار في استيراد كميات كبيرة اذا اقتضت الحاجة .
وفي الوقت الحالي فإن بدائل المورّدين للغاز الطبيعي المسال هم ترينيداد ونيجيريا واليمن وهم غير مرتبطين ببريطانيا بعقود توريد طويلة الأجل ويمكنهم شحن إمداداتهم الى حيث تكون الأسعار أعلى. وتبلغ أسعار الغاز البريطانية حالياً نحو 57 بنسا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية أما المشترون الآسيويون فانهم يدفعون نحو 95 بنسًا الأمر الذي يُتيح للموردين علاوة سعرية كبيرة على الشحنات الى آسيا. وبعد سنوات من الآن قد يتبيّن أن اعتماد بريطانيا على قطر والاسعار الفورية للغاز ميزة بسبب احتمال حدوث طفرة عالمية في غاز حجر الاردواز وخطط الشركات في الولايات المتحدة وأستراليا لتصدير الغاز المسال ابتداء من عام 2015.