محمد عمر
من السهل طبعا القول إن إسرائيل هي التي قتلت الوزير والنائب وقائد المليشيا اللبناني السابق إيلي حبيقة، فـ"شارون هو المستفيد الوحيد". تماما مثلما هي إسرائيل "المستفيد الوحيد من تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر في أميركا".
لا شك، أنه منطق عربي عجيب وغريب، أخيرا يريدون لنا أن نقتنع أن عميلا إسرائيليا بامتياز "قد مات شهيدا".
لا شك، أنه زمن العجائب، وزمن "الأمة شبه المهزومة" على حد تعبير وزير الخارجية القطري.
لا أحد يريد البتة تبرئة إسرائيل من المجازر ولا من الاغتيالات، وأفعالها تدلل عليها يوما بعد يوم، ولكن هل إسرائيل هي المستفيد الوحيد من مقتل إيلي حبيقة، وهل كان القتيل "يملك الأدلة القاطعة على براءته" من دم أكثر من 2500 فلسطيني ولبناني ذهبوا ضحية أبشع مجزرة في التاريخ العربي؟!
لماذا يراد لنا أن نقتنع أن الوزير الذي كان عميلا مقربا ومحببا لشارون قبل أن ينتقل في عام 1985 للموالاة إلى سوريا، كان يمتلك "أدلة قاطعة على براءته".
لماذا صمت السيد الوزير أكثر من 16 عاما كي يثبت هذه البراءة المزعومة. ولماذا لم يدل القتيل بشهادته لوفد الشيوخ البلجيكي وهو كان يعلم، على حد تعبيره، بأنه مهدد بالقتل.
ولماذا لم يبلغ الحكومة اللبنانية بما لديه من معلومات حول التهديدات، ولماذا لم يتخذ حبيقة إجراءات أمنية جديدة لحماية نفسه، ولماذا رفض الكشف عن هوية المهددين. وما هي العلاقة بين مقتل حبيقة ومقتل أحد المقربين إليه "جون غانم" في حادث سيارة غامض قبل أسبوعين.
لقد ظهر حبيقة قبل "استشهاده" مرتبكا، فهو مرة يقول إنه كان مجرد جندي عند تنفيذ المجزرة وتارة أخرى يقول إنه "بريء".
كيف لنا أن نصدق أن "الشهيد" لديه ما يثبت براءته، وهو الذي تحمل وزر المجزرة طيلة 20 عاما وبقي صامتا على وصمة العار هذه، ودفع في سبيلها مقعده النيابي وسمعته وصدقيته قبل أن يدفع حياته.
لقد أثبتت كل التحقيقات وفي مقدمتها تحقيق لجنة "كاهان" الإسرائيلية، وتحقيق النائب العام اللبناني أسعد ذياب، هذا التحقيق الذي اختفى بقدرة قادر من أدراج الحكومة اللبنانية، إضافة إلى روايات الشهود والناجين، تورط حبيقة المباشر في المجزرة.
ما يقوله محامو الناجين من المجزرة إن قضيتهم قوية مع أو بدون شهادة حبيقة. وهو أمر يدركه محامو شارون بالضبط.
أغلب الظن أن "الشهيد" حبيقة لم يكن لديه ما يضيفه في مدى تورط شارون في المجزرة، هذا التورط الذي لا يحتاج إلى المزيد من الكشف، على حد تعبير محامي الناجين من المجزرة.
وأغلب الظن أن "الشهيد" كان يحاول اللعب بهذه الورقة لممارسة الضغط على إسرائيل لتضغط هي بدورها على بلجيكا لوقف المحاكمة "ولملمة الموضوع" كما فعلت الحكومة اللبنانية العتيدة حين أخفت تحقيق ذياب وحين أصدرت قانون العفو العام.
وإذا كان هناك من جهة اغتالت حبيقة فهي تلك الجهة المتضررة حقا مما كان سيكشف عنه حبيقة من خفايا المجزرة، بمعنى توريط أسماء وجهات أخرى جديدة غير شارون المتورط فعلا والذي لا يحتاج إلى شهادات أكثر.
قد لا يكون اغتيال حبيقة حادثا معزولا، وقد تكون مجزرة صبرا وشاتيلا هي عنوان العملية فقط، ولكن الأكيد أن توقيت اغتياله كان "ضربة معلم".
لماذا والان، رفعت الحماية عن "الشهيد ايلي حبيقة"؟!