تحصي الشرطة الأردنية سنويا مئات المشاجرات سنويا خلال شهر رمضان المبارك، وتؤكد أن وتيرة هذه المشكلات تتصاعد مع الصوم، بينما تتردد على السنة الأردنيين جملة نزقة خصوصا لدى المدخنين «ابعد عني أنا صايم».
عبوس وعصبية وتوتر، هي سمة المدخن الصائم، تقول إلهام مصطفى التي تدمن على التدخين منذ سنوات طويلة، لافتة إلى أن هذه الصفات تواجهها في الطريق وأمام المخبز وفي العمل. وتضيف: هناك جملة يرددها ضعاف النفوس وهي «متى يحين موعد الأذان؟» وهو تساؤل مشحون بتوتر وكشرة تشعرك أن هذا الصائم مضطر للصيام مجاراة لأشبه ما يكون بالعادة، وليس عبادة وتقربا لله العظيم. أما الشاب وصفي غنام فيستعيد مشهد مشاجرة كبيرة وقعت في رمضان الفائت في حي شعبي قبيل الإفطار بنحو ساعة، ويقول: كان المتشاجرون عصبيين خصوصا وأنهم كانوا يرددون عبارات عن التوعد والقسم بالصوم. وأوضح أن المشاجرة نشبت حين رد أحدهم على آخر بجملة «اللهم إني صائم» ليجيبه نظيره «اوه لا تحملنا جميلة صيامك»، لتنسب بعدها الشاجرة التي لم يستطع من في الشارع فضها حتى قدمت الشرطة التي استخدمت القوة في تفريق عشرات الشبان.
ويقول الدكتور وضاح الأشقر أن سلوك المدخن الصائم عادة ما يكون متوترا خصوصا في الأيام الأولى من الصوم، نتيجة افتقاد جسمه نسبة النيكوتين التي يتلقاها منذ الصباح، ناصحا المدخنين بجعل شهر الصوم فرصة للإقلاع عن هذا السم القاتل. عماد العثمان مدخن بنهم، يؤكد أن رمضان لا يؤثر عليه أبدا وأن امتناعه عن التدخين خلال النهار فرصة للتعافي الجزئي من الآفة، مشيرا إلى أن المقلق فعلا هو أن التوتر في رمضان يكون على أشده بين سائقي المركبات الذي يطلقون العنان لزوامير سياراتهم قبيل الإفطار، حيث تكتظ الشوارع بالمركبات ليشعر المرء وكأن أمرا جللا قد حدث. أما أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور خليل درويش، فيعتبر أن العصبية في شهر رمضان تتصل بالقدرة على الصبر والإيمان، لافتا إلى أن المدخنين هم الأكثر عرضة للوقوع في قصة النرفزة وافتعال المشكلات خلال ساعات الصيام.
ويرى درويش أن التدخين من الحاجات الباطنية التي تؤثر في الإنسان، وفي طريقة حياته التي يعتاد عليها كل يوم في حالة إدمان تتوقف خلال الشهر الفضيل. ويقول: «إن البعض لم يعتادوا الصبر ولم يعتادوا التزام الدور، والقضية بحاجة إلى دراسة معمقة، وهي لا تنتهي في يوم وليلة وإنما لتوعية أجيال متلاحقة وتطوير نشأتهم ليتعلموا».
أما أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمود السرطاوي فيعزو العصبية إلى رزمة من المسببات أهمها العادات والتدخين، إذ أن حاجة الإنسان للطعام والشراب والتدخين تدعوه إلى التصرف بطريقة غير منضبطة. ويوضح أن الصيام عبادة فرضها الله تعالى حتى لا يبقى الإنسان أسيرا لمتطلباته، والتوجه للمتطلبات الروحية، مشبهاً رمضان بتدريبات القوات الخاصة في أي الجيش حيث يجبر الجنود على أكل أشياء تعوفها أنفسهم ويجبرون على الامتناع عن الطعام لفترات طويلة، ويكون الهدف منها الخروج بشخصية مختلفة. ويضيف لا يجوز لإنسان أن يحمل أحدا منّةً بصيامه، فالصوم لله تعالى هو الذي طلب وهو الذي يحاسب، والصوم يضيف للإنسان حاجات كثيرة على القائم بها أن يؤدي باقي العبادات لتكتمل الحلقة الإيمانية.
