الفساد المخفي.. من يطارده؟

تاريخ النشر: 05 فبراير 2012 - 10:43 GMT
الفساد يلبس مئة لبوس ولبوس والحرب عليه تتطلب تطوير أدوات الرقابة وإعلاء قيمة الشفافية والادارة الرشيدة
الفساد يلبس مئة لبوس ولبوس والحرب عليه تتطلب تطوير أدوات الرقابة وإعلاء قيمة الشفافية والادارة الرشيدة

ينحصر اهتمام الشارع الاردني في الفساد الواضح او النهب المعلن، ولا يتحدث الكثيرون عن الفساد المخفي، او ما ضاع على الخزينة من حقوق وما ضاع على الدولة من اموال على شكل منح وهبات او الضائع نتيجة القرارات الخاطئة خاصة تلك القرارات التي جرى السير فيها لمصلحة اصحاب النفوذ او الاقارب والمحاسيب.

كثيرة هي المشاريع التي دخلتها الحكومات دون مبرر بل واعطت نتائج عكسية لاصل فكرتها وهذه بدأ العمل عليها نسبيا، في حين ان ثمة عطاءات لشركات تساهم فيها الحكومة او تملك معظمها غير مفتوحة ولا تصل اليها اصابع المحققين، وهناك منح في قطاعات حيوية ضاعت لمجرد ان الوزير او المسؤول الاول كان يكره او لا يحب مسؤول تلك الشركة او سفير تلك. في قطاع حيوي جدا، ثمة سبعون مليون دولار ضائعة لتلكؤ وزير وفي شركة حيوية جدا، ثمة عطاء بملايين الدنانير يحال تلزيما على متنفذين بعينهم منذ سنوات وبدعم لوجستي من متنفذين.

سنوات طويلة والبلد منهوب من توربينات لا ترحم ولا تترك حتى الفتات للموازنة. وبما ان الحرب على الفساد قد اعلنت جهارا نهارا وبدعم ملكي غير محدود، فإن الواجب يحتم على جهات مكافحة الفساد العمل على هذا الملف المخفي والذي يمنع اموالا بالملايين عن الخزينة ويضعف موارد الدولة ويجعلها اسيرة للمنح والاعطيات وقروض النقد الدولي.

هناك عشرات العطاءات المعطلة وعشرات مثلها جرى تلزيمها دون وجه حق وبأرقام فلكية، في شركات تملك الحكومة فيها مباشرة او عبر اذرعها المالية اسهما وبنسب عالية، ويصل الى الخزينة منها ملايين ولا يلتفت احد الى الملايين الضائعة عبر التلزيم والانفاق غير المراقب. الخصخصة ليست كلها شر وضرر بل فيها منافع كثيرة للاردن والاردنيين، ولكن منافعها ظلت اسيرة للبعض اصابع وتم تحويل الفتات الى الخزينة احيانا وكثيرا تم سلب حتى الفتات، وان الاوان كي تضع الدولة يدها الرقابية على هذه الشركات لضمان رشاد ادارتها ونفقاتها، فلا يعقل ان تملك الدولة اكثر من النصف في بعض الشركات ولكن تمثيلها في مجلس الادارة لا يتعدى الربع فقط. ما نتحدث به ونطارده من فساد معلن ونهب في عزّ النهار هو الجزء اليسير من الفساد الاكبر الذي يسرح ويمرح دون ردع حقيقي ودون رقابة، فقطاع واحد ورّدت احدى شركاته للخزينة مليارا وربع المليار خلال عقد من الزمن في حين ان دخله يفوق المليار سنويا.. فأين العدل والرقابة؟

الفساد يلبس مئة لبوس ولبوس والحرب عليه تتطلب تطوير ادوات الرقابة وإعلاء قيمة الشفافية والادارة الرشيدة وهذا هو اصل الحرب على الفساد وليس انتظار حدوث السرقة حتى نبدأ بالتحقيق، فحينها تكون الاموال قد ذهبت مع الريح الى بنوك الخارج او جيوب السارقين ولن نستفيد منها شيئا.