ارتبط شهر رمضان الكريم بالمسحراتي في معظم الدول العربية والإسلامية، وتعتبر مهنة المسحراتي من أقدم المهن التي كان لها صداها على مر التاريخ الإسلامي، وليس غريباً أن نرى شاباً أو شيخاً مُسنّاً يحمل طبلاً أو دفاً ليوقظ الناس على السحور، خصوصاً الأطفال الذين ينادي عليهم بالاسم ليدخل عليهم شيئاً من البهجة والسرور، إلا أن الغريب والطريف أن يمتهن هذه المهنة ويقوم بها رجل مسيحي.
وهذا ما يقوم به ميشيل أيوب ابن قرية «المكر» بمدينة عكا الفلسطينية، حيث يقوم الشاب ميشيل بدور المسحراتي رغم أنه مسيحي، فيتجول في شوارع وأزقة القرية، ويعمل على إيقاظ المسلمين لتناول طعام السحور والاستعداد لصلاة الفجر. يقول ميشيل إنه بدأ في هذه المهمة التي لا يتلقى أي أجر مقابلها منذ سبع سنوات، مضيفاً: «نسحّر كثيرين في عدة أماكن، هم أهلنا، وهذا شيء يدعو للفخر ونتشرف به».
ويعمل ميشيل في حرفة البناء خلال النهار ويؤدي دور المسحراتي التقليدي خلال شهر رمضان، وذكر أن كثيراً من الناس يدهشهم أن يعمل مسيحي بمهنة المسحراتي في الشهر الذي يصوم فيه المسلمون، ويؤكد أنه لا يرى فرقا بين مسيحي ومسلم. وميشيل أيوب لم يكتفِ بالعمل مسحراً في قريته «المكر»؛ بل انتقل من مكان لآخر ومن قرية لأخرى منذ 8 سنوات، ويؤكد أن عمله هذا عمل مقدس ليوقظ الأطفال والكبار ليتناولوا طعام السحور كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم «تسحروا فإن في السحور بركة». والذي يتسحر ولو بشربة ماء يسعد بها وتكفيه خلال النهار، ويضيف: «يكفيني أني أساعد الأطفال والكبار على حرارة النهار الحار، ومهما تكن الساعات والمنبهات إلا أن للمسحراتي نكهة خاصة الكثير يتذوقها». ويجول ميشيل قارعاً طبلة، ينشد ولا يهدف إلى ربح أو جزاء مادي، يسعى فقط إلى خلق أجواء رمضانية حميمة في مدينته رغبةً في إحياء تقاليد مستمدة من التراث تكاد تندثر في ظل طغيان مظاهر الحياة العصرية.
ولقيت مبادرة ميشيل المسحراتي استحساناً من سكان القرية مسلمين ومسيحيين، كما قامت جهات إسلامية بتكريمه عرفاناً له بالجميل في هذه الخطوة التي توطد العلاقات الأخوية في المدينة. يقول ميشيل: «عند خروجي للتسحير أقوم بارتداء ملابسي الخاصة التراثية حتى تعطي انطباعاً أجمل مع قدسية الموقف، وهذا الأمر يبعث روح الطمأنينة والاعتزاز أيضاً عند إخواني المسلمين الذين أرى بأعينهم وأسمع منهم كلمات الثناء والتقدير وأنا أقدر ذلك الأمر، وأول ما أنادي به بما يلي: «بسم الله ابتدينا وعلى الأنبياء صلينا.. اصحى يا نايم اصحى يا غفلان.. قوم واصحى وسبح الرحمن، وأنا صنعتي في البلد جوال». ويخلص ميشيل بالقول: «أنا أعتز وأحترم أهلي وإخواني جميعاً مسلمين ومسيحيين؛ فالطاعات لله، وفقط رب العزة هو من يمنح الأجر والثواب، وما أتمناه أن أرى الجميع متحابين أخوة يرحم كبيرهم صغيرهم ويحترم صغيرهم كبيرهم». ميشيل أيوب هو ابن قرية المكر التي تعيش روح الحب والتسامح والتغافر بين أبناء القرية من مسيحيين ومسلمين، ويربط أهلها المسلمون علاقات طيبة ومتينة مع أخوتهم المسيحيين، وقد يكون هذا هو الدافع الذي جعل شاباً في مقتبل العمر أن يتحدى كل الموانع وأن يحفظ آيات القرآن الكريم والمعاني السامية من الإسلام السمح ويتغنى بها ذاكراً الله في جوف الليل بينما المسلمون نائمون ليوقظهم بقوله «يا نايم وحد الدايم».. إذ أخذ على عاتقه هذه المهمة تطوعاً لا يريد من أحد جزاءً ولا شكورا.
ولعل الأجواء الرمضانية التي يعيشها أهل قريته مسقط رأسه «المكر» كانت له دافعاً لأن يقوم بما يقوم به، هذا الأمر جعل الصغير قبل الكبير في القرية والقرى المجاورة يحترمه؛ لأنه يترفع عن أي مقابل من أحد، وعمله لله خالصاً، ويهمه أن يرى أهل بلده وشعبه في أجمل وأروع صورة وحال.
