أهمية العمل المرن في دول مجلس التعاون الخليجي

تاريخ النشر: 28 سبتمبر 2010 - 09:17 GMT
Haddad
Haddad

بوز أند كومباني
بقلم شكرالله حداد ومنصف كلوش
 
في أعقاب الأزمة العالمية الأخيرة، البلدان في جميع أنحاء العالم لا تسعى فقط إلى إنعاش نموها ولكنها تسعى أيضا إلى تعديل أطرها التنظيمية لتعزيز قدرتها على التكيف مع الصدمات الاقتصادية في المستقبل. إصلاحات سوق العمل والتوجه نحو المزيد من المرونة يمكن أن يساعد بشكل كبير استيعاب وتخفيف آثار التقلبات الاقتصادية. في دول مجلس التعاون الخليجي بلغ معدل مشاركة العمالة نسبة 50 في المئة كما أن المنطقة تعاني من بطالة عالية خصوصا بين الشباب المواطنين. اعتماد العمالة المرنة يمكن أن يعالج مشاكل العمل الحالية ويمكن أن يساعد على التحضير لاضطرابات اقتصادية في المستقبل لا يمكن التنبؤ بها.
 
بيّنت الأزمة العالمية الأخيرة الدور الحاسم ليس للتنظيمات الاقتصادية والمالية السليمة فحسب، إنما للقواعد والممارسات في سوق العمل أيضاً. قدرة الشركات على التكيّف مع الظروف الاقتصادية المتغيّرة عبر توظيف عمّال على أساس دوام جزئي أو مؤقت، قد تحدد إلى حد كبير سرعة تعافي اقتصاد بلادها. وعلى الرغم من أن قوانين العمل في دول مجلس التعاون الخليجي توفّر مرونة كبيرة لأرباب العمل، فإنها تغفل تنظيم ترتيبات العمل بدوام جزئي أو مؤقت، الأمر الذي يجعل عقودا من هذا النوع صعبة ومكلفة أو غير عملية. وتؤدي هذه الثغرة إلى إعاقة التنافسية الاقتصادية للمنطقة في ثلاثة مجالات أساسية: معدل مشاركة العمالة، معدل تشغيل العمالة، ورشاقة الشركات عموماً. وتستطيع دول مجلس التعاون الخليجي أن تعالج هذه المسائل جزئيا عبر اعتماد قوانين وسياسات جديدة تعزز ترتيبات العمل المرن ، كما تعمل هذه الدول في الوقت نفسه على تعزيز مرونتها الاقتصادية في مواجهة أي ركود مستقبلي.
 
لماذا العمل المرن؟
يُنسب إلى العمل المرن المساهمة في فوائد ثلاث رئيسية للاقتصاد الكلي:
1.     زيادة المشاركة الإجمالية للعمالة
2.     خفض البطالة
3.     زيادة رشاقة الأعمال بوجه عام
 

الفائدة الأولى: زيادة مشاركة العمالة
يقول شكرالله حداد الشريك في بوز أند كومباني: " في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يبلغ معدّل مشاركة القوى العاملة نحو 50 في المئة - أقل بكثير من معدّل 70 في المئة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - يمكن لأربعة قطاعات سكانية رئيسية الاستفادة من ترتيبات العمل المرن: المواطنون الملازمون لمنازلهم، زوجات العمال الوافدين، الطلاب، والمتقاعدون".
 
المواطنون الملازمون لمنازلهم
مشاركة القوى العاملة النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي هي من الأدنى في العالم. يقول حداد: "معدل مشاركة القوى العاملة النسائية جدير بالذكر حتى بالمقارنة مع معدل المشاركة العام في المنطقة، والذي يقل عن المعدلات العالمية البالغة 55 في المئة. من أصل 8 ملايين إلى تسعة ملايين إمرأة تقريبا في سن العمل في مجلس التعاون الخليجي، لا يملك أكثر من الثلث موقعا مهنيا ثابتا. وتبلغ  معدلات عمل النساء المواطنات في المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر حوالي 12 في المئة و28 في المئة و35 في المئة، على التوالي. وقد تفسّر مسائل ثقافية، مثل التوصيف الاجتماعي السلبي للنساء العاملات في مهن معينة، جزءا من الفجوة بين الجنسين. ولكن بعض هؤلاء النساء قد يلتحقن بسوق العمل – خاصة  في القطاع الخاص حيث ساعات العمل عادةً ما تكون أطول مما هي عليه في القطاع العام - إذا كنّ قادرات على الحد من ساعات عملهن خلال النهار، أو تكييف أسبوع العمل بما يناسب واجباتهن خارج العمل".
 
زوجات العمال الوافدين
في بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات وقطر، هناك عدد كبير من الوافدين الذين لا يعملون. وهؤلاء يكونون عادة مكفولين من الزوجات أو الازواج، وهم ممنوعون قانونيا من القيام بأي نشاطات ذات أجر إلا إذا قاموا بعملية نقل للكفالة إلى رب عمل يوظفهم بدوام كامل. وهذا الأمر قد يكون في بعض الحالات طويلاً أو مرهقاً، ولا يشمل خيارات العمل بدوام جزئي. ولحسن الحظ أنه "في بعض دول المنطقة، أصبح أسهل على هؤلاء الوافدين غير العاملين دخول سوق العمل. في عام 2008 سمحت قطر لزوجات الوافدين بالعمل دون نقل الكفالة شرط أن يدفعن رسما سنويا. وهذا يمكن أن يقلل إلى حد كبير على الحاجة إلى يد عاملة أجنبية إضافية إذا كان بإمكان الوافدين غير العاملين أن يشغلوا بسهولة بعض الأعمال المطلوبة بطريقة الدوام الجزئي أو العمل المرن"، كما يقول منصف كلوش المديرالأول في شركة بوز أند كومباني.
 
الطلاب
الغالبية العظمى من الطلاب في دول مجلس التعاون الخليجي لا تستطيع الجمع بين الدراسة والعمل بدوام كامل ولكن ترتيبات العمل المرن قد تكون جذابة لهم.
 
المواطنون المتقاعدون
يملك المتقاعدون في أحيان كثيرة مهارات حديثة وخبرات يطلبها أرباب العمل، ولكن قواعد العمل في دول مجلس التعاون الخليجي تحد من قدرتهم على العمل بعد التقاعد.
 
الفائدة الثانية: خفض البطالة الهيكلية
إضافة إلى توفير الحوافز لقطاعات مختلفة من السكان غير العاملين للانضمام إلى القوى العاملة، يمكن لمرونة العمل في بعض الحالات خلق ظروف تساهم في خفض جزء من البطالة الهيكلية في البلد. قوانين العمل التقليدية الضرورية لحماية حقوق العمال مثل لوائح ظروف العمل (مثل أيام الراحة الإلزامية، ساعات العمل المحددة)، والمساهمات الإلزامية في البرامج الاجتماعية (مثل مساهمات التقاعد أو البطالة)، أو برامج الحماية من التسريح (مثل قواعد التسريح، صفقات التسريح) تزيد كلفة العمالة. ومع ارتفاع تكاليف العمالة، تميل الشركات إلى تركيز التوظيف والتعاقد مع العاملين المجرّبين من ذوي الخبرة، وبالتالي تهميش مجموعات سكانية معينة، خاصة العمال الشباب والمتقدمين في السن.
 
يقول كلوش: "حصة الشباب من البطالة بين المواطنين في المنطقة عالية بشكل غير متناسب: على سبيل المثال، في عام 2008 كان 46 في المئة من العاطلين عن العمل في المملكة العربية السعودية من الشباب، في حين أنهم يشكلون 12 في المئة فقط من مجموع القوى العاملة. و في قطر 62 ٪ والإمارات 40 ٪ من العاطلين عن العمل هم من الشباب. ونظرا لاقتراب حصول طفرة أعداد الشباب من سكان دول مجلس التعاون الخليجي، وانخفاض حجم القطاع العام (المصدر الثابت للعمل للكثير من الذين كانوا يدخلون سوق العمل في الماضي)، فإن التحدي المتمثل في إيجاد عمل للشباب يجب أن يكون في رأس برامج السياسات العامة".
 
وقد أثبت العمل المرن في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية جدواه للشركات والاقتصاد عموما. وهنا يعلّق حداد: "شجّعت الدنمارك الشباب البالغين وأرباب العمل على الانخراط في برامج التدريب الداخلي بدوام جزئي كونها مفيدة للجانبين - أو "برامج من المدرسة إلى العمل"، وذلك قبل الدراسات المهنية وبعدها. ونتيجة لذلك، فإن الدنمارك لديها أدنى نسبة للبطالة بين الشباب في منطقتها (6 في المئة، مقابل 13 في المئة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في عام 2008)، علما أن 55 في المئة من الشباب الدنماركي يعملون بدوام جزئي، مقابل متوسط 28 في المئة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية".
 
الفائدة الثالثة: تحسين رشاقة الأعمال
يساعد نظام العمل المرن الشركات في الاحتفاظ برشاقتها وقدرتها على الحركة عبر تزويدها بالأدوات اللازمة للتجاوب بسلاسة مع ما تفرضه الدورات الاقتصادية. ويعني خيار توظيف الناس لفترات محددة أن الشركات قادرة على تكييف قواها العاملة مع دورة الأعمال التجارية، بحيث توظف قوة عاملة موقتة خلال فترات الذروة، والتغيير بسهولة عندما لا تعود هناك حاجة إلى العمال. في الواقع، يبدو أن ترتيبات العمل بدوام جزئي ترتبط بشكل كبير بتعزيز القدرة التنافسية وفق قياس المؤشر العالمي للتنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
 
يضيف كلوش: "تحتاج الصناعات الخاضعة للطلب الموسمي، مثل تجارة التجزئة أو الضيافة، بشكل كبير إلى عمالة مرنة لتعديل مستويات التوظيف الخاصة بها على مدار السنة. يشار إلى أنه في بعض البلدان الغربية، يحقق تجار التجزئة ما يصل الى 50 في المئة من عائداتهم السنوية خلال الربع الأخير من السنة. وبهدف الاستجابة بصورة مناسبة لهذه الزيادة، يوظف أرباب العمل عمالا لهذا الربع فقط. أما الشركة التي تعتمد على النشاط الموسمي فلن تتمكن من النجاح في التنافس الموسمي أو في أي فترة ذروة للطلب على العمالة إذا كانت قوتها العاملة ذات دوام كامل. بالإضافة أن توافر العمالة قد يتأرجح، حتى ولو بقي الطلب مستقرا، بسبب إجازات الأمومة والإجازات المرضية أو العادية الطويلة".
 
السعي نحو العمل المرن
مع أن جهودا بُذلت على امتداد منطقة مجلس التعاون الخليجي لخلق بيئة أكثر ملائمة لترتيبات العمل المرن – مثل إعلان الإمارات عام 2009 أنها ستصدر تنظيمات تسمح للناس بمن فيهم الوافدون بالعمل بدوام جزئي – إلا أنه يجب على حكومات المنطقة أن تعتمد نهج أكثر شمولية وأن:
1.     تخلق عقود عمل موحّدة لمهمات العمل القصيرة المدى، وذات الدوام الجزئي، والمؤقتة.
2.     تعدّل قوانين العمل والبنية التحتية الحالية لاستيعاب ترتيبات العمل المرن.
3.     إعادة النظر في كل القوانين التي تمنع وضع ترتيبات العمل المرن.
4.     وضع مبادرات داعمة لتعزيز نظام العمل المرن، كحملات توعية الرأي العام.
 

خاتمة
سوف يحسّن وضع إطار قانوني شامل للعمل المرن في دول مجلس التعاون الخليجي فعالية أسواق العمل عن طريق تحفيز مشاركة أكبر من العمال المنتمين إلى الفئات الأقل حضورا، الأمر الذي يساهم في الحد من البطالة وزيادة رشاقة الأعمال بشكل عام. وتتطلب هذه العملية تحليلا معمّقا لقوانين العمل السارية للتأكد من أن الإصلاحات ستخلق حوافز كافية لكل من أرباب العمل والموظفين المحتملين للانخراط في ترتيبات العمل المرن. وستلمس فائدة هذه الإصلاحات المجموعات السكانية – خصوصا النساء من المواطنات والوافدات، البالغين الشباب، والمتقدمين في السن – التي يتجاهلها أرباب العمل في الوقت الراهن. ولا شك في أن سوق عمل أكثر مرونة سيساعد الشركات في تحسين قدرتهم على المنافسة والنجاح ، خصوصا الشركات التي تخضع للتغيرات الدورية والموسمية على صعيد الطلب.