حاولت عائلة محمد الأطرش (59 عامًا) الحفاظ على شعائر رمضان وعباداته، رغم إجراءات الحجر الصحي المفروضة من قبل السلطات توقيا من تفشي وباء كورونا.
واعتاد سكان العاصمة في شهر الصيام الإقبال على المدينة القديمة، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 698 ميلاديا، حول جامع الزيتونة؛ يرتادونها للتمتع بأجواء رمضان بين روائح العطور والبخور والعنبر، التي تنبعث من أزقتها الضيقة والمتعرجة.
وفي زمن كورونا أغلقت المدينة القديمة على غير عادتها وخلت من مرتاديها، الذين يأتون ظهرا لاقتناء الحلويات ثم يعودون ليلا لارتياد المقاهي أو الصلاة في جامع الزيتونة، بعد أن فرضت السلطات التونسية الحجر الصحي الشامل ابتداء من الـ22 من شهر مارس الماضي.
تأسس جامع الزيتونة على يد حسان بن النعمان سنة 76 هجريا، واكتمل بناؤه في عهد عبيدالله بن الحبحاب في عام 116 هجرياً، وأعيد بناؤه في القرن التاسع الميلادي.
كورونا في رمضان ساهم، بشكل غير مباشر، في لم شمل العائلات التي ألهتها شواغل الحياة وباعدت بين أفرادها
ويقع في المدينة القديمة، ويقصده التونسيون والسياح في شهر رمضان كل ليلة لأداء صلاة التراويح فموقعه الإستراتيجي يتميز بعبق الماضي والتاريخ.
وتحولت المدينة القديمة التي كانت تكتظ بالساهرين بمجرد الانتهاء من الإفطار، إلى مدينة أشباح بمحلاتها المغلقة ودروبها الخالية. لا ضحكات تعلو ولا تصفيق، ولا رقص على وقع موسيقى “السطمبالي”، والحضرة الصوفية المنتشرة في كل دول المغرب العربي.
قال أحد شيوخ المدينة في سوق الشواشين الذي يزدهر في ليالي رمضان، إنَّ المدينة التاريخية سجلت آخر إغلاق لها في أربعينات القرن الماضي عندما انتشرت الأنفلونزا الإسبانية.
إغلاق المدينة القديمة لم يحرم سكانها من نفحات رمضان؛ فقد سعى الأطرش، وهو محاضر دروس دينية بعدد من المدارس القرآنية، إلى استثمار الشهر المعظم في الصلاة وتلاوة القرآن، ولأن تدابير الوقاية من الفايروس أجبرت السلطات على غلق المساجد ومنع صلوات الجماعة ومن بينها صلاة التراويح، فقد حاول الشيخ بطريقة مبتكرة الحفاظ على أجواء الشهر الكريم.
عمد الأطرش إلى إقامة الصلاة في بيته مع زوجته وابنه وبعض المقربين، مع المحافظة على التباعد الذي تفرضه إجراءات الوقاية من الفايروس.

رمضان يجمع العائلة
لم يكتف الشيخ بذلك فحسب، بل سعى إلى إشراك أكبر عدد من أفراد عائلته وأصدقائه، عبر بث صلاة التراويح مباشرة من بيته من خلال الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي حتى تعم الفائدة.
عن تجربته، يروي الأطرش بنبرة حزينة، “منذ 40 عاما لم أتغيب يوما عن صلاة التراويح في الجامع، ولم يخيّل لي قط أن تغلق المساجد بسبب الوباء وأن تمنع الصلوات فيها”.
و”بما أن شهر رمضان شهر القرآن والعبادات، اخترت أن يشاركني أصدقائي فيها، وقمت ببثها من بيتي مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا يحرم الجميع من أجر التراويح وبركاتها”، هكذا واصل حديثه.
ويضيف، “حاولت بمعية ابني توفير إضاءة محترمة حتى نضمن جودة الصورة وحتى تصل إلى المتلقين على أكمل وجه، كما قمنا بتركيز مكبر صوت حتى يتمكن من يريد أداء صلاة التراويح معنا كجيراننا وأصدقائنا من الإصغاء إلينا ومتابعتنا”.
وتعتبر مدينة تونس القديمة القلب التاريخي والسياحي النابض للعاصمة بما تضمه من جوامع، ومنازل أعيان تونس القديمة التي تم تحويل بعضها إلى مراكز ثقافية ومقاه وأروقة للمعارض ومطاعم سياحية دون أن يتغير من زينتها ورونقها أي شيء.







ويقول المرشد السياحي قيس التاجوري إن قرابة 10 آلاف سائح من مختلف الجنسيات كانوا يزورون جامع الزيتونة خلال شهر رمضان.
ويقول الأطرش، “هذه السنة، لن تعرف المدينة القديمة المحيطة بالمعلم الديني حركتها العادية، ولن يأتي زوارها كما دأبوا كل سنة لاقتناء الملابس التقليدية التونسية وخاصة الجبة والبرنوس”.
وحافظت المدينة على الطابع الحضاري التونسي وصنفت منذ عام 1979 لدى منظمة اليونسكو تراثا ثقافيا للإنسانية.
واعتاد الشيخ في الأيام العادية التوجه إلى المدارس القرآنية وتقديم دروس دينية لطلبته، إلا أن الظرف الحالي منعه من ذلك، إذ أُجبرت كل المدارس على الإغلاق إلى حين القضاء على الوباء.

