حصد الإيفواري يايا توريه جائزة أفضل لاعب في قارة إفريقيا للعام الثاني على التوالي قبل عدة أيام.
اختيار توريه مرة جديدة لهذه الجائزة يثبت مدى التطور الذي وصل إليه هذا اللاعب، حيث بات يمثّل نموذجاً للاعب الإفريقي العصري.
لم يكن الحفل الذي أقيم في مدينة آكرا الغانية لتتويج أفضل لاعب في إفريقيا لعام 2012 فقط، بل كان تتويجاً للكرة الإفريقية ككل.
تلك القارة الولّادة التي لا تنفك تنجب اللاعبين وتزرعهم في مختلف بقاع العالم.
هؤلاء الذين عانوا صعوبات العيش في قارتهم وقاسوا الأمرّين لعبورهم نحو الحلم الأوروبي باتوا رقماً صعباً في عالم المستديرة؛ إذ يندر، بل يستحيل أن تعثر على فريق في العالم لا يضم في صفوفه لاعباً أسمر على الأقل.
يكفي فقط التوقف عند الكم الهائل من الكشافين الذين يتناثرون في مدرجات ملاعب البلد الذي يستضيف كأس الأمم الإفريقية، لنستنتج مدى أهمية اللاعب الإفريقي في كرة القدم الحديثة؛ إذ إن الصفات الموجودة في لاعب القارة السمراء يندر وجودها في لاعبين من قارات أخرى.
فهذا اللاعب يجمع بين الموهبة الفنية رفيعة المستوى والقوة الجسمانية ومع انخراطه في الكرة الاحترافية الأوروبية بات يملك الذهنية الكروية الناضجة التي تجعله لاعباً متكاملاً من كافة الأصعد.
يايا توريه هو عيّنة عن هذا اللاعب، نجم الوسط الإيفواري لم يُختَر عن عبث لجائزة أفضل لاعب في إفريقيا للعام الثاني على التوالي.
وما يزيد من أهمية حصوله على الجائزة هذه المرة هو تقدّمه على مواطنه النجم ديدييه دروغبا، مهاجم شنغهاي شينهوا الصيني، رغم أن الأخير قاد فريقه السابق تشلسي الإنجليزي إلى التتويج بطلاً لدوري أبطال أوروبا بتسجيله هدف التعادل في مرمى بايرن ميونخ في اللحظات الأخيرة من المباراة، فيما كان من الطبيعي أن يتفوّق على المرشح الثالث الكاميروني أليكساندر سونغ الذي لم يحقق أي إنجاز مع ناديه السابق آرسنال الإنجليزي قبل انتقاله في الصيف إلى برشلونة الإسباني، هذا من دون التقليل من موهبته طبعاً.
ويعد توريه مثالاً للاعب الارتكاز العصري من كافة الجوانب؛ إذ إنّ من يتابع هذا اللاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز مع نادي مانشستر سيتي يحتار في الدور الذي يؤديه هذا الشاب المولود في أبيدجان.
فتارة تراه في وسط الملعب يقاتل على الكرات، ومرة تراه يساند في الدفاع، وأخرى تجده في منطقة جزاء الخصوم.
قدراته الجسمانية الخارقة تجعله كمن يبدو أنه يملك ثلاث رئات لا رئتين، والمدهش في توريه أن طوله الفارع (1.91 متر) لا يعيق حركته وليونته على الإطلاق، ففي لحظات، تراه كمن يملك "كلمة السر" أو الشيفرة التي تفك العقد التي تواجه هجوم سيتي في بعض المباريات؛ إذ من خلال تسديدة محكمة من تسديداته هو قادر على حسم الأمور.
الأهم من كل هذا أن توريه يتمتع بـ "مخ كروي" إذا جاز التعبير؛ فهو لا يستند فقط لقوته الجسدية الهائلة لبسط سيطرته على وسط الميدان، بل إنه يتقن تسيير الكرة كيفما يشاء، وذلك عبر التمريرات القصيرة أو الطويلة التي تعلمها في برشلونة، هذا فضلاً عن قدرته العالية على امتلاك الكرة وحمايتها باقتدار، وهذا ما يجعل أدواره التكتيكية متعددة، وهو من دون مبالغة الورقة الأساسية الرابحة في تشكيلة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني.
أضف الى ذلك، فإن ما يحسب لتوريه في كل هذه الفترة هو عمله الدؤوب على تطوير مقدراته والاستفادة من تجاربه السابقة إلى جانب لاعبين كبار كشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا في البارسا والنجم البرازيلي ريفالدو قبلاً في أولمبياكوس اليوناني.
باختصار، توريه لاعب يحلم به أي مدرب في تشكيلته. توريه هو مثال لتطور اللاعب الإفريقي على المستوى الذهني والتكتيكي بعد أن كان فقط عنواناً للقوة.