كتب المراسل الصحافي البريطاني مارتن فليتشر تقريرا في صحيفة "ذي تايمز" اللندنية اليوم عن مشاهداته واحتجازه في مدينة حمص السورية ويصف فيه حبس عدد كبير من الشباب السوريين في زنازين تحت الارض. وهنا نص التقرير: "كومة الأحزمة الملقاة وأربطة الأحذية هي التي لفتت انتباهي عندما جلست في القبو الذي لا نوافذ له، في ممر بمركز احتجاز سري في مدينة حمص الثائرة.
اكتشفت بسرعة مصدر هذه الأشياء. فقد أجبر سائق التكسي الذي اعتقلت معه على خلع حزامه ورباط حذائه. ثم دفعه حارس بدين عبر بوابة ذات قضبان حديدية تمتد من الأرضية إلى السقف، وفتح بابا فولاذيا ثقيلا وراء البوابة.
للحظة قصيرة لمحت الغرفة خلف الباب. كانت مكتظة بالشبان، وكان العشرات منهم مكوّمين على الأرضية. وقد اعتقل النظام، في محاولة منه لقمع الانتفاضة في حمص، كل شاب في سن القتال استطاع القبض عليه.
مُنع الصحافيون الأجانب من دخول سوريا منذ اندلاع الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الأسد الاستبدادي قبل سبعة أسابيع، ولذلك دخلت سوريا تحت ستار انني سائح وركبت الحافلة من دمشق إلى حمص متذرعا بزيارة قلعة الفرسان التي يعود عهدها (كراك دي شوفالييه)، وهي أجمل قلعة من عهد الصليبيين في العالم، وتقع على التلال القريبة.
كنت السائح الوحيد في الفندق، وربما الاجنبي الوحيد في حمص، ولسبب وجيه. كانت ثالثة اكبر المدن السورية، وهي مركز صناعي ويبلغ عدد سكانها ما يقارب المليون نسمة، متوترة. وتردد ان ستة عشر محتجا قتلوا هناك عندما قام ما بين 5000 و10000 من المعارضين للحكومة بمظاهرات يوم السبت الماضي، وقتل المزيد، بمن فيهم ولد في الثانية عشرة من عمره، خلال مواكب تشييع الجنازات لاحقا. وفي يوم وصولي قُتل 12 عاملا سوريا عندما وقعت سيارتهم في كمين على الطريق المؤدي إلى دمشق، وربما بطريق الخطأ من جانب المحتجين.
كانت معظم متاجر المدينة وشركاتها مغلقة. والشوارع والمقاهي الأنيقة خالية تقريبا، والحدائق العامة مهجورة. وانتشرت الشرطة والمسلحون بملابس مدنية في كل منعطف، وكانت الاستحكامات المحاطة بأكياس الرمل للحماية من الرصاص خارج المباني الحكومية.
أقنعت سائق سيارة أجرة بأخذي إلى أفقر أحياء المدينة وأكثرها ثورة، ووجدنا مجموعات مكونة من أربع دبابات في كل مفترق كبير. وبجانب الطريق الرئيسي السريع المؤدي إلى الشمال خارجا من حمص، احصيت 100 دبابة على الأقل تقف على أرض للنفايات على أهبة الاستعداد للمزيد من المشاكل. كما لو كانت المدينة واقعة تحت الحكم العسكري.
كان المزاج السائد في حمص يدل على الغضب الشديد. وفي تلك الظروف لم يكن أحد يخاطر بأن يشاهد وهو يتحدث مع أجنبي، لكنهم كانوا يتمتمون بالتعليقات بلغة انجليزية ركيكة حين توقفت عند أكشاكهم أو تجولت في المقاهي. قال أحدهم: "إنها الحرب"، وقال آخر: "الوضع خطير، طاخ طاخ طاخ"، مقلدا صوت إطلاق الرصاص. ونصحني ثالث: "لا تغادر الفندق بعد السابعة مساء".
كانت الساعة بالكاد الرابعة والنصف، بعد ساعتين من وصولي، وقبل توقيف سيارة الأجرة التي كنت أستقلها عند حاجز قرب الطرف الغربي للمدينة من قبل عدة رجال مسلحين. فحصوا جواز سفري ورأوا الأختام الحديثة من مصر وليبيا. وأخبرهم السائق أنني طلبت منه أن يريني الدبابات على الشوارع ومواقع إطلاق النار. واتصلوا برؤسائهم على الفور.
ركب رجل يحمل بندقية "أي كي 47" في سيارة الأجرة وطلب من السائق التوجه إلى شارع سكني قرب محطة القطار التي تم تطويقها. وتوقفنا عند ساحة مخبأة ملأى بسيارات لا تحمل علامات ومحاطة بعمارات شقق سكنية رمادية غير مرتفعة.
تم اقتيادي إلى قبو بلا نوافذ وأمرت بالجلوس في الممر حيث كان رجال مفتولو العضلات يرتدون سترات جلدية ويدسون مسدسات في سراويلهم أو حافظات معلقة على اكتافهم. لم أتمكن من معرفة ما إذا كانوا من الشرطة أو من المخابرات، ولم يرغبوا في إخباري.
تم استجوابي بأدب لكن بإصرار بلغة انجليزية ركيكة من قبل رجلين، أحدهما أصغر سنا وأكثر تهديدا من الآخر. وفتشوا هاتفي النقال بحثا عن مقاطع فيديو لإدانتي لكنهم لم يجدوا أيا منها. ونظروا إلى كل صورة في الكاميرا الخاصة بي، التي ملأتها لحسن الحظ بصور من سوق دمشق والآثار الرومانية في بصرى.
كانا مقتنعين بانني اتكلم العربية وانني اتظاهر بعدم معرفتها. وفي احد الاوقات وضع شاب بنزق سوطاً مصنوعاً من الكابلات الكهربائية على الطاولة امامي، لكنني تمسكت بقصتي.
قلت انني استاذ تاريخ وسياسة وانني في اجازة اكاديمية واتذوق زيارة الاماكن الخطرة واحب زيارة المواقع التاريخية. لا اعتقد اهم صدقوني، ولكن لم يكن بوسعهم اثبات عدم صحة روايتي. ومن حسن الحظ انهم لم يعثروا على دفتر ملاحظاتي في قاع حقيبتي.
مرت الساعات. وعلى فترات منتظمة كان المزيد من الشبان يجلبون وبعضهم يئن خوفاً لكن بعضهم الآخر بدا متحدياً. وتم اطلاق بعضهم ايضاً. وسمعنا خلال المساء مرتين اصوات صليات عيارات نارية اوتوماتيكية من الشوارع في الخارج.
وقبيل الساعة الحادية عشرة ليلاً طلب مني احد المحققين معي ان اقف. قال لي اننا سنقابل "الجنرال". اخذني صعوداً على مجموعتي درجات الى مكتب فاخر مكيف الهواء وفيه شاشة كبيرة عليها النقاط المشتعلة في حمص.
وفي الطرف البعيد جلس رجل في منتصف العمر مرتدياً ملابس عسكرية وراء مكتب عليه بندقية "أي كي 47" (كلاشنيكوف) ومجوعة من التليفونات. وقد رنت اجراسها مراراً وتكراراً وكان يصدر اوامر بالعربية. لم يقدم نفسه، لكنه صافحني وعرض علي قهوة، واعتذر عن احتجازي وشغل اسطوانة اللطف.
قال ان سوريا هدف لمؤامرة. والسوريون يحبون الرئيس ولكن عدداً قليلا من المتطرفين الممولين من قوى اجنبية يحاولون اطاحته لانه يقف في وجه الولايات المتحدة واسرائيل. وهؤلاء يطلقون النار على المحتجين ليوفروا مادة دعاية لقناة "الجزيرة" التلفزيونية. يطلقون النار على من يحاولون حفظ النظام وادعى انه فقد خمسة من رجاله في ذلك اليوم.
طأطأت برأسي معرباً عن الموافقة، وعبرت عن تعاطفي وطلبت اطلاق سائق سيارة التاكسي الذي رافقني، وهو ما حدث في وقت لاحق. وسرعان ما جرى نقلي بسيارة الى فندقي عبر الشوارع المهجورة في مدينة عربية تعج بالنشاط والحركة عادةً. كنت محظوظاً، وكان السوريون المحبوسون في ذلك الطابق تحت الارض اقل حظاً بكثير.
لكي ابقي على غطائي، زرت "كراك دي شوفالييه" (قلعة الفرسان الصليبية) في اليوم التالي، وتقاسمت الاستمتاع بروعتها مع عدد قليل من السحالي وصمتٍ لم يقطعه سوى اصوات الأذان الآتية من الوادي على مسافة بعيدة تحتنا. وقد ابديت اهتماماً خاصاً بالغرف المعتمة المقامة تحت الارض.
في الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال سأكون قد غادرت سوريا بأمان. كنت محظوظاً مرة، ولكن من غير المرجح ان حظي سيكون بهذه الجودة لو تم القبض علي مرة ثانية.
استطعت ان ارى كيف يقوم نظام قاتل باستخدام الدبابات والمدافع والخوف والترهيب لسحق مطالبات شعبه المشروعة بالحرية والديموقراطية. وعلى المدى القصير سينجح (النظام)، ولكن بينما كنت اسير في شوارع دمشق، تمتعت بتذكر كيف انها حكمت تباعاً على مر القرون من جانب الاشوريين، والفرس، واليونانيين، والنبطيين، والرومان، والاكراد والمغوليين والمماليك والفرنسيين وقوى اخرى كثيرة.
بعد قرن من الآن لن تبقى أي ذكرى تقريباً لسنوات البؤس تحت حكم عائلة الأسد
اسماء ليست في لندن
نفى مصدر في السفارة السورية في لندن تقارير صحفية مفادها أن السيدة السورية الأولى، أسماء الأسد، قد وصلت إلى العاصمة البريطانية في وقت سابق.
وقال جهاد المقدسي الناطق باسم السفارة، في تصريح لشبكة CNN الاميركية أسماء الأسد "ليست في لندن بالتأكيد."
وفي بيان قالت السفارة السورية في لندن إن السيدة الأولى في سوريا تعمل على الترويج للإصلاحات في بلادها. وقال إن ثمة "شائعات خاطئة نشرتها وسائل إعلام بريطانية تتعلق بمكان السيدة أسماء الأسد، وأولادها، وتستهدف إرباك عملية الإصلاح الوطني الجارية في سوريا حالياً.
وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية قد ذكرت في تقرير لها أن عقيلة الرئيس السوري موجودة سراً في بريطانيا منذ نحو "ثلاثة أسابيع"، مشيرة إلى أنها وصلت لندن بعيد اندلاع التظاهرات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، وفقاً لما نقلته عنها صحيفة السياسة الكويتية.
ونقلت الصحيفة الكويتية عن "مصادر عربية" قولها إن السورية الأولى "هربت إلى بريطانيا حيث يوجد والدها الدكتور فواز الأخرس اختصاصي أمراض القلب، ووالدتها سحر العطري الدبلوماسية السورية السابقة، في منطقة أكتون في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية، وإنها موجودة حاليا إما في منزلها الفاخر في لندن أو منزل آخر في الأرياف مع أبنائها الثلاثة الذين خرجوا معها بسرية لم يسبق لها مثيل."
يشار إلى أن أسماء الأسد، البالغة من العمر 35 عاماً، تحمل الجنسية البريطانية التي درست علوم الكمبيوتر، تزوجت من بشار الأسد عام 2000.