انهيارات ضخمة في قطاع المصارف، عودة معلنة إلى الركود! لماذا لم نستطع الخروج من الأزمة بعد؟
ببساطة، لأن أياً من الإصلاحات التي وعدت بها قمة العشرين في خريف العام 2008 قد جرى تطبيقها. وبالعودة إلى «خطاب طولون» (الذي ألقاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي)، نقول إن التزامنا بكل التدابير اللازمة التي تمّ تبنيها في إطار «إعادة تأسيس الرأسمالية»، سيضاعف بالتأكيد من فرصنا بالخروج من الأزمة.
إذا أردنا أن نصنّف الأزمة الحاليّة عبر تاريخ الرأسماليّة، فكيف يمكننا موضعتها؟
الحقيقة أن ما نعيشه اليوم هو أزمة مركبة. أزمة سلع أساسيّة: وقد تخطى العالم من دون أدنى شك المعدل الأقصى للاستهلاك النفطي. أزمة بيئية ومناخية: حتى أن بقاءنا نحن البشر على هذا الكوكب بات على المحك. أزمة ديون: الحصة الأكبر من أرباح الشركات، توزّع على المساهمين والمستثمرين بدلا من استخدامها في التمويل الذاتي وعلى المدراء عوضاً عن الموظفين الذين يرزحون تحت وطأة الديون في محاولة لتعويض الانخفاض الحاصل في قدرتهم الشرائية جراء ركود الأجور خلال ثلاثين عاماً. أزمة فلسفية: الاعتماد على الحاسوب والمعادلات المعقدة في حياتنا بدأ يتخطانا بسرعة هائلة. والآلة لا تعرف الخوف الذي نشعر نحن به، وهكذا فهي مستعدة لاتخاذ حتى أكثر القرارات خطورة.
هل لا يزال هناك اليوم أي شكل من أشكال الحكم؟
المشكلة اليوم هي أن لا أحد يحكم. فالجهاز معقد للغاية، ونظريات المؤامرات تأخذ مكان التفسيرات التي ما عاد بمقدورنا العثور عليها. اعتقدنا أن علم الاقتصاد سيوفر لنا سبل الفهم التي تساعدنا من أجل استباق الأمور وكنا مخطئين: إن إصرارنا طيلة الوقت على أن الرأسمالية لا تقهر، لم ينتج سوى معرفة زائفة. أما اعتمادنا في هذا الإطار على الاقتصاديين فلن يفيد، فهم ليس لديهم ما يقولونه.
وبالنسبة للحكومات؟
لم نحظ يوماً بآلية اقتصادية منظمة ذاتياً، إنها السياسات التي تتولى دفة الأمور، وفي اللحظة الأخيرة ينبغي أن تحافظ على وعيها. فعندما ينهار كل شيء، وتسيطر حالة من الذعر، فإن الاتجاه العام يميل نحو الانسحاب. أما النظام الحالي فيتهم الجيران بأنهم المخطئون. ويسارع إلى الاتجاه نحو الحمائية، وهي بالتأكيد خيار خاطئ للحل.
كيف نخرج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة؟
من خلال إعادة صــياغة نظام مالي جديد يتمكن من وضع حدّ للمنافسة والحرب الاقتصادية الجارية بين جمــيع الدول. وهذا الحل ضروري أن يحرص بداية على القضاء على الامتيازات القديــمة وأولها سيادة الدولار. كما يشمل الحل عمـلية إصلاح صــندوق النــقد الدولي حيث يملك الأميركيون بحكم الأمر الواقع حق النقض (الفيتو) على جميع قراراته.
هناك خطة جيّدة للحل: تلك التي وضعها جون كينز، والتي أقرتها اتفاقية «بريتون وودز» في العام 1944، ورُفضت في ذلك الوقت. تعتمد تلك الخطة على نظام تبادل العملات الدولية وإصلاح النظام النقدي العالمي على أساس العملة العالمية الموحدة «بانكور» التي دعا إليها كينز.
هل يمكننا وقف المضاربات؟
في مراحل الانتعاش الاقتصادي، تمر المضاربة في النظام من دون ان يلاحظها أحد. أما في مراحل الأزمات، فهي تحدث خللا في التوازن، إما من خلال القضاء على المنتجين في حالة انخفاض الأسعار، وإما من خلال القضاء على المستهلكين عند ارتفاعها. يُذكر أن المضاربة لم تكن في السابق أمرا مألوفاً، فهي كانت محظورة حتى نهاية القرن التاسع عشر، ليعاد استحضارها قبل خمسين عاماً بضغط من مجتمع الأعمال. واليوم، وعلى هذا الكوكب الذي تمّ اكتشافه واستغلاله بطريقة لاعقلانية، نستطيع الجزم بأن المضاربة لم تعد أمراً مقبولاً.
هل تجد ان هناك وعياً حقيقياً بمدى خطورة الوضع؟
نعم، وها هو يبدأ بالظــهور، ولكن أيا من الـتدابير التي اتخـذت في العام 2008 لم تكن على قياس الأزمة. حان الوقت كي تقوم السياسات بما ينبغي عليها فعله. لقد حصلت في السابق بعض القفزات النوعية، كما في زمن النهضة، حيث حاول عدد من الدول المتضررة أن يأخذ الأمور في اتجاه آخر. وكان هناك فترات أخرى حيث انهار كل شيء كما في حالة الامبراطوريات الرومانية. أما اليوم، فالمؤكد أنه في كل عصر، نشأ رجال كي ينقذوا الأمانة . نجحوا في مراحل معينة، وفي مراحل أخرى للأسف لم يستطيعوا.
هيفاء زعيتر