قدم البيت الابيض رواية جديدة عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن قائلا انه، وخلافا لتصريحات سابقة لمسؤولين اميركيين، لم يكن مسلحا وقت قتله، وبرر التردد في نشر صورة الجثة بكونها "بشعة وقد تثير الحساسيات".
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني للصحافيين "كان هناك مخاوف من ان يقاوم بن لادن عملية اعتقاله، وبالفعل فقد قاوم".
واوضح "بعد ذلك تم اطلاق النار على بن لادن وقتله. ولم يكن مسلحا"، مضيفا انه كان هناك العديد من المسلحين في المبنى ووقع "اشتباك مسلح عنيف".
وكان مسؤولون اميركيون أكدوا مرارا على مقاومة زعيم القاعدة لتفسير لماذا قتل ولم يتم أسره.
ومنذ الاعلان عن العملية التي جرت ليل الاحد الاثنين في مقر اقامة بن لادن في ابوت اباد، على بعد حوالى 50 كلم الى شمال العاصمة الباكستانية، تضاربت التفاصيل حول ظروف مقتل بن لادن.
والاثنين، قال كبير مستشاري الرئيس الاميركي لشؤون الارهاب جون برينان ان بن لادن استخدم امرأة كدرع بشرية.
واوضح جاي كارني ان رجال الكومندوس عثروا على "بن لادن وعائلته في الطابقين الثاني والثالث من المبنى".
وقال ايضا ان زوجة بن لادن كانت في الغرفة معه عندما اقتحم رجال القوات الخاصة المجمع ليل الاحد الاثنين.
واضاف انها "تقدمت نحو المهاجم الاميركي واصيبت في ساقها ولكنها لم تمت".
والاثنين قال مسؤولون اميركيون ان زوجة بن لادن جعلت من نفسها درعا بشرية لحماية زوجها وقتلت في الاشتباك.
واوضح ان عائلتين اخريين هما عائلة ناقل بريد بن لادن وعائلة شقيقه كانتا تعيشان ايضا في المبنى: "الاولى في الطابق الاول من المبنى الذي كانت تقطن فيه عائلة بن لادن والاخرى في بناء اخر" ملاصق لمقر اقامة بن لادن.
وحطت مروحيتان مع فريقي كوماندوس. دخل الفريق الاول المبنى الرئيسي وصعد افراده الى الطابق الثالث والفريق الاخر تكفل بالمبنى الاخر.
واشار كارني الى ان "الفريق اجتاز مقر اقامة بن لادن بطريقة منهجية غرفة غرفة خلال عملية استمرت حوالى 40 دقيقة" مضيفا ان تبادلا لاطلاق النار حصل طوال العملية.
صورة بشعة
وردا على سؤال حول احتمال اتخاذ قرار بنشر صور جثة اسامة بن لادن، اجاب المتحدث باسم البيت الابيض "سأكون صريحا، نشر صور اسامة بن لادن بعد هذه العملية امر حساس ونحن بصدد تقييم ضرورة القيام بذلك".
واوضح ان المسألة هي معرفة ما اذا كان نشر مثل هذه الصور "يخدم او يضر بمصالحنا ليس فقط هنا ولكن في العالم اجمع".
واضاف "من العدل القول ان الصورة بشعة.. ويمكن ان تثير الحساسيات" رافضا الافصاح عما اذا كان قد شاهدها.
واضاف "ندرس الوضع. ونتعامل مع هذه المسالة بطريقة منهجية ونحاول ان نتخذ افضل القرارات".
واضاف كارني ان كبار المسؤولين في الادارة الاميركية يناقشون ما اذا كان من الملائم نشر صورة بن لادن بعد اطلاق النار عليه واصابته في راسه من قبل احد عناصر القوات الاميركية الخاصة في العملية التي جرت في باكستان ليل الاحد الاثنين.
ولم تبلغ الولايات المتحدة السلطات الباكستانية بالعملية ضد اسامة بن لادن. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا الاثنين ان الباكستانيين "كان يمكن ان يبلغوا" بن لادن بالعملية.
واقر المتحدث باسم البيت الابيض بان العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان "معقدة لكنها مهمة".
واضاف كارني "نعمل بدأب كبير على هذه العلاقات، انها علاقات مهمة ومعقدة تعرضت للاختبار بطرق متعددة خلال سنوات وحتى هذه السنة".
انتهاك للقانون
وعلق هيلموت شميت المستشار الالماني السابق على العملية التي قتل فيها بن لادن وقال للتلفزيون الالماني انه قد تكون لها عواقب غير محسوبة على العالم العربي في وقت يشهد فيه اضطرابات. واستطرد "هذا انتهاك واضح للقانون الدولي."
وتبنى نفس الرأي جيفري روبرتسون المحامي الاسترالي البارز المدافع عن حقوق الانسان والذي قال لتلفزيون هيئة الاذاعة الاسترالية في تصريحات من لندن " هذا ليس عدلا. هذا تحريف للمعنى فالعدالة تعني تقديم شخص ما للمحكمة واثبات ادانته بالادلة واصدار الحكم عليه."
وتابع "هذا الرجل أعدم في اطار محاكمة صورية بل ان ما يتضح الان بعد قدر ليس بالقليل من المعلومات المغلوطة من البيت الابيض ان ربما ما حدث كان عملية اغتيال بدم بارد."
وقال روبرتسون انه كان من الواجب محاكمة بن لادن مثلما حوكم النازيون في الحرب العالمية الثانية في نورمبرج او مثل محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بتهمة ارتكاب جرائم حرب في لاهاي بعد اعتقاله في 2001 .
واستطرد متحدثا عن بن لادن "اخر شيء كان يريده هو ان يمثل للمحاكمة ويدان وينهي حياته في سجن بولاية نيويورك. لكنه حصل على ما يريده تماما. ان يقتل في الجهاد ويدخل الجنة ولقد أعطاه الامريكيون ذلك."
وقال خيرت جان نوبس خبير القانون الدولي المقيم في هولندا انه كان ينبغي اعتقال بن لادن وترحيله الى الولايات المتحدة.
واستطرد "الامريكيون يقولون انهم في حرب مع الارهاب وان بامكانهم القضاء على معارضيهم في أرض المعركة... لكن هذا القول لا يستقيم في الاطار الرسمي البحت."
طريقة دفن غريبة
لكن بالنسبة لكثير من الزعماء المسلمين كان مثار القلق الاكبر هو القاء جثة بن لادن في البحر لا دفنه في الارض.
وقال مسؤولون امريكيون ان زعيم تنظيم القاعدة دفن في البحر من على ظهر حاملة طائرات امريكية في شمال بحر العرب بعد اتمام الغسل واجراءات الدفن وفقا للشعائر الاسلامية.
وقال الشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان وهو مستشار للديوان الملكي السعودي ان هذا لم يكن دفنا اسلاميا فالمسلم يدفن في الارض اذا مات على الارض مثل باقي البشر.
وقال عامدان عضو مجلس العلماء في اندونيسيا اكبر دولة اسلامية من حيث تعداد السكان ان عملية الدفن تثير قلقه أكثر من عملية القتل ذاتها.
وقال لرويترز "دفن شخص ما في البحر يحدث في وضع استثنائي للغاية. فهل كان الوضع كذلك؟"
وأضاف "اذا لم تستطع الولايات المتحدة تفسير ذلك سيبدو الامر كالتخلص من حيوان وهذا معناه عدم احترام للانسان... ما فعلوه يمكن أن يثير مزيدا من مشاعر الاستياء بين أنصار اسامة."
بوش يرفض احتفال اوباما
الى ذلك، قال مكتب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ان بوش رفض دعوة من الرئيس الحالي باراك اوباما لحضور حفل في نيويورك يوم الخميس بمناسبة مقتل اسامة بن لادن.
وقال ديفيد شيرزر المتحدث باسم بوش "يشكر (بوش) توجيه الدعوة له لكنه اختار البقاء بعيدا عن دائرة الضوء بعد تركه الرئاسة."
وسيتحدث اوباما في موقع "جراوند زيرو" بمدينة نيويورك ويلتقي مع عائلات بعض ضحايا هجمات 11 من سبتمبر ايلول التي شنها تنظيم القاعدة عام 2001 .
واتصل اوباما مساء يوم الاحد ببوش ليخبره بالمداهمة الناجحة على المجمع الذي كان يختبىء فيه ابن لادن واصدر بوش بيانا يهنىء فيه الرئيس والجيش الامريكي ووكالات الاستخبارات على "الانجاز الكبير".
وقال شيرزر ان بوش "مستمر في الاحتفال مع جميع الامريكيين بهذا الانتصار في الحرب على الارهاب."
وبدأ بوش حملة للقبض على بن لادن بعد هجمات 11 من سبتمبر التي استهدفت نيويورك وواشنطن لكنه لم يستطع تحقيق هذا حتى انتهاء فترتي رئاسته.
احتجاج بالسودان
على صعيد اخر، فقد احتشد نحو ألف شخص في وسط العاصمة السودانية الخرطوم الثلاثاء للاشادة بزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن مرددين "الموت لأمريكا".
ودعا حزب اسلامي متشدد الى إقامة صلاة الغائب على روح بن لادن الذي قتل في عملية أمريكية في باكستان.
وتجمع الحشد ومعظم أفراده رجال يرتدون الجلاليب السودانية البيضاء ووصل بعضهم في سيارات فارهة في ميدان في وسط الخرطوم لحضور الصلاة والتنديد بقتل بن لادن. وتجمعت نساء يضعن النقاب لاداء الصلاة في زاوية من الميدان.
وبعد الصلاة أشاد عدة متحدثين من رجال الدين المتشددين بزعيم القاعدة وطالبوا الزعماء العرب بمحاربة الولايات المتحدة.
وقال الشيخ أبو زيد محمد حمزة للحشد الذي ضم كذلك شبانا من حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان ان الاسلام يدعو الى محاربة أمريكا لانها تؤيد اسرائيل واليهود.
ومضى يقول "كنا نتمنى ان يكون كل حكام المسلمين مثل اسامة بن لادن."
وعاش بن لادن في السودان خمس سنوات حيث وصل الى هناك في عام 1991 بعد أن اختلف مع الأسرة السعودية الحاكمة بسبب مشاركة المملكة في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لانهاء الاحتلال العراقي للكويت. وغادر السودان عام 1996 مع تصاعد الضغوط الامريكية والدولية على السودان.
ولزمت حكومة الرئيس عمر حسن البشير الصمت لليوم الثاني على التوالي بشأن مقتل بن لادن لانها أمام معضلة.
فالترحيب بمقتله قد يقرب الخرطوم من تحقيق هدفها الخروج من القائمة الامريكية للدول الراعية للارهاب لكنه قد يغضب الاسلاميين والسودانيين العاديين الذين يحتفظ كثير منهم بذكريات إيجابية بشأنه لاستثماره في السودان وتصديه للولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على بلادهم وقصفت مصنعا قرب الخرطوم عام 1998.