المعارضة السورية في الخارج تستشعر لحظة تاريخية

تاريخ النشر: 31 يوليو 2011 - 02:41 GMT
تظاهرة في حماة
تظاهرة في حماة

حين كان الدبلوماسي السوري السابق بسام البيطار مقيما في باريس منذ ثلاثة عقود دق أحد أفراد الشرطة السرية من العاملين في السفارة باب شقته ليبلغه تهديدا مبطنا بالقتل ان هو لم يكف عن انتقاد عائلة الاسد.
وقال البيطار (55 عاما) وهو يتذكر اليوم الذي زاره فيه الضابط من السفارة بمنزله في احدى الضواحي بعد فصله من عمله بها في مايو ايار عام 1987 ان الضابط من السفارة الذي عرف نفسه باسم المقدم غياث انيس وهو ليس اسمه الحقيقي قال له انه ينصحه كصديق بأن يلتزم الصمت والا سيواجه العواقب.
وتابع قائلا لرويترز انه كان ينتقد الابتزاز والصفقات التجارية غير المشروعة لعائلة الاسد. وقال انه فقد وظيفته وحرم من رؤية بلده. وتابع قائلا لرويترز ان السوريين يتحدون الان طلقات الرصاص من اجل الحرية ويدفعون ثمنا اغلى كثيرا.
وكان يتحدث في بهو فندق باسطنبول على هامش اجتماع عقد هذا الشهر لمعارضين للرئيس بشار الاسد من خارج سوريا وداخلها.
ويسعى الاسد الذي خلف والده الرئيس الراحل حافظ الاسد عام 2000 الى سحق انتفاضة مضى عليها اربعة اشهر تدفع المعارضين في الخارج الى اقامة اتصالات مع الزعماء السريين لاحتجاجات الشوارع وامدادهم بالدعم التنظيمي والمعنوي.
ويتراوح المعارضون من علماء دين يقيمون في السعودية الى رجال أعمال في عواصم غربية وناشطات يرتدين الجينز ويعشن في كندا والولايات المتحدة مما يعكس التنوع الثقافي والديني والاجتماعي للشعب السوري.
اليوم ألهم المحتجون الذين يتحدون طلقات الرصاص في الشوارع شخصيات المعارضة التقليدية السورية والتي ينظر اليها في بعض الاحيان على أنها محدودة التفكير وتلاحقها ذكريات الحملة الدموية على انتفاضة مسلحة قادها الاسلاميون في حماة عام 1982 .
وكان مؤتمر اسطنبول الاحدث ضمن سلسلة من التجمعات في العواصم الغربية تهدف الى اقامة صلات بين زعماء احتجاجات الشوارع في سوريا والمعارضين في الخارج الذين يقعون تحت ضغط لتنحية خلافاتهم جانبا والاتحاد.
ويرى البيطار وهو مسيحي من حلب فرصة الان في اجراء تغيير سياسي حقيقي للمرة الاولى خلال عقود من العمل السياسي. وانتعش امله في العودة الى الوطن وهو ينظم احتجاجات امام البيت الابيض.
وقال البيطار الذي كان يحشد تأييد الادارة الامريكية لتشدد العقوبات على عائلة الاسد ان المعارضة الان مختلفة جدا فالمعارضة اليوم متحدة في هدفها وهو التخلص من النظام الحالي.
ولم تجر محاولات الجمع بين المعارضين في الخارج وزعماء احتجاجات الشوارع دون أن يلحظها الجهاز الامني للاسد الذي شن حملة في 15 يوليو تموز على ضاحية القابون في دمشق حيث كان يأمل نشطاء الانضمام لمؤتمر اسطنبول من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة. وتخلوا عن الفكرة بعد أن قتل الجهاز الامني 14 محتجا.
وساعدت الاحتجاجات في سوريا في بث الروح في معارضة محتضرة. كما حفزت معارضين في الخارج على السعي الى طرق مبتكرة لتمويل الاحتجاجات الداعية للديمقراطية والتنسيق مع منظميها داخل سوريا على أرض الواقع.
وجلس معارضون في الخارج يقيمون في استراليا والسعودية وكندا والكويت حول مائدة مؤتمر اسطنبول ومعهم اجهزة الكمبيوتر المحمول واللوحي يخططون لاجتماعات ويدردشون عبر موقع سكايب مع لجان تنسيق محلية داخل سوريا.
ويقول ياسر سعد الدين وهو محلل مستقل يميل الى التيار الاسلامي ويقيم في قطر "على المعارضة بالخارج أن تؤدي دور الخادم لهذه الثورة ودعمها واسنادها."
وتلقى المعارضون في الخارج دفعة حين تم رفع الحظر على السفر المفروض على هيثم المالح هذا الشهر. والمالح قاض سابق أمضى عشر سنوات في السجن لمقاومته احتكار عائلة الاسد للسلطة وسيطرة حزب البعث على جهاز القضاء.
واستقبل المالح في مؤتمر اسطنبول استقبالا يليق برجل دولة وذلك بعد ثلاثة اشهر فقط من الافراج عنه وهو يلعب دورا رئيسيا في اقامة جسور بين معارضي الاسد في الداخل والخارج.
وقال المالح خلال تناوله الغداء في فندق الخمس نجوم قرب البوسفور الذي عقد فيه اجتماع المعارضة ان المعارضة في الخارج تجمع الاموال حتى يستمر المحتجون وتساعد في توسيع نطاق العصيان المدني الذي جعل بعض المدن مثل حماة وحمص مناطق محررة.
وقال سكان ونشطاء يوم الاحد ان دبابات سورية تطلق القذائف ومزودة بمدافع رشاشة اقتحمت مدينة حماة السورية يوم الاحد مما اسفر عن مقتل ما لا يقل عن 45 مدنيا.
وأظهر مكان عقد المؤتمر حجم النفوذ المالي والتنظيمي لجيل شاب ميسور ماديا من المعارضين في الخارج الذين فروا من القيود في وطنهم ليقيموا مشاريع تجارية في الخليج واوروبا.
ومن بين النشطاء اسامة الشوربجي (32 عاما) الذي قطع دراسته للحصول على درجة الدكتوراة في الكائنات الحية الدقيقة بجامعة باريس للحضور. وألقي القبض عليه عام 2003 مع مجموعة من النشطاء الشبان بعد حملة لتنظيف شوارع دارايا وهي ضاحية بدمشق وهي المبادرة التي اعتبرت محاولة تخريبية لتعطيل عمل المجلس البلدي.
وقال الشوربجي انه يعتبر الجيل الجديد من المعارضين السوريين في الخارج اكثر تحررا من العقيدة السياسية التي يتشبث بها الجيل الاكبر سنا.
ويقول سوريون مغتربون أنشأوا مواقع الكترونية مناهضة للاسد وأمدوا منظمي الاحتجاجات في سوريا بالهواتف التي تعمل بالقمر الصناعي انهم يجدون وسائل سرية ايضا لتمويل حملات العصيان في مدن مثل حماة وحمص يأملون أن تسرع باسقاط حكم عائلة الاسد.
ويقول صالح مبارك وهو أكاديمي تعلم في الولايات المتحدة ويعمل حاليا بجامعة قطر ان المعارضة في الداخل في مقعد السائق والمعارضة في الخارج هي الصدى لكنها تتمتع بحرية الحركة. وأضاف أن معارضي الداخل محاصرون واذا تحدثت اي شخصية من المعارضة فاما تتلقى رصاصة او يلقى القبض عليها.
وفي مؤشر اخر على النضج السياسي حفزت المناقشات عن شكل سوريا بعد سقوط عائلة الاسد جماعة الاخوان المسلمين على أن تتبنى علنا المباديء الديمقراطية وتقبل بمجتمع مدني مع التعهد بعدم تطبيق الشريعة الاسلامية.
وقال علي صدر الدين البيانوني الرئيس السابق لجماعة الاخوان المسلمين في سوريا "الدولة التعددية هي الهدف ولا بد أن نؤكد رفضنا لكل شكل من اشكال استبداد الاكثرية ولاي ديمقراطية اقصائية. لقد عانينا طويلا من سياسات واشكال الاستبداد والاقصاء وعهدنا لكل ابناء الشعب أن ننفيها عن وطننا الحبيب ونأمل أن نبدد كل التخوفات من الغد الديمقراطي الذي نريده تشاركيا."
وفي الاعوام القليلة الماضية عمل ضباط المخابرات السورية على تقسيم جماعات المعارضة المختلفة مستغلين الخصومات بينها لزرع الشك وخلق تركة من الارتياب لاتزال ملامحها واضحة في استجاباتها لاحتجاجات شعبية بدأت فيما يبدو كرد فعل تلقائي على الثورات التي اجتاحت مناطق من العالم العربي والمعروفة باسم "الربيع العربي".
ويقول عماد الدين الرشيد استاذ الشريعة الاسلامية الذي ترك سوريا مؤخرا ويمثل احدث موجة من المعارضين في الخارج "لا ننكر أن هناك كما من التراكم الكبير في ترهيب النظام للرأي السياسي الاخر والمعارضة السورية في معظمها ليس لديها ممارسة سياسية لان النظام يحتكرها."
وقال الرشيد الذي سجن لفترة قصيرة خلال الاحتجاجات وغادر سوريا بمجرد الافراج عنه "النظام يقتات على تمزق المعارضة."
ويعترف الكثير من المعارضين في الخارج بافتقارهم الى قيادة موحدة لكنهم يقولون بان الاخوان المسلمين واليساريين العلمانيين يمكن أن يتفقوا على هدفين رئيسيين هما الاطاحة بالاسد والسعي لتحقيق مستقبل ديمقراطي.
وقال رضوان زيادة الباحث السوري المعروف والناشط المقيم في واشنطن ان الاخوان واليساريين العلمانيين استطاعوا توحيد أهدافهم لان المحتجين لهم هدف واحد هو اسقاط النظام.
وأضاف أن المعارضة في الخارج تقع تحت ضغط حتى لا تعلن عن خلافاتها بينما يقتل ابناء شعبها في سوريا الا أن ايجاد بديل لحكم الاسد سيستغرق وقتا.
وتابع أن من الصعب الوصول الى قيادة موحدة بعد 48 عاما من الدكتاتورية مشيرا الى أنه حتى تتطور المعارضة وتكون تحالفات فانها تحتاج الى وقت.