عندما التقى شيعة السعودية في المساجد وتبادلوا الحلوى احتفالا بميلاد النبي محمد كان الاحتفال جزءا مما يجري.
فالشيعة يختبرون سماحة رجال الدين السنة ويستغلون الاصلاحات التي طرحها الملك عبد الله والتي تسمح لهم بقدر أكبر من الحرية في ممارسة شعائر الطائفة الشيعية.
وبالنسبة لمئات الشيعة الذين تجمعوا يوم الأحد استعدادا ليوم المولد النبوي في بلدية العوامية بالقرب من الخليج بشرق المملكة كان الاحتفال هذا العام خاصا ومختلفا.
وعلى بعد ساعة فقط بالسيارة وبفاصل جسر يعبر مياه الخليج تقع جزيرة البحرين حيث يقضي سعوديون عطلاتهم لكنها الان تشهد انتفاضة شعبية لمحتجين أغلبهم من الشيعة الذين يتحدون سلطة السنة في الحكم.
وقال محمد وهو شاب اكتفى كغيره بإعطاء اسمه الأول فقط "يجب أن تطالب بإصلاحات وتبدأ في التحركات الشعبية اذا اردت ان تحقق شيئا. اذا لم تفعل شيئا فلن تتحرك الحكومة."
وقال في اشارة إلى الاحتجاجات الشعبية الكاسحة التي تجتاح المنطقة العربية بعد نجاح ثورتين شعبيتين في الإطاحة بالرئيسين المصري والتونسي "علينا ان نستغل حقيقة ان النظام في موقف ضعيف."
واستخدم محمد كلمة "النظام" التي تتردد كثيرا في أنحاء الوطن العربي في الهتاف الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام."
وفي العادة يفرض الخوف من السجن قيودا على مثل هذا الكلام لكن الصور التي نقلتها شاشات التلفزيون وشبكة الانترنت للاحتجاجات جعلت الناس يعيدون التفكير فيما هو ممكن وما هو غير ممكن.
ولا يتوقع المحللون ان تتكرر الاضطرابات على النهج المصري أو التونسي في السعودية حيث تملك الحكومة ما يزيد على 400 مليار دولار من أموال النفط التي يمكن ان تستخدمها في تخفيف الضغوط الاجتماعية مثل نسبة البطالة المرتفعة بين الشبان.
لكنهم يقولون أيضا ان الملك عبد الله سيواجه ضغوطا من الشيعة الذين يتابعون الاحتجاجات في البحرين كي يمنحهم دورا اكبر ويبدأ في الاصلاحات السياسية مثل الدعوة لانتخابات بلدية.
وليس لشيعة السعودية حتى الآن أي تمثيل في الحكومة وكثيرا ما يضجون بالشكوى من آراء متشددين من رجال الدين السنة الذين يعتبرون الشيعة كفارا وعملاء لإيران الخصم اللدود للسعودية.
وقال خضير العوامي رجل الدين الشيعي الشاب ان الشيعة في السعودية يتابعون الأحداث في البحرين عن كثب بسبب القرب الجغرافي والاتفاق في المذهب ولانهم يطالبون أيضا بالإصلاح.
وتلقت السعودية صدمة قوية بسقوط حليفها الرئيسي الرئيس المصري السابق حسني مبارك وبما يجري على حدودها في البحرين حيث تدعم حكم أسرة آل خليفة السنية.
ويقول معتدلون من زعماء الشيعة ان الملك عبد الله قد يقدم مكاسب أكبر بعد عودته من رحلته العلاجية وهو ما يتوقعه المحللون أيضا. لكن ذلك قد لا يكون كافيا لتهدئة الشبان الذين يسعون لكسب دور أكبر في المملكة المحافظة.
وتساءل توفيق السيف المثقف الشيعي السعودي البارز عما اذا كانت الاصلاحات الاقتصادية قادرة على تحقيق آثار طويلة المدى في إرضاء الشعب وقال ان البعض يرغبون في بعض الإصلاحات الحقيقية.
وتنامى بعض الأمل يوم الأحد بإطلاق سراح ثلاثة من الشيعة المسجونين منذ أكثر من عام بعد أيام من تنظيم بعض الناشطين احتجاجا نادرا ما يحدث من أجل المطالبة بإطلاق سراحهم.
وقال شاب قدم نفسه باسم حسين "اعتقد ان النظام رأى ضرورة لتهدئة الموقف."
وفي مسجد صغير زينته الأنوار الصفراء والخضراء احتفالا بالمولد النبوي اصطف عشرات لاستقبال الثلاثة المفرج عنهم.
وقال المدون منير الجساس وهو يبتسم ابتسامة واسعة ويصافح مهنئيه بالافراج "كنت في السجن لأكثر من سنة. انا سعيد جدا بوجودي هنا."
ومنح الملك عبد الله الشيعة المزيد من الحرية منذ عام 2005 لكن مستقبل الإصلاحات غير واضح مع وصول عمر الملك إلى نحو 87 عاما. وقضى ولي العهد الأمير سلطان -الأصغر قليلا من الملك في السن- معظم العامين الاخيرين خارج المملكة لتلقي العلاج.
وتلوح فكرة الخلافة في الأفق مع تقدم الاثنين في السن.
ويقول محللون ان وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز الذي رقي عام 2009 إلى منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء الذي تربطه علاقات وثيقة برجال دين وهابيين متشددين هو الأوفر حظا في خلافة الملك.
واشتعل التوتر في المنطقة الشرقية من السعودية عام 2009 بعد ان تحدث رجل الدين الشيعي نمر النمر من العوامية في خطبة له عن فكرة سعي الشيعة يوما ما إلى تكوين دولتهم وهي دعوة لم تسمع كثيرا منذ أيام الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 التي اثارت بعض الاضطراب بين الشيعة السعوديين.
ومنذ ذلك الوقت عاد الهدوء بعد ان نأى القادة المعتدلون من الشيعة بأنفسهم عن دعوة النمر.
ولا توجد احصائيات رسمية لأعداد الأقلية الشيعية.
وقال ابراهيم المقيطب رئيس منظمة حقوق الإنسان أولا ان الحكومة السعودية تقول ان الشيعة يمثلون خمسة في المئة من اجمالي السكان لكنه قال انه نظر في أحدث بيانات الاحصاء السكاني قرية قرية وانه يعتقد ان النسبة بين ثمانية و12 في المئة.
وقال انه من المسموح للشيعة أن يمارسوا شعائرهم الدينية في العوامية والبلدات القريبة لكنهم من الممكن ان يواجهوا مشاكل اذا حاولوا ممارستها في مدن قريبة مثل الدمام أو الخبر.
ويوجد مسجد شيعي وحيد في الدمام المدينة الساحلية ذات النسبة الكبيرة من السكان الشيعة. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي العالمي عن الحريات الدينية الصادر في نوفمبر تشرين الثاني ان السلطات السعودية ترفض إقامة المزيد من المساجد الشيعية.
وتعكس الكتابات على الجدران (الجرافيتي) في العوامية مقدار الغضب المتصاعد. ويقول السكان ان عمالا أعادوا طلاء جدار لكن الشعارات سرعان ما عادت إليه.
وعادت القيادات الشيعية التي نفيت إلى الخارج بعد احتجاجات عام 1979 الى البلاد في التسعينات في اطار اتفاق مع الحكومة. ويقول المعتدلون منهم ان الامور تحسنت عن عشر سنوات مضت لكنهم يخشون فقدان السيطرة على الشبان الذين اصابتهم خيبة الأمل بسبب عدم حدوث الاصلاح.
وقال جعفر الشايب وهو عضو في مجلس بلدية بلدة القطيف الشيعية القريبة ان على السلطات ان تمنح شبان الانترنت صوتا أو تخاطر بخسارتهم.
وقال ان ابنته لم تعثر على وظيفة طوال عام بعد انهاء دراستها الجامعية لتكنولوجيا المعلومات وقال انها انضمت إلى إحدى مجموعات موقع فيسبوك التي تجمع متعطلين عن العمل.
وعلى الرغم من انها موطن معظم الثروة النفطية في المملكة العربية السعودية فالمنطقة الشرقية اقل ثراء من العاصمة الرياض.
وفي علامة على ان الحكومة تريد التواصل بشكل أفضل مع الشيعة قام الأمير محمد بن فهد حاكم المنطقة الشرقية بزيارة نادرة إلى القطيف الاسبوع الماضي.
ويقول محللون ان تزايد النفوذ الايراني بعد أن ادى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 الى تسلم حكومة شيعية السلطة في بغداد أحيا مخاوف المسؤولين السعوديين من أن يصبح الشيعة في السعودية طابورا خامسا ضد الدولة.
ونقلت برقيات دبلوماسية أميركية مسربة عن الملك عبد الله حثه واشنطن على مهاجمة ايران لتدمير برنامجها النووي ويقول محللون ان الأمير نايف أيضا من المتشددين تجاه ايران.
وقال سايمون هندرسن المحلل السياسي المختص في الشأن السعودي في واشنطن ان الرياض تواجه معضلة تمني انتهاء الاحتجاجات في البحرين بسلام مع الخوف من اكتساب الأغلبية الشيعية لدور أكبر في الحكومة.
وتمثل القاعدة البحرية الأميركية في العاصمة البحرينية المنامة أهمية حيوية بالنسبة للرياض من حيث تقديمها للحماية العسكرية للمنشآت النفطية السعودية والممرات المائية في الخليج التي تمر منها صادرات النفط دون وجود أي قوات غربية على الأراضي السعودية مهد الإسلام.
وقال هندرسن "يصعب فهم اي اصلاح له معنى في البحرين ما لم يتمثل في حكومة يسيطر عليها الشيعة. ولن يرغب السعوديون في ذلك."