وافقت منظمة الغذاء والدواء على دواء خصص للأمريكيين السود . ولكن ذلك لا يعني أنهم سوف يشترونه .
استغرق الأمر حوالي ثماني سنوات للحصول على موافقة منظمة الغذاء والدواء على دواء جديد للقلب اسمه بيديل (BiDil) - ولم تتم الموافقة إلا بعد أن أعاد صانع الدواء، وهوشركة صغيرة اسمها نيتروميد (NitroMed) ، تعريفه على أنه دواء للأمريكيين الأفارقة .
ولكن إذا اعتقدت الشركة الصانعة أن الحصول على موافقة منظمة الغذاء والدواء كان صعبا ، فلتنتظر لترى ما يحدث عندما تجرب تسويق الدواء للمجموعة التي خصص لها (الأمريكيين السود) .
حتى أثناء تجربته التحليلية واجه هذا الدواء الرفض . هذا ما يقوله الدكتور ثيودور آدي من كلية الطب في ناشفيل الذي اضطر إلى تجنيد مرضى سود لتجربة الدواء في عام 2001 . وأضاف الدكتور قائلا إنه كان يتوجب عليه محاولة اقناعهم بأن هذا الأمر لم يكن مثل حادثة تاسكجي (Tuskegee) .
كان الدكتور يشير إلى تجربة تاسكجي السيئة السمعة التي قامت بها حكومة الولايات المتحدة في الفترة الممتدة من 1930 إلى مطلع 1970 رفض الأطباء خلالها معالجة حوالي 400 رجل أسود في ألاباما من مرض السفلس لكي يراقبوا تأثير المرض على المدى الطويل .
الأذى العاطفي الذي ألحقته حادثة تاسكجي بمجتمع السود الأمريكيين يزول ببطء ، ويظل الكثيرون من السود مرتابين في أي شيء يعالج العلاقة المشحونة بالعواطف بين العرق والدواء .
وباء الإيدز هو أحد أهم الأمثلة على ذلك . يقول مركز مكافحة الأمراض إن السود يشكلون 50 % من المصابين الجدد بمرض الإيدز وفايروس نقص المناعة في الولايات المتحدة ، مع أنهم لا يشكلون سوى 13 % من عدد السكان . وتتعرض النساء الأمريكيات السود بصورة خاصة إلى خطر الإصابة ، فقد بلغت نسبة اصابتهن بالإيدز 25 ضعف إصابة النساء البيض سنويا .
تشير الاحصائيات، إلى أن الأمريكيين السود يساهمون في نظريات مؤامرة الإيدز . تدل نتيجة استفتاء أجرته راند كوربوريشن في كانون الثاني الماضي على أن 53 % من الأمريكيين السود الذين شملهم الاستفتاء يعتقدون بتوفر الدواء الشافي لمرض الإيدز إلا أنه يمنع عن الفقراء ، وعلى أن 15 % يعتقدون أن الحكومة خلقت هذا المرض بغية السيطرة على نمو السكان السود . يقول فيل ولسون ، مدير معهد السود المصابين بالإيدز ، إن هذه النظرة تعيق عمله الرامي إلى إيجاد الأدوية المضادة للفيروس الارتجاعي . القول الأكثر انتشارا الذي نسمعه هو " إنهم يريدون إجراء التجارب عليك " . المثال الذي يوردونه على ذلك هو تجارب تاكسجي ، مع أن معظمنا لايعرفون ما هي تاكسجي .
بغض النظر عن تاكسجي ، التمييز في العناية الطبية بين السود والبيض في الولايات المتحدة أمر حقيقيّ ومتواصل ولا يرجع سببه إلى الفروقات في الأحوال الاقتصادية فحسب . قام معهد الدواء في أكاديمية العلوم الوطنية بدراسة في شهر آذار 2002 دلت نتيجتها على أنه حتى بعد اعتبار عوامل الدخل والتأمين ظلت نوعية العناية الطبية التي تقدم إلى الأقلية في الولايات المتحدة أدنى من نوعية ما يقدم للبيض .لم تكن قد تحسنت الأمور في بداية التسعينات عندما حاول بعض حكام الولايات وكبار الموظفين فرض استعمال وسيلة جديدة لمنع الحمل تسمى نوربلانت (Norplant)لوقف حمل المراهقات وتخففيض تكاليف الخدمة الاجتماعية . وقد اكتسبت تلك الحملة فورا صفة عرقية .
لم يكن غريبا في هذا السياق أن بيديل ، أول دواء يوافق عليه لجنس محدد ، نشأ بشأنه خلاف منذ البداية . هذا الدواء في الواقع مزيج من دوائين قديمين غير مسجلين . عند تجربة هذا الدواء على الجمهور في البداية ، قررت منظمة الغذاء والدواء أن نتائجه لم تكن جيدة بما فيه الكفاية . ولم تظهر له نتائج ملموسة إلا عند إعادة تجربته على مرضى قالوا إنهم أفارقة أمريكيون : كانت تلك النتائج انخفاض في الوفيات بنسبة 43 % ، وانخفاض في إدخال المرضى إلى المستشفى نسبته 39 % .
يقول النقاد إنه مع أن التجارب دلت على أن هذا الدواء أنقذ عددا من الأرواح ، إلا أنه لم يبيّن ما إذا كان يفيد السود أكثر مما يفيد الآخرين أم أنه يفيد السود فقط دون الآخرين . يقول الدكتور سلايد يانسي ، أخصائي القلب في المركز الطبي بجامعة تكساس الذي يستقصي فعالية هذا الدواء ، إن العرق يرتيط بأشياء أخرى (خلاف الدواء) مثل الدليل الأحيائي ، والمعطيات الديمغرافية ، والجينات .
رفضت شركة نيتروميد صانعة الدواء التعليق على استراتيجية التسويق التي لديها ، ولكن بعض الأطباء أعربوا عن قلقهم من أن الشركة لا زالت حساسة بالنسبة لمخاوف الفارقة الأمريكيين . يقول جري باكراين ، المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية لشهر صحة الأقلية ، إنه يأمل أن يتم تسويق هذا الدواء بحذر وعناية كبيرين . ويضيف قائلا إن هذا الدواء في الحقيقة ليس دواء خاصا بعرق معين ، ولكنه دواء يفيد فئات معينة من السكان لأسباب لا زلنا نجهلها .