«ما حدا أحسن من حدا» كما يقال، حيث لم ينتهِ العام دون أن يحصل البنزين على حصته من جملة الارتفاعات التي تشهدها الأسعار، ليضيف إلى الأعباء عبئاً جديداً، ولسان حال الحكومة يقول، إنَّ الأولوية لخزينة الدولة ورفدها بمزيدٍ من الموارد، والليرات الست ليست ذات قيمة بالنسبة إلى المواطن ولن تنهك جيوبه، ليدخل الأخير في جولة من صدٍّ وردٍّ مع سائقي التكاسي، على اعتبار أنَّ هؤلاء أضافوا إلى العداد تلقائياً نسبة لا تقلُّ عن 20 %، وهو وضع طبيعي؛ لأنَّ قراراً اتُّخذ، لكن لم تُهيَّأ له الظروف منعاً لاستغلاله، ليتساءل المواطن عن مبرِّرات مثل هذا القرار، لاسيما أنَّ البنزين سلعة رابحة وغير خاسرة بالنسبة إلى الدولة. ولتوقيت هذا الارتفاع أيضاً حصة من التساؤلات، خاصةً أنَّ المواطن يعاني ما يعانيه للحصول على المازوت، وكذلك على الغاز، ليأتي البنزين كشعرةٍ تقصم ظهر المواطن.
القرار الذي بدأ تنفيذه فعلاً تضمَّن رفع سعر الليتر إلى 50 ل.س بدلاً من السعر القديم (44 ل.س)، كما ارتفع سعر ليتر البنزين الممتاز (أوكتان 95) إلى 55 ل.س بدلاً من السعر القديم المقدَّر بـ50 ل.س. لليتر الواحد، بعد أن شهد العام الماضي رفعاً لسعر ليتر البنزين من 40 ليرة إلى 44 ليرة؛ بهدف استبدال جميع الرسوم والضرائب المفروضة عند تجديد الترخيص السنوي، ما أخذ الكثير من النقاش والأخذ والردّ، ليصل المهتمّون إلى نتيجة أنَّ هذه الليرات الأربع من شأنها أن ترفع الضرائب والرسوم التي كانت تُدفع بشكل مقطوع سنوياً بحسب حجم محرك الآلية، والنتيجة من ذلك القرار هي أيضاً زيادة عوائد خزينة الدولة.. أما القرار الذي نحن بصدده الآن، فأكَّدت بعض المصادر أنه جزء من الخطط المرسومة، وكان من المقرَّر دخوله حيز التنفيذ في العام الماضي.
أسعار البنزين التي كانت مُتداولة سابقاً يؤكِّد المعنيون أنها خاسرة إذا ما قورنت بالسعر العالمي للبنزين، لكنها رابحة نسبياً، وهذا الكلام ليس أحجيةً، وإنما تفسيره- بحسب المعنيين- أنَّ ربح البنزين يأتي من كونه يُنتج ويُستهلك محلياً؛ أي أننا لا نقوم باستيراد المادة حتى نقارنها بالسعر العالمي، ولكن مبررات الرفع الحالي لسعر ليتر البنزين هي مقاربته إلى السعر العالمي، لنعود مع هذا الرأي إلى الأحجية ذاتها: فلماذا يتقارب سعره إلى السعر العالمي إذا كنا لا نستورده؟، ولماذا نبيعه بأسعارٍ عالمية إذا كان لا يتمُّ تهريبه؟، ليرى بعض المعنيين أنَّ ارتفاعه لن يؤثِّر في المواطن كونه مادة لا تدخل في صلب حياته اليومية، بحسب ما يؤكِّد معاون مدير شركة المحروقات، ناظم خداج، فأهم المشتقات النفطية التي تُدعم بشكلٍ كبير من قبل الدولة، هو المازوت الذي تصل تكلفة الليتر منه إلى 50 ليرة سورية، بينما يُباع للمواطنين بـ15 ليرة. وكذلك أسطوانة الغاز التي تتكلَّف ما يقارب 600 ليرة، في حين تباع للمواطنين بسعر 250 ليرة سورية.. ويؤكِّد خداج أنَّ القرار يأتي بهدف تخفيف العبء عن خزينة الدولة.. ويشير معاون مدير شركة المحروقات إلى أنَّ البنزين رابح نسبياً، على أساس أنَّ القسم الأعظم منه يُنتج محلياً، ولكن سعره العالمي يصل إلى 50 ليرة، وبسعره الحالي أصبح مقارباً لأسعار الدول المجاورة، كلبنان والأردن.
إذاً رفع السعر أتى بهدف تخفيف العبء عن الخزينة، لذلك دخلنا في دوامة مقارنته بالأسعار العالمية، مع العلم بأننا لسنا بحاجةٍ إلى ذلك، وبهذا الارتفاع يمكن لخزينة الدولة أن تحقِّق عائداً بين 8 إلى 10 مليارات ليرة، وفق ما يؤكِّد خداج؛ كوننا نبيع سنوياً ما يقارب 2 مليار ليتر من البنزين. ويؤكِّد معاون مدير المحروقات أنَّ البنزين لا يتعرَّض إلى التهريب، باستثناء ما تملأه السيارات العابرة إلى سورية من لبنان والأردن وتركيا في خزَّاناتها.. أما عن واقع عمل سيارات الأجرة، فيشير خداج إلى أنها مسؤولية وزارة الاقتصاد، بحيث تحمي المستهلك وتعدل العدادات وفقاً للسعر الجديد.
ومن المهم ذكره أنَّ استهلاك أجهزة الدولة من مادة البنزين يتجاوز نصف إجمالي الاستهلاك، حيث يصل إلى 53 %. ورغم قرار رئيس الحكومة بحسم ربع مخصَّصات الوزارات والمؤسسات الرسمية من البنزين، إلا أنَّ لسان حال المواطن يقول: قبل أن ترفعوا الأسعار عليكم تخفيف الاستهلاك اللامنطقي للجهات العامة من مادة البنزين، ولا يكفي حسم الربع، لأنَّ استهلاك هذه الجهات مبالغ فيه إلى حدٍ كبير، وبحاجة إلى مزيدٍ من المتابعة.
وأخيراً، يمكن التنويه إلى حسبةٍ بسيطة تفضي إلى أنَّ الزيادة الفعلية هي ليرة واحدة لكلِّ كيلو متر إذا افترضنا أنَّ سيارة الأجرة تسير 150 كم في الصفيحة؛ أي أنَّ كلَّ ليتر من البنزين يقطع نحو 8 كم؛ ما يعني أنَّ كلَّ كيلو يمكن أن تضاف إليه ليرة واحدة على الأكثر، ومبالغة بعض سائقي سيارات الأجرة في اقتطاع الزيادة هي ما اقتضى هذا التنويه، خاصةً أنَّ وزارة الاقتصاد لم تتَّخذ بعد ما هو مطلوب، والمتمثِّل في تعديل العدادات لحماية المواطن من أيِّ استغلال قد يقع فيه.