اكد الدكتور إبراهيم كالين، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي ، ان النظرة الاستشراقية للعرب التي تقوم على القول بأنهم ليسوا جديرين بالديمقراطية ولا ينسجمون مع قيمها ومبادئها، وأنهم غير قادرين على أخذ زمام أمورهم بأيدهم، هذه النظرة سقطت في غضون أسبوعين وتحطمت على صخور ثورة تونس ومصر.
جاء حديث المسؤول التركي خلال اعمال اليوم الثاني من المؤتمر الأقليمي " دروس من التجربة الديمقراطية التركية " المنعقد حاليا في انقرة بتنظيم مركز القدس للدراسات السياسية بالتعاون مع "مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية – سيتا".
كالين قدم ورقة للمؤتمر حملت عنوان "تركيا...الولايات المتحدة...الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط".اكد ان الشرق الأوسط يتغير، وان العرب يريدون رسم سياستهم بانفسهم، من دون التدخلات العسكرية الغربية ، في ظل التأييد المطلق لإسرائيل، موضحا في هذا السياق ان الغرب لم يقدم سلاما ولا تنمية ولا حقوقا للعرب،
و شدد كالين على ان العلاقة العربية التركية تعد ركيزة مهمة في السياسيه الخارجية لتركيا ، وقال "لا يمكننا أن ندير ظهرنا للمنطقة العربية، وعلى منطقتنا أن تعتمد على نفسها في رسم مستقبلها وصيانة أمنها وتحقيق رفاهيتها، وهذه ليست "نظرية عالمية ثالثة" بل مقاربة تخدم شعوب المنطقة في المقام الأول والأخير". واوضح انه وعلى الرغم من ان تركيا تريد أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، وهي تعمل من أجل ذلك، الا انها لا تدير ظهرها لعلاقاتها متعددة الوجوه مع بقية المناطق، وبالأخص المنطقة العربية.
وخصص جانب واسع من اعمال الثاني للمؤتمر للحديث عن السياسية الخارجية التركية وتحديدا فيما يتعلق بموقف تركيا من الصراع العربي الإسرائيلي .. حيث اكد المتحدثون الأتراك ان بلادهم على استعداد لإستئناف دور الوساطة بين الاطراف الفلسطينية مؤكدين ان تحقيق مصالحة فلسطينية امر ضروري قبل العودة لإستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين من اجل تعزيز موقف المفاوض الفلسطيني . وفي هذا الإطار قال الدكتور أفق أولوتاش من "مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية – سيتا"، ان هناك صعوبة في الوصول إلى حل لمشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ومشيرا أن الأطراف المعنية لا تبدي لغاية الآن استعدادا لحل هذه المشكلة... وقال هناك رغبة في تركيا للعب دور الوسيط، غير انه اشار إلى أن بعض الدول العربية لا تنظر بارتياح لدور تركيا الوسيط، كما أن الانقسام الفلسطيني لا يساعد على تطوير دور تركي وسيط.
وتحدث عن التازم الاخير في العلاقة التركية الاسرائيلية وقال في الفترة الأخيرة، تأزمت العلاقات بين تركيا وإسرائيل، بعد أن كانت منذ 1947 دولة محايدة سياسيا...أما المجتمع التركي، فقد كان على الدوام يبدي حرارة وإيجابية أكبر في النظر لقضية الشعب الفلسطيني...وتوقف امام محاولات إسرائيل شراء الوقت، والالتفاف على إحتمالات الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في أيلول القادم، ولافتا إلى أن نتنياهو ينوي زيارة أوروبا وأمريكا لغرض تفادي ما يعتبرونه "تطورا خطيرا".
وقال أن دور تركيا الوسيط يواجه مشاكل في هذا المجال، مشددا على أهمية قيام تركيا بدور الوسيط بين فتح وحماس وتحقيق المصالحة، مشيرا إلى أهمية دور مصر في هذا المجال.
وفيما يتعلق بالعلاقات التركية العربية قال البروفيسور بولنت أراس، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في وزارة الخارجية التركية، والذي قدم ورقة بعنوان "تركيا والتحولات الديمقراطية في العالم العربي"... قال السياسة الخارجية التركية ما بعد 2002، التي يقودها السيد احمد أوغلو، هي سياسة خارجية عملية في هذا الموضع وتعتمد "الجيوبوليتيك". مشددا على ان السياسة الخارجية التركية حيال الدول العربية، تعتمد "المبادرة" وتدور في إطار "ثلاثة مثلثات في علاقات تركيا بالمنطقة: المثلث الأول:تركيا والعراق ومصر، وثانياً، المثلث الثاني: تركيا سوريا والسعودية...والمثلث الثالث تركيا لبنان وفلسطين..
و حول تاثير التحولات في العالم العربي، على مفاهيم ومحددات السياسة الخارجية التركية قال ان سياستنا تعتمد على ضبط التدخلات الأجنبية في شؤون الدول العربية، ومنع انزلاق هذه الدول لحروب أهلية وأن يكون التحول سلمياً...ويجب لهذا التحول أن يبتعد عن المرجعيات المذهبية والصراعات الدينية. يمكن لتركيا بجيشها الكبير والقوي، أن يلعب دوراً إنسانيا في بعض أزمات المنطقة، وأن نضعه في خدمة التغييرات التي تحدث في العالم العربي.
وركز المشاركون العرب في مداخلاتهم على الحاجة لتوضيح الموقف التركي من ثورات الحرية والتغيير في العالم العربي، حيث تعرض هذا الدور لكثير من التساؤلات والشكوك في ظل ما يعتقد أنه موقف تركي مزدوج حيال هذه الثورات.
وكان اليوم الأول للمؤتمر، قد شهد في جلستيه الختاميتين، نقاشا واسعاً بين المشاركين العرب ونظرائهم الأتراك، حول مسائل "الإسلام والعلمانية" و"الهوية الإيديولوجية" للحزب، حيث بدت الفجوة واسعة بين "التيار الإخواني العربي" الذي غلًب البعد الإيديولوجي في نقاشاته على البعد البرامجي، مقابل حزب العدالة والتنمية الذي عرف نفسه كحزب إصلاحي محافظ، يخاطب الشعب، كل الشعب، بكل فئات وشرائحه، ويضم في صفوفه كوادر ونشطاء من مدارس فكرية مختلفة بما فيها يساريون وشيوعيون قدامى، ويعتمد على تقديم البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتخففة من الاعتبارات الإيديولوجية والدينية.
وتناولت اعمال اليوم الثالث من المؤتمر التجربة الإقتصادية التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية وفي هذا الإطار عرض البروفيسور بولنت جيديكلي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية للشؤون الاقتصادية، لأبرز ملامح النظرية الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية: التي تقوم إصلاح القطاع العام، وقف الإسراف ومحاربة الفساد المالي، وتنظيم المناقصات والحفاظ على شفافيتها، تضاؤل دور القطاع العام، الخصخصة. وإفساح المجال أمام القطاع الخاص
وعرض الأستاذ رها دينيمتش، رئيس الدائرة الاقتصادية، نائب رئيس الحزب للشؤون الاقتصادية الكيفية التي استطاع حزب العدالة الربط بين الإصلاح الاجتماعي والاصلاح الاقتصادي...حيث توقف بشكل خاص عن السياسات الاجتماعية التي تبناها الحزب لاحتواء أثر سياسات الاصلاح الاقتصادي ، وقدم المتحدث سلسلة من الأرقام التي تعكس حجم التقدم على هذا الصعيد، حيث ارتفع معدل دخل الفرد ثلاثة أضعاف خلال السنوات التسع الفائتة، وارتفع الاحتياطي من العملات الأجنبية من 28 مليار دولار إل 88 مليار دولار...وارتفع حجم التجارة الخارجية من 8.8 مليار دورلا إلى 140 مليار دولار. كما استعرض القفزات التي طرأت على انتشار الانترنت والهواتف المتنقلة، ودعم قطاعات اقتصادية بعينها مثل قطاع الزراعة الذي بلغ إجمالي الدعم المقدم إليه، أزيد من 36 مليار دولار.
وتحدث كذلك عن الدعم المقدم لطلبة المدارس الفقراء ودعم الكتاب المدرسي، وتقديم المنح والقروض لطلبة الدراسات العليا، وتخفيض وفيات الأطفال والنساء، إلى غير ما هنالك من سياسات أدت إلى خفض الفقر إلى 4 بالمائة.
المتحدث الثالث، البروفيسور شعبان كردش، وتناول في ورقته التحولات الداخلية في تركيا حيث تطرق لنظرية المركز والأطراف وسياسة صهر كل المكونات الاجتماعية في بوتقة واحدة، وما واجهته عند تأسيس الدولة من حركات تمرد وعصيان، ذات طبيعة إثنية ودينية. وانتقلت الورقة للحديث عن الانتقال من نظام الحزب الواحد حتى الخمسينات إلى مرحلة التعددية الحزبية، حيث ترافق ذلك مع هجرة واسعة من الأرياف إلى العاصمة...وتوجهت القطاعات التقليدية نحو العاصمة، وتغير شكل سياسة الدولة إلى حياة حزبية متعددة، وأدى التغير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إلى تبلور الهويات المختلفة داخل المجتمع التركي، وبدأت نظرية الشعب الواحد، تحل محلها إلى شعوب متعددة تحت مظلة واحدة، وفي هذا السياق جاء نشؤ وتطور الحركات الإسلامية في تلك المرحلة التي أولت قضية الأكراد والعلوين تحتل مكانة واسعة في برنامج الحزب، وتقلص دور الدولة وحجمها، لصالح دور القطاع الخاص والمجتمع المدني.
ويشارك في اعمال المؤتمر أكثر من 30 نائبا وأكاديميا وقياديا حزبيا من 17 دولة عربية هي الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والبحرين والكويت وعُمان والإمارات المتحدة والسعودية واليمن ومصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.وعدد مماثل من النواب والأكاديميين والنشطاء الحزبيين الأتراك.
ويعقد المؤتمر بالتنسيق مع شركاء مركز القدس في "شبكة الإصلاح والتغيير الديمقراطي في العالم العربي" و"الائتلاف الدولي للإسلام المدني الديمقراطي".
ويعتبر هذا المؤتمر الرابع في سلسلة مشروع نحو اسلام مدني ديمقراطي الذي اطلقه مركز القدس عام 2005 . ويهدف المؤتمر إلى التعرف على بعض أوجه التجربة التركية ودراسة فرصة الاستفادة منها في العالم العربي، خصوصاً في مرحلة التحول نحو الديمقراطية التي تشهدها معظم الدول والمجتمعات العربية في الآونة الأخيرة