سوريا: الفجوة بين الأجور والأسعار.. تكريسٌ للظلم والفساد

تاريخ النشر: 29 يناير 2012 - 11:01 GMT
كيف يمكن للأسرة السورية تغطية هذه الفجوة بين الدخل والنفقات؟
كيف يمكن للأسرة السورية تغطية هذه الفجوة بين الدخل والنفقات؟

دوزان الرواتب والأسعار.. خطان متوازيان لا يلتقيان....

الخطف يساراً.. يساراً  «لعبة الطرابيش»، أحد الفنون التي خبرها المواطن السوري، وبات أكثر قدرةً على ممارستها بإتقان، بفضل اكتمال أركانها، فعواملها الثابتة، المواطن وراتبه المحدود، ومتطلبات حياة متزايدة، وهذه الأخيرة يدخل فيها عامل متغير في حالة ارتفاعٍ دائم، وهو الأسعار، ومع هذه العوامل المتغيرة والثابتة، يستطيع مواطننا أن ينافس في لعبة الطرابيش،  فالراتب المحدود، يجعله قادراً على المناورة، ومحاولة النفاذ لتحقيق هدفٍ أساسي، وهو أن ينهي الشهر، بأقل الخسائر والديون.

القضية التي تعتبر جزءاً من حياة المواطن اليومية، وهمّاً أساسياً، ينعكس على إنتاجيته وعلى مجمل الحركة الاقتصادية، لا يمكن وصفها بمشكلةٍ آنية تنتهي بارتفاع الحدود الدنيا، والمتوسطة للرواتب والأجور في القطاع العام والخاص، فبعضهم يعتبرها مشكلة هيكلية في بنية الاقتصاد السوري، والنموذج الاقتصادي المتبع في مسألة الرواتب والأجور، وبعضهم يعيدها إلى حصة الرواتب والأجور من الناتج المحلي الإجمالي، باعتبارها الأقل عالمياً، ليكون الحل في إعادة توزيع الدخل الوطني بشكلٍ عادلٍ ومتساوٍ، لكنَّ كل وصفٍ للمشكلة، والحلول المقترحة تتطلب، أولاً، دعم موارد الخزينة، ورغم كل ذلك تبقى المشكلة القديمة الجديدة، المتمثلة في رواتب عاجزة عن تأمين متطلبات الحياة للمواطن.

فجوة لم تُردم في العام 2011

صدر مرسوم رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور، بحيث تصل إلى 9765 ليرة سورية، والتي التزم بها القطاع العام، في حين لا شيء يلزم القطاع الخاص، بتطبيق هذا الحد، وفي المقابل نجد أحدث مسحٍ للمكتب المركزي للإحصاء، يتحدث عن متوسط نفقاتٍ للأسرة السورية، يصل إلى 30 ألف ليرة سورية، ومتوسط الرواتب، ما يقارب 11 ألف ليرة سورية، ليكون الاعتراف الرسمي بفجوةٍ تزيد على الضعفين، بين الرواتب ومستوى المعيشة، وليس من باب التنظير، أن نحدد مكمن الخلل في النماذج الاقتصادية المتبعة، فالنظريات الحاكمة للعلاقة بين الرواتب، والناتج المحلي الإجمالي، تتحدد في شكلين، الشكل الاقتصادي البحت، و الاجتماعي الصرف، وفق ما يشير الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، الذي يحدد أبرزها، تلك المرتبطة بمستوى المعيشة، على اعتبار أن الرواتب تُدفع لتسيير معيشة أفراد القوى العاملة وأسرهم، وهذه النظرية شيوعية.

في حين تذهب النظريات الاقتصادية الكلاسيكية والنيو كلاسيكية إلى النظر في الناتج الحدي لعنصر العمل، فالأجور مرتبطة بالعرض من قوة العمل، والطلب عليها، ليكون العمل عبارة عن سلعة، كلما زاد العرض، ينخفض السعر الذي يدفع لقوة العمل، وبالتالي يتحدد المستوى العام للأجور، بحسب إنتاجية العامل الأخير. ويضيف المصبح، إنه في سورية خلال المراحل السابقة تبنينا النظرية الاشتراكية، لكنها لا تحمل بعداً اقتصادياً، إنما بعدها اجتماعي، تطبيقاً لمقولة مجتمع الطبقة الواحدة، وهذا أدى بالضرورة إلى تخفيض الفوارق في الأجور بين شرائح العمال، وبالتالي أدت سياسة التوظيف الاجتماعي، إلى وجود كتلة من الموازنة يجب أن توزع على عموم العاملين وهي في حالة ازدياد سنوي.

توزيع دخل عادل إذاً

المشكلة من وجهة نظر المصبح، تكمن في سوء توزيع كتلة الرواتب والأجور بين شرائح العمال، لكن المعني في شؤون العمال، والمتمثل بالاتحاد العام لهم، يعمم المسألة، ليراها في غياب عدالة توزيع الدخل الوطني، حيث يقول مدير التشريع في الاتحاد فايز البرشة: «القضية تتعلق في آليات توزيع الدخل الوطني، فهي ليست متوازنة كما يجب، وتحمل إجحافاً بحق العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، وتحسين مستويات الدخل، وردم الفجوة يتطلب إعادة النظر في توزيع الدخل الوطني، ويحدد البرشة المطلوب باعتماد سياسة أجرية متكاملة تقوم على تحديد حد أدنى للأجور، يتناسب والحد الأدنى لتكاليف المعيشة، ثانياً التركيز على الأجور والتعويضات على أساس الخبرة، والشهادة، فالحد الأدنى للرواتب الذي ارتفع في العام الماضي إلى 9765 ليرة سورية، وكانت نقلة نوعية، لكنَّه يعتبر رقمياً، ودون دراسات علمية.

الأجور لا تواكب تكاليف الحياة

إحدى المسلمات التي يتفق عليها المعنيون، والمراقبون، والقائمون على السياسات النقدية، وتختلف التحليلات حول الأسباب، لكنَّه حتماً خلل عضوي في بنية الاقتصاد، كما يشير الخبير الاقتصادي، الدكتور قدري جميل، الذي يؤكد أن الخلل ناجم عن عدم تناسب واضح بين كتلة الرواتب والأجور، وكتلة الأرباح في الناتج المحلي الإجمالي، فحصتها من الناتج المحلي، هي الأكثر انخفاضاً في العالم، ففي الوقت الذي يجب ألا تقل فيه عن 40 %، نجدها في أحسن الحالات لا تتجاوز 25 %، وهناك حسابات أخرى تشير إلى أنَّها لا تتجاوز 17 % فقط.

معايير غير دقيقة

يتفق جميل مع الرأي الذي يعيب التحديد الرقمي للأجور، وعدم الاستناد إلى دراسات واضحة قائلاً: «إذا أردنا تحديد المشكلة، فهي تكمن أساساً في عدم وجود معايير واضحة لحساب الرواتب والأجور، وأعتقد أنَّه أمر مقصود، حتى لا يُلزم المعنيون في ضرورة القضاء على الفساد، وإذا أردنا حساب الحد الأدنى للأجر معيارياً بالنسبة إلى المعيشة، وفقاً لما يحتاج إليه الفرد الواحد من سعرات حرارية «وهو بالحساب العالمي وجبة تتضمن 2500 سعرة حرارية  في اليوم» والوجبة المتكاملة غذائياً والبسيطة تكلف الفرد الواحد ما يزيد على 100 ليرة سورية، أي أن أسرة مكونة من خمسة أشخاص تحتاج يومياً إلى 500 ليرة سورية، وهي وجبة بسيطة ما يكلفه شهرياً  15 ألف ليرة فقط على غذاءٍ متواضع، والأكل يعتبر نصف الاستهلاك وليس كل احتياجاته، والحد الأدنى للمعيشة وفقاً للرقم الرسمي هو 30 ألف ليرة سورية، ولدينا سكن ونقل وبنود أخرى في سلة الاستهلاك، وبالتالي الفجوة كبيرة جداً، بين ما يحتاج إليه الفرد ليأكل أولاً، وبين دخله، وبين متطلبات المعيشة الأخرى، كما لدينا مشكلة كبيرة في حساب جدي لضرورات المعيشة التي يمكن أن تصل معها الفجوة إلى أربعة أضعاف، وبالتالي يجب أن يصل الحد الأدنى للأجر إلى 60 ألف ليرة.

طريق المواطن تقشفي بامتياز

الفجوة التي تزيد شيئاً فشيئاً في ظل قصور الحلول عن المعالجة الجذرية لهذه المشكلة، تأخذ المواطن ليتبع جملةً من الإجراءات التي تحميه، لكنَّها مؤقتة، وفق الخبير الاقتصادي، الدكتور محمد سعيد الحلبي حيث يؤكد، أنَّ السؤال الأهم الذي يطرح في هذه الحالة، هو كيف يمكن للأسرة السورية تغطية هذه الفجوة بين الدخل والنفقات؟

يمكننا أن نجيب من خلال واقع الحال بأن هناك عدة حلول أمام الأسرة السورية، إمَّا التفتيش عن عمل إضافي آخر، أو من خلال الاستفادة من تحويلات المغتربين، أو بيع بعض الأصول، وأكثر من ذلك، التوجه نحو التوفير في الإنفاق أو التقشف، ويضيف الحلبي، إن هذا الوضع لا يستمر طويلاً، وهو مؤقت، لذلك لا بد من وضع آليات وتشريعات وأنظمة لرفع مستوى الرواتب، بما يتناسب مع متطلبات المعيشة، ومع ذلك «قضاء أهون من قضاء»، فمن لديه عمل أفضل ممن يبحث عن فرصة عمل، لذلك من الضروري وضع هيكليات للحد من البطالة ومعالجتها عملياً، ورفع معدل الأجور المتدنية، كما أنَّه من الضروري تحفيز الاستثمار، رغم أنني ضد تحفيز الاستثمار، عبر التباهي باليد العاملة الرخيصة في سورية، فمن يأخذ أجراً قليلاً لن تكون إنتاجيته عالية، وبالتالي هذا تحد كبير للعمل، ويجب العمل بشكل جدي وسريع لرفع سوية الدخول، التي أصبحت ضرورة ملحة، نتيجةً للتضخم وتراجع القوة الشرائية، لا بد من أن يكون له حيز من إدارة الأزمة التي تمر بها سورية، وهي أزمة متعددة الجوانب، لكن هذا التوجه ذو أهمية قصوى، المنظور الأبعد من القريب يتحدث عن زيادة الإنفاق لتحريك عجلة الإنفاق، لكنني، وفي الوقت الحالي، لا أعتقد أن هذا التوجه قائم كثيراً؛ فوزارة المالية تراعي الوضع الراهن.

تهميش رأس المال البشري

الخلل الذي نجم عن السياسات الأجرية المتبعة كان كبيراً، وتعدى مسألة الفجوة بين الرواتب والمعيشة، ليكون سبباً حتى في الفساد، كما يشير المصبح، حيث يؤكد أن النموذج المتبع خلق مشكلات إدارية واقتصادية، وانخفاض الإنتاجية، نتيجة غياب المحفزات، وغياب الإنتاجية الكلية لعناصر الإنتاج، وهو العنصر المعول عليه لإنتاج النمو، وبالتالي ضعف القيمة الاقتصادية المضافة، فإنتاجية منخفضة، يقابلها نمو منخفض، لا يتساوى مع حاجات النمو، وحجم الناتج المحلي أقل من الحقيقي، كما خلق هذا النموذج مشكلة الفساد، حيث تم الاعتماد على المساواة بين شرائح العمال في حين أن المطلوب هو العدالة المساواتية؛ نحن نأخذ في الاعتبار المساواة ضمن الشرائح، وبالتالي العدالة وفق هذه الشرائح.

ولأنَّ أبرز مقومات النمو الاقتصادي والاجتماعي، هو رأس المال البشري، وقدراته الإنتاجية، فغياب المحفزات أدى إلى خسارة هذا الجانب المهم في التنمية، حيث يذهب المصبح، ليؤكد أنَّه مهما بلغت نسبة الرواتب من الناتج، تبقى رقما ضئيلاً، لاتتناسب مع التنمية الاقتصادية الاجتماعية، فالمشكلة ليست آنية، إنَّما مشكلة هيكلية في بنية الاقتصاد، فعنصر العمل ورأس المال البشري، من أهم مصادر النمو، لكن  للأسف، في سياسة الرواتب والأجور، همّشنا رأس المال البشري، ولم نعتمد على مراكمته ليكون منتجاً للنمو.

تجار الأزمات

وبعيداً عن تحليلات أسباب المشكلة، فإن واقع الحال يشي بفجوةٍ تتضاعف أسبابها، تتأرجح بين اعتبارها مشكلة هيكلية في الاقتصاد، وبين أسواقٍ تعيش حالة انفلاتٍ، وفوضى. ويشير البرشة إلى أنَّ الفجوة تزداد بفعل ارتفاعات الأسعار، والعقوبات، لكن لتجار الأزمات الجدد دوراً أيضاً في الزيادات التي تشهدها الأسواق، يضاف إليها غياب الرقابة التموينية الفاعلة، وغياب دور الجهات الموكل إليها، منع الاحتكار، ويترافق ذلك مع قرارات إدارية لاتسهم في حل الأزمة، كما حدث في أزمة المازوت والغاز، حيث تضافرت عوامل عدة، منها العقوبات وعمليات التخريب، إلى جانب غياب الرقابة وسوء التوزيع، ومن هنا يمكن تحديد أولويات السياسة الاقتصادية حالياً، وفق البرشة، الذي يؤكد ضرورة الاتجاه إلى إنتاج المزيد من احتياجات الاقتصاد الوطني، وزيادة دور الدولة التدخلي، وقمع حالات الاحتكار في مجال التجارة الداخلية، حيث لا يجوز أن تبقى التجارة بعيدة عن تدخل الدولة الرقابي أو التدخل المباشر.

زيادة إنتاجية

بين المشكلة، والواقع، ترتفع الحلول الممكنة إلى المقدمة، فلا نحتاج إلى نموذج اقتصادي جديد، اقتصاد سوق اجتماعي، أو اقتصاد اشتراكي، وإنما الحاجة تكمن في مشروع تنموي جديد، بحسب ما يؤكد المصبح، بحيث يكون نموذجاً جديداً مختلفاً على المدى البعيد والمتوسط، وأهم مكوناته التي يجب الاعتماد عليها، هو النمو غير المتوازن؛ أي تحديد قطاعات رائدة للدعم، كالقطاع الصناعي، بحيث تكون مهمتنا في الأجل المتوسط تفعيل قطاع الصناعة التحويلية، الذي يتطلب عمالة كثيفة، ومعه يمكن بعد خمس أو عشر سنوات العمل على الإنتاج كثيف رأس المال، لتكبير حجم الكعكة، ما ينتج زيادة في إنتاجية قوة العمل، وبالتالي يمكن تحسين كتلة الرواتب والأجور.

إحصاء غير علمي

الواقع يتحدث عن ارتفاعاتٍ في الأسعار، واحتكارٍ وغير ذلك، لكن هذه الصورة لا تعكسها المؤشرات، والسبب في ذلك عدم واقعية تثقيلات سلة المستهلك، بحسب ما يرى جميل، حيث يقول: «إن كل مكونات، وتثقيلات سلة الاستهلاك خاطئة، ودون معايير علمية، وحتى في ما يخص العينات، فهي لاتنطلق من أساس علمي واضح، حيث يتم حساب عينة عشوائية وتضخيمها، في رأيهم أن ذلك سيعطي نتيجة صحيحة، وهذا أمر خاطئ، فالعينة الصحيحة يجب أن تكون مطابقة لشرائح المجتمع، والمشكلة لدى القائمين على عملية الإحصاء، أنَّهم لايملكون خريطة واضحة لمكونات المجتمع في مختلف شرائحه، وهذا أيضاً يحتاج إلى عملية إحصائية، ودراسة لتكون نقطة استناد لحساب العمليات الاقتصادية الأخرى، وبما أن المرشد الأساسي غائب، فالنتيجة أنَّه لا يوجد مقياس صحيح للأجور.

تضخم جامح

رغم أن الحديث عن الفجوة بين الرواتب والأجور، ومستويات المعيشة، يوحي بضرورة زيادة الدخل، لكن الحقيقة أنه ليس هذا بالضبط ما هو مطلوب، كما يرى المصبح، حيث يقول: «الاعتماد على حلول قصيرة الأجل، تعني تضخماً جامحاً؛ فأي زيادة للرواتب، ستعني تضخماً، وحالياً لا ننصح برفع الرواتب، علينا السعي أولاً، نحو التخفيف من آثار الأزمة».

وعند النقطة نفسها، يلتقي البرشة مع المصبح، حيث يقول: «إنَّ الحل لا يكمن في زيادة النقود، إنَّما في القوة الشرائية، فعلينا أن نعمل على الحفاظ على القوة الشرائية، لكن يبقى الأمر معلقاً في قدرة خزينة الدولة على تحقيق كل ما هو مطلوب منها، لكن أمين التشريع في اتحاد العمال، يرى أن المسألة لا تتعلق فقط في خزينة الدولة التي هي جزء من الناتج الوطني، وحصة الدولة من الدخل الوطني الإجمالي، حوالي  28 %  لدينا قوة عمل إجمالية تصل إلى  5.5 مليون،  منها ما يقارب مليون و200 ألف عامل يعملون ويتلقون رواتبهم من القطاع العام، ومنها حوالي 3 ملايين في القطاع الخاص، ومن كل القوة العاملة هناك ما يقارب 35 % من العمال في القطاع غير المنظم الذي يأخذ 40 % من إجمالي الناتج المحلي، ومسألة الرواتب لا يمكن حلها بالاعتماد على موازنة  الدولة، إنما بحاجة إلى آلية توزيع الدخل الوطني.

قطاع خاص خارج الالتزام

إذا كانت الدولة ملتزمة بحدودٍ دنيا للرواتب والأجور، فهذا الأمر غير متبع في القطاع الخاص، ولا يوجد ما يلزمها بذلك، وفق ما يقول البرشة، فالدولة التزمت بالحد الأدنى للرواتب، لكن لا يوجد التزام كامل من قبل القطاع الخاص، ونتيجة الأحداث، تمَّ تخفيض الرواتب إلى جانب أن الأجور لها متممات لناحية ما يدفع للعامل من أجورٍ غير مباشرة، كالرعاية والحوافز، لكن العامل في القطاع الخاص لا يحصل عليها.

المزيد من عوامل الصمود

بينما يرى بعضهم أن الحكومة الحالية تعمل في الوقت الضائع، كما يشير جميل والمصبح ريثما يتم اعتماد دستورٍ جديد وانتخاب برلمان وحكومةٍ جديدة، فإن البرشة يحدد المطلوب من الحكومة، آملاً منها تأمين المزيد من عوامل الصمود في المجال الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة الحالية، وحسن الإدارة والمتابعة وتأمين احتياجات الناس ورفع الموارد.

وإذا أردنا الحديث عن الطريقة التي يتعامل معها القطاع الخاص، خاصةً في ظل الأزمة الحالية، فيشير المصبح إلى أنَّ القطاع الخاص يتعامل بطريقة اقتصادية محض في دفع الرواتب، لكن نتيجة انخفاض إنتاجية عنصر العمل، انخفضت الرواتب والأجور لتقترب من القطاع العام، وفي الفترة الماضية، كان هناك كبح للنموذج السابق، لذلك من الضروري التفكير بطريقة أخرى، فهناك قصور وترحيل للزمن. بينما يرى جميل أن الرواتب والأجور في القطاع الخاص حالها أسوأ من القطاع العام، الذي تحكمه قوانين، وملزم بقواعد معينة، فالقطاع الخاص غير ملزم، ولا يوجد أي مقاييس تنظم عمله، وبالتالي كان هناك تخفيضات للرواتب بشكلٍ كبير.

الحسم والسرعة

وعند تحديد ما هو مطلوب، يمكن أن نقول أنَّه يتمثل في إجراءات حاسمة، وفعالة وسريعة، حيث يمكن الانطلاق لردم الفجوة خلال عام واحد، وتحتاج إلى مدة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، لتصبح فاعلة بشكل كامل، وبالتالي علينا العمل على ثلاث عمليات من خلال ضبط الكتلة النقدية ورفع معدلات النمو وضرب مراكز الفساد، و للأسف، هذا التوجه غير قائم، والعمل الذي يتم بعيد عن الموضوع تماماً، فالحكومة تغوص في التفاصيل، وتبتعد عن القضايا الأساسية.

رسمياً «كل شي تمام» بعيداً عن رأي الخبراء، واتحاد العمال، هناك رأي رسمي، يؤكد أن الحد الأدنى للرواتب والأجور يراعي المتطلبات الأساسية للمواطن، وفق ما يشير مدير قوة العمل، في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، راكان إبراهيم، مؤكداً أن الحد الأدنى للأجور يستند إلى صك تشريعي، وراعت الحكومة في تحديده تأمين الاحتياجات الأساسية الضرورية للمواطن في الحدود الدنيا؛ بمعنى أنَّه لا يجوز تعيين، أو تشغيل، أي عامل في القطاعات، العام والخاص والتعاوني والمشترك، في أقل من 9765 ليرة سورية، وهم عمال الفئة الخامسة في القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 للعام 2005 ويمثل العمال العاديين الذين لا يمتلكون أي مؤهلات علمية أو خبرات فنية أوتأهيل مهني في قانون العمل رقم 17 لعام 2010 المطبق على العاملين في القطاع الخاص.

وبالنسبة إلى الفئات الأخرى من العاملين، أيضاً تمَّ تحديد حد أدنى لرواتبهم وأجورهم، التي أعلى رقم فيها بالنسبة إلى الفئة الأولى 14375 ما يعني أن الفجوة مع الفئة الأولى، تصل إلى حد الضعف، إذا ما عدنا إلى تحديد متطلبات المعيشة التي تتجاوز 30 ألف ليرة شهرياً. ويحدد إبراهيم، الحدود الدنيا للفئات الأخرى، الفئة الثانية، من فئة المعاهد، تتقاضى 12955 ليرة سورية. أما الفئة نفسها من الثانويات فهي 12025 ليرة سورية، بينما الحد الأدنى لرواتب وأجور الفئة الثالثة 10745 ليرة سورية. أما الرابعة، فهو 10010 ليرات سورية.

فئات بعيدة عن العدل

من خلال الأرقام التي أوردها مدير قوة العمل، نلاحظ أن الفوارق بين كل فئة، والتي تليها، لاتتجاوز في أفضل الحالات 1500 ليرة سورية، وبين الفئة الأولى والخامسة، الفارق حوالي أربعة آلاف ليرة، وبالتالي يصح كلام المصبح، أن هناك شبه تساوٍ في توزيع الرواتب والأجور؛ ففي الوقت الذي يبحث فيه أصحاب الشهادات والخبرات عن عدالةٍ في توزيع الدخل، نجد رواتبهم لا تتوافق مع خبراتهم وشهاداتهم، كما أنَّها لا تتوافق مع حاجاتهم في جميع الفئات.

وحول رأي ابراهيم، في ضرورة زيادة الحدود الدنيا للرواتب والأجور، يؤكد أنَّ هذه الزيادة لاتحكمها رؤية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو غيرها من الوزارات، إنما تحكمه صكوك تشريعية تصدر عن السيد رئيس الجمهورية، وفي ضوء خطة وسياسة الحكومة في هذا المجال؛ بهدف تحسين الواقع المعيشي للمواطنين بمن فيهم العاملون في الدولة، هو من اهتمامات الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، على اعتبارها عضواً فيها، علماً بأنه لم يمض على زيادة الأجور في الدولة الممنوحة بالمرسوم التشريعي رقم 40 للعام 2011 أكثر من ثمانية أشهر، ويشير إبراهيم إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور والرواتب يحتاج إلى اعتمادات مالية كافية.

بحكم القانون

أما عن التفاوت بين القطاعين العام والخاص بالنسبة إلى الأجور، فيؤكد ابراهيم أنه لا يوجد تفاوت بين العاملين في القطاع الخاص والعام، كون الحد الأدنى العام للأجور هو 9765 ليرة سورية في سورية، ويطبق على العاملين في القطاعين على حدٍ سواء، ولا يوجد تمييز بينهما بمقتضى أحكام المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2011 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية. مع الإشارة إلى أنَّ هناك الحد الأدنى العام للأجور المبين سابقاً، وهو من النظام العام أفلا يجوز التعاقد مع أي عامل في القطاع الخاص الخاضع لأحكام قانون العمل رقم 17 لعام 2010 بأقل منه تحت طائلة فرض غرامة بحق صاحب العمل المخالف، لا تقل عن 5000 ليرة سورية، ولا تزيد على 100 ألف ليرة سورية، وتقضي المحكمة فضلاً عن ذلك بإلزام صاحب العمل بدفع الفرق بين ما كان يؤديه للعامل والحد الأدنى لأجر فئته وذلك حسب المادة 262 من قانون العمل رقم 17.

حق مضمون على الورق

رغم الضمانات التي حددها القانون وذكرها مدير قوة العمل، لكن من المعروف أن ما يجري على أرض الواقع لا يعكس ما حدده القانون، خاصةً في ما يتعلق بالعاملين في القطاع غير المنظم، الذي بحسب اتحاد العمال يضم 35 % من القوة العاملة، وحتى بالنسبة إلى العاملين المسجلين في التأمينات، فإن هناك وسائل عدة للالتفاف على القانون، وهذا ما يحدث فعلاً، لا سيما في ما يخص تخفيضات الرواتب والأجور، وعمليات التسريح والتضييق التي جرت مؤخراً في بعض منشآت القطاع الخاص. لكن إبراهيم، يؤكد أن القانون رقم 17 تضمن أحكاماً خاصة في نصوصه تحمي العامل بشكل عام والأجور بشكلٍ خاص، حيث تضمنت المادة 25 أن نقل العامل من مكان عمله الأصلي الوارد في العقد إلى مكان آخر، أو تكليفه بعمل يختلف جوهرياً عن عمله المتعاقد معه، يجب ألا يمس هذا النقل أو التكليف بالأجر، أو بالأوضاع الوظيفية للعامل، و أي مخالفة تعرّض صاحب العمل للمخالفة، حسب أحكام المادة 65 من قانون العمل رقم 17 لعام 2010.

ويضيف ابراهيم، أنَّ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومديرياتها في المحافظات، ومن خلال جهاز تفتيش العمل التابع لها ومن خلال الزيارات التفتيشية العامة أو الخاصة لمنشآت القطاع الخاص، تقوم بمراقبة تطبيق أحكام قانون العمل، كما أنها تعالج أي شكوى ترد إليها في هذا الخصوص وتتخذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين لأحكام القانون.