تفاصيل تخلص برشلونة من سواريز

تاريخ النشر: 21 فبراير 2021 - 11:57 GMT
لويس سواريز يواصل التألق
لويس سواريز يواصل التألق

في أحد أيام الجمعة من سبتمبر الماضي، دخل النجم ليونيل ميسي، إلى غرفة خلع الملابس في ملعب سان خوان ديسباي التدريبي لبرشلونة وشعر بالحزن الشديد، لأن أفضل صديق له في النادي لم يكن هناك، بعد ست سنوات كاملة من اللعب سوياً.

لذلك، بعث له ميسي برسالة قال فيها: «سيكون من الغريب رؤيتك بقميص آخر».

وبعد يومين، اكتشف "ليو" غرابة الأمر حقاً عندما ظهر لويس سواريز لأول مرة بقميص أتلتيكو مدريد، في المباراة التي شارك فيها المهاجم الأورغوياني كبديل أمام غرناطة، والتي نجح خلالها وبعد نزوله بـ 90 ثانية فقط من صناعة هدف.

ومع نهاية المباراة، كان سواريز قد سجل هدفين.

من هنا بدأ كل شيء، حيث سجل هداف أوروغواي 16 هدفاً في 19 مباراة، بمعدل هدف كل 82 دقيقة.

أحرز سواريز حتى الآن أهدافاً أكثر من عدد الأهداف التي سجلها أي لاعب في أتلتيكو مدريد الموسم الماضي، كما يتصدر قائمة هدافي الدوري الإسباني هذا الموسم، بفارق ثلاثة أهداف عن أقرب ملاحقيه.

سجل سواريز أهدافاً في 11 مباراة، وساهم بشكل مباشر في حصول فريقه على 12 نقطة، أكثر من أي لاعب آخر في إسبانيا، وهو الأمر الذي ساعد أتلتيكو مدريد على التغريد منفرداً في صدارة جدول الترتيب بفارق خمس نقاط، مع العلم بأن الفريق لديه مباراتان مؤجلتان.

وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنه لا يوجد لاعب انتقل إلى فريق جديد حقق بداية أفضل من سواريز خلال هذا القرن.

حقق سواريز كل هذه الأشياء الرائعة، رغم أنه انتقل لأتلتيكو مدريد في صفقة انتقال مجانية، وبعدما كان يعتقد البعض أن مسيرته انتهت.

ورغم أن برشلونة كان يبذل قصارى جهده من أجل التخلص منه لدرجة أنه دفع بعض الأموال مقابل رحيله! وقال المهاجم دييغو كوشتا، بعد مباراة غرناطة، «لا يمكنني أن أفهم كيف سمح له برشلونة بالرحيل».

ومن المؤكد أن الكثيرين قد رددوا هذا الكلمات كثيراً مع تألق النجم الأورغوياني مع توالي المباريات.

وقال دييغو فورلان: «برشلونة أخطأ: حتى لو كنت لا تعرف شيئاً عن كرة القدم، فأنت تعلم أنه ما زال بإمكانه تقديم الكثير».

وقال زميله آنخيل كوريا: «إنه مهاجم رائع بشكل لا يصدق، وقادر على إحراز الأهداف من أنصاف الفرص. من الصعب أن نفهم كيف تخلى برشلونة عن رأس حربة مثله».

أما حارس مرمى أتلتيكو مدريد، يان أوبلاك، فقال: «فوجئت أن برشلونة سمح له بالرحيل، وفوجئت بأنهم سمحوا له بالانتقال إلى أتلتيكو مدريد».

لكن الحقيقة أن برشلونة لم يسمح لسواريز بالرحيل فقط، لكنه رفض وجوده من الأساس. قال ميسي عن سواريز: «كنت تستحق الرحيل بطريقة تناسب واحداً من أهم اللاعبين في تاريخ النادي، وليس أن يطردوك بالشكل الذي قاموا به».

واعترف سواريز بأنه يتعين على اللاعبين أن يتقبلوا الأمر بصدر رحب عندما تنتهي مسيرتهم مع الأندية التي يلعبون لها، لكنه أكد على أن الطريقة التي رحل بها عن ملعب كامب ناو جعلته يشعر بالغضب والألم. لقد شعر أن ما فعله قد نُسي بسرعة، واستخدم كلمات مثل «ازدراء ورفض» لوصف الطريقة التي عامله النادي بها.

وقال لاعب سيلتا فيغو، إياغو آسباس، قبل مواجهة زميله السابق في ليفربول ومشاهدته وهو يسجل هدفين آخرين، «ربما اتخذ برشلونة هذا القرار بسبب المقابل المادي الكبير الذي كان يحصل عليه سواريز».

لكن الحقيقة أن برشلونة لم يحقق فائدة مالية أو اقتصادية من التخلي عن خدمات سواريز، أما على المستوى الرياضي فكان الأمر كارثياً، ليس بالضرورة لأن سواريز رحل - هذا نقاش مختلف، وما زال العديد من مشجعي برشلونة يرون أن رحيله كان القرار الصحيح - لكن إلى أين ذهب؟ قال ميسي: «ما فعلوه بدا لي وكأنه شكل من أشكال الجنون! تركوه يرحل، ودفعوا له كل مستحقاته، وسمحوا له بالانتقال إلى فريق ينافسنا على كل البطولات».

لم يكن انضمام سواريز إلى أتلتيكو مدريد جزءاً من خطة برشلونة، لكنه قرار قد يكلف النادي الكتالوني لقب الدوري الإسباني الممتاز. سجل سواريز أهدافاً أكثر من أنتوان غريزمان وآنسو فاتي وعثمان ديمبيلي ومارتن برايثوايت وفرانسيسكو ترينكاو معاً، كما ساهم في تفوق أتلتيكو مدريد على برشلونة بفارق ثماني نقاط كاملة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك مع البارسا، حيث سبق للنادي أن تخلى عن خدمات دافيد فيا، الذي رحل إلى أتلتيكو مدريد مجاناً عام 2013 وقاده للفوز بلقب الدوري على ملعب كامب ناو وأمام برشلونة.

وفي الصيف الماضي، عندما كان النادي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع معدل أعمار لاعبي الفريق، وضغوط سياسية كبيرة، وبعد الخسارة المذلة أمام بايرن ميونيخ بثمانية أهداف لاثنين - وهي المباراة التي سجل فيها سواريز هدفه الأول «خارج الديار» خلال أربع سنوات في دوري أبطال أوروبا - كان برشلونة حريصاً على الاستغناء عن خدمات الأوروغوياني الذي يعد ثالث أفضل هداف في تاريخ النادي، وثاني أعلى لاعبي الفريق أجراً.

عانى سواريز من إصابة في الركبة، وكان من الواضح للجميع أن سرعته أصبحت أقل من ذي قبل، وأن مستواه تراجع عن السابق (الموسم الماضي سجل 21 هدفاً فقط في 36 مباراة)؛ كما كان برشلونة يسعى لإبعاده عن ميسي.

علاوة على ذلك، طلب الهداف المخضرم من مسؤولي النادي على الملأ أن يتحدثوا معه مباشرة حول خططهم، وعندما حدث ذلك أخيراً، كان من خلال محادثة هاتفية قصيرة وصريحة طلبوا منه خلالها أن يرحل، استمرت هذه المكالمة لمدة دقيقة واحدة، لكن من المؤكد أن الندم الذي يشعر به النادي لهذا القرار سيستمر لوقت طويل للغاية.

وأكد المدير الفني الجديد لبرشلونة، رونالد كومان، على أن النادي هو من اتخذ قرار الاستغناء عن سواريز وليس هو، قائلاً: «أنا لست الرجل الشرير في هذا الفيلم».

لكن المدير الفني الهولندي كان هو من نقل هذا القرار إلى سواريز وهو من لعب دور الجلاد، وهو من كان يبحث عن اللعب بطريقة جديدة تعتمد على لاعبين أصغر سناً وأكثر قوة.

من جهته، لم يطلب سواريز تفسيراً لما حدث، ولم يحصل على مثل هذا التفسير، قال أنه لا توجد لديه أي مشكلة في ذلك، لكن يتعين على النادي أن يغير وضعه التعاقدي، بمعنى أنه إذا كان النادي يريد الاستغناء عنه، فإنه سيرحل بشروطه الخاصة، وهي أن يرحل في صفقة انتقال حر.

ولم يتحدث سواريز مع رئيس النادي، جوسيب ماريا بارتوميو، قيل له أنه لا يتعين عليه أن يخوض التدريبات، ولم يعترض على ذلك وقال: «حسناً، سأبقى، وستواصلون دفع الأموال لي».

ورغم كل ذلك، لم يكن من المستحيل أن نرى سواريز يعود للعب مع برشلونة مرة أخرى، لو لم يرحل عن الفريق، وهو الأمر الذي لمح إليه كومان نفسه في يوم من الأيام. لكن برشلونة رأى أن هذا هو الوقت المناسب للرحيل، وفي الوقت نفسه كان سواريز يرى أنه سيتحول إلى كبش فداء، وسيتم تحميله كافة المشاكل التي يعاني منها النادي.

كما أن كبرياءه قد منعه من الاستمرار مع النادي بعد أن أخبروه بضرورة الرحيل. لذلك، بدأ محاموه وبرشلونة في التفاوض. وبدأ سواريز يتلقى عدداً من العروض، بما في ذلك عرض من يوفنتوس.

وعن طريق صديق مشترك، تم الاتصال بأندريا بيرتا، المدير الرياضي لأتلتيكو مدريد. لقد كان المدير الفني لأتلتيكو مدريد، دييغو سيميوني، معجباً دائماً بقدرات وإمكانيات سواريز، وسبق وأن قال قبل سنوات: «ليس لدي أي كلمة سيئة يمكنني أن أقولها بحق سواريز».

وصف المهاجم الأورغوياني بأنه «رائع، وهائل، وغير عادي، وقوي، وشرس»، كما وصفه بأنه «أفضل مهاجم رأس حربة يمكن أن يمتلكه أي فريق».

وهكذا، أصبحت هناك إمكانية لامتلاك هذه المهاجم في فريقه، فهل سيتركها سيميوني؟ ولم يكن سواريز يرغب في الرحيل عن إسبانيا، وكان هناك اتصال سريع مع سيميوني.

وقال سواريز لمحطة «أوندا سيرو» الإسبانية، «قال كثيرون أني لا أستطيع اللعب على أعلى المستويات، لكن سيميوني كان مقتنعاً تماماً بقدرتي على القيام ذلك».

وبالفعل، تم الاتفاق بين سواريز ومسؤولي أتلتيكو مدريد. لكن قبل ذلك، كان يتعين على برشلونة أن يفي بوعده ويتركه يرحل في صفقة انتقال حر.

وفي 21 سبتمبر، وافق برشلونة على إلغاء عقد سواريز، وأصبح الأورغوياني جاهزاً للتوقيع في اليوم التالي.

وحدد برشلونة عدداً من الأندية التي لا يُسمح لسواريز بالانضمام إليها، والتي لم يكن أتليتيكو مدريد من بينها، ربما لأن مسؤولي برشلونة لم يكونوا يتوقعون انتقال اللاعب إليه.

وعندما ذكرت الصحف - في الساعة الحادية عشرة – أن هناك مفاوضات بين سواريز وأتلتيكو مدريد، شعر بارتوميو بالذعر وحاول التراجع عن الاتفاق، لكن بارتوميو كان يدرك أن هناك خياراً أسوأ من انتقال سواريز إلى أتليتكو مدريد، وهو أن يقرر اللاعب البقاء في برشلونة.

وتم التوصل إلى اتفاق سمح لبرشلونة بحفظ ماء الوجه ولأتلتيكو مدريد بالحصول على المهاجم الأورغوياني.

ألغى سواريز عقده مع برشلونة، وبالتالي لم يحصل النادي الكتالوني على أي مقابل مادي من هذه الصفقة، لكن أتلتيكو مدريد وافق على أن يدفع بعض الحوافز المالية لبرشلونة بناء على المستويات التي سيقدمها اللاعب مع أتلتيكو مدريد نهاية كل موسم من الموسمين.

وبالتالي، سيدفع أتلتيكو مدريد ستة ملايين يورو على الأكثر. وربما يتمثل الخبر السار لبرشلونة - إذا كان من الممكن أن نصفه كذلك – في أن سواريز يلعب بشكل جيد الآن بالشكل الذي يجعل النادي الكتالوني يحصل على هذه الحوافز المالية!

وقال سواريز: «أنا سعيد لأني أشعر بالتقدير هنا. كان الناس يعتقدون أنه من السهل اللعب في برشلونة وإحراز 20 هدفاً. لكن هذا ليس سهلاً على الإطلاق. من الجيد إظهار أن هناك ميزة فيما فعلته، وأنه يمكنني اللعب على مستوى النخبة، وليس فقط لأنني كنت في برشلونة وألعب مع أفضل لاعب في العالم بجانبي».

وقد سُئل كومان مؤخراً عما إذا كان السماح لسواريز بالانتقال إلى أتلتيكو مدريد ومساعدته على تصدر ترتيب الدوري الإسباني الممتاز يعد واحداً من أكبر الأخطاء التي ارتكبها برشلونة في تاريخه!

في الحقيقة، لامس هذا السؤال وتراً حساساً لدى المدير الفني الهولندي، الذي قال: «أنتم لا تسألونني عنه إلا عندما يسجل الأهداف فقط!»، ومن المؤكد أن كومان سيواجه هذا السؤال كثيراً، نظراً لأن سواريز لا يتوقف عن إحراز الأهداف! أما بالنسبة لأولئك الذين اعتقدوا أن سواريز قد انتهى، فإن المهاجم الأورغوياني يذكرهم كل أسبوع بأهدافه القاتلة بأنه ما زال قادراً على العطاء وبكل قوة.

ولا يكتفي سواريز بإحراز الأهداف فقط، لكنه يقوم بدور القائد، ويلعب بكل قوة وتصميم وإرادة، وهي الصفات التي جعلت كوشتا يصفه بأنه يمتلك «روح المحارب».

إنه يتحلى بالوعي الكبير والذكاء الخططي والتكتيكي والدقة والمهارة، وهي الصفات التي قد لا يلاحظها البعض عند الحديث عن سواريز.

علاوة على ذلك، فإنه يتميز أيضاً بالتمرير الدقيق والتحكم الرائع في الكرة ومساعدة زملائه داخل الملعب، والدليل على ذلك أنه لم يكتف بإحراز 198 هدفاً مع برشلونة، لكنه صنع 98 هدفاً أيضاً.

وبعد انضمام سواريز، غير أتلتيكو مدريد طريقة اللعب، وأصبح يعتمد بشكل أكبر على الاستحواذ على الكرة والضغط العالي على الفريق المنافس.

يقول سيميوني عن ذلك: «كل ذلك نتج عن وجود سواريز».

وقال كوكي: «تغيرنا بشكل جذري، وهو قادر على التكيف معنا بشكل رائع».

وفي ظل إقامة المباريات بدون جمهور، يمكنك أن تسمع صوت سواريز في الملاعب الخاوية، وهو يصرخ بشكل حاد في بعض الأحيان، أو هو يتحدث بشكل حاد وعاجل في أحيان أخرى.

وفي أوقات أخرى، تسمعه وهو يوجه زملاءه داخل الملعب، ليس فيما يتعلق بالمكان الذي يريد فيه تسلم الكرة، وإنما فيما يتعلق بالمكان الذي يتعين عليهم التحرك فيه. إنه بارع في قراءة المباريات والتفكير بسرعة أكبر من زملائه داخل الملعب، وبالتالي فهو يرى المساحات التي يتعين عليهم الانطلاق بها والتمريرات التي يتعين عليهم القيام بها.

ويقوم سواريز بكل ذلك رغم وصوله إلى سن الرابعة والثلاثين، وهو الأمر الذي يجعل حتى أولئك الذين يلعبون بجانبه يتعجبون حقاً مما إذا كان هذا هو عمره الحقيقي، ويعترف سواريز نفسه بأنه لم يتوقع أن تسير الأمور على ما يرام بهذا الشكل، ويعترف بأن هذا التألق قد لا يستمر دائماً.

في الحقيقة، تعد هذه هي أفضل بداية لسواريز مع كل الأندية التي لعب لها، بالشكل الذي جعل البعض يسأل سيميوني عما إذا كان سواريز هو أفضل صفقة عقدها أتلتيكو مدريد تحت قيادته، ليرد المدير الفني الأرجنتيني قائلاً: «لا أستطيع التوقف عن التفكير في مثل هذه الأمور، لكنه لاعب استثنائي، وأنا سعيد لأنه معنا».