جدوى الصراع على النفط والغاز بين لبنان واسرائيل

تاريخ النشر: 22 أبريل 2012 - 08:22 GMT
هل يحسن السياسيون الذين أوقعوا لبنان في هوة هذا الدين، الدفاع عن هذه الثروة وحسن استغلالها لمصلحة الشعب والدولة!
هل يحسن السياسيون الذين أوقعوا لبنان في هوة هذا الدين، الدفاع عن هذه الثروة وحسن استغلالها لمصلحة الشعب والدولة!
ان كل باحث في أرشيفات الدول الكبرى يعرف جيداً أهمية الطاقة عموماً والغاز والنفط خصوصاً في رسم سياسات هذه الدول. وان تقسيم مناطق النفوذ في الماضي، في المشرق العربي، ارتبط الى حد كبير بوجود النفط، ولا يزال في الحاضر وسيبقى مستمراً في المستقبل. ومع حصول الدراسات العلمية المؤكدة لوجود الغاز والنفط في مياه شرق المتوسط، ومبادرة كل من إسرائيل وقبرص للبدء في استغلال او تلزيم استغلال هذه الثروة البحرية، يطرح أمام لبنان مجال جديد للصراع.

أولاً: في المبادئ العامة لترسيم الحدود البحرية

من الصعب ترسيم الحدود البحرية لأن من الصعب توضيح الخطوط الدقيقة مع إحداثياتها مع تحرك موج البحر. وترسيم الحدود البحرية غالباً ما يتم اما بخطوط مستقيمة او في اطار دوائر ومن خلال نقاط وهمية وإحداثيات جغرافية مفترضة، وثمة ترابط بين ترسيم الحدود البحرية مع ترسيم الحدود البرية. في الماضي كان من المسلم به ان المياه الإقليمية تبعد 3 أميال عن الشاطئ الى ان اصبحت هذه المياه، حالياً، تصل الى 12 ميلاً. وبعد 1982 أصبح هناك قانون للبحار مكمل لاتفاقية العام 1958. لكن ذلك لم يحل المشاكل لأن ثمة خصائص جغرافية لكل منطقة. ومن حق الدول ان تفرض لها مناطق بحرية اقتصادية، انطلاقاً من اليابسة، قد تصل الى 200 ميل بحري، تبعاً لقوة هذه الدول وقدراتها أو امكانية وجود دول بحرية مقابلة. لكن من الصعب تثبيت حدود المناطق الاقتصادية البحرية.

ثانياً: التنقيب عن النفط في لبنان

منذ العام 1947 قامت الشركة اللبنانية للزيوت، في مختلف الاراضي اللبنانية، بالقيام بدراسات جيولوجية سطحية على مساحة وصلت الى 3300 كلم2، باشراف الفرنسيين Renouard والبرفسور Haas واللبناني جورج صباغ. وحفرت شركة «IPC» بئراً في تربل. واستكملت المسوحات الميدانية عام 1950 وحفر بئر في يحمر (1953 ـ 1954) وصل الى عمق 2672 متراً، كما حفر بئر في نهر ابراهيم على عمق 650 متراً. وبين عامي 1959 ـ 1960 قامت شركة بمسح زلزالي في مناطق الجنوب وشمال البقاع حيث حفر بئر في القاع على عمق 2557 متراً، كما حفر بئر في عدلون على عمق 2150 متراً وحفر آخر في يحمر وكذلك في تل ذنوب في البقاع الغربي العام 1963 على عمق 1421 متراً). وبعد اندلاع الحروب المركبة العام 1975 توقف التنقيب عن الغاز والنفط.

ثالثاً: الغاز والنفط في شرق المتوسط

في اواخر التسعينيات اكتشفت شركة «نوبل اينرجي» الاميركية حقل (ماري- ب) في المياه المحاذية للمياه الاقليمية لغزة، وبدأ انتاج الغاز العام 2004 بمعدل 138 مليون قدم مكعب يومياً. وفي كانون الثاني 2009 اكتشفت شركة «نوبل اينرجي» وشركات اسرائيلية حقل «تامار» الذي يبعد 90 كلم عن ساحل حيفا ويقدر احتياطه بنحو 8,4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وطاقته الانتاجية 200- 250 مليون قدم مكعب يومياً. هذا الحقل يبتعد 35 كلم جنوب المياه الاقليمية اللبنانية، ومن المتوقع ان يتم الانتاج في الفصل الأول من العام 2013. عمق الآبار 16880 قدماً في المياه واعماق الأرض وأثبتت الدراسات امتداد هذا الحقل الى المياه اللبنانية. وفي اواخر كانون الأول 2010 اكتشفت شركة «نوبل اينرجي» مع شركة «ديليك دريلنغ» الاسرائيلية حقل «ليفياتان» ويبعد 80 ميلاً من ساحل حيفا في اتجاه المياه القبرصية وقريباً من المياه اللبنانية. احتياط هذا الحقل 16 تريليون قدم مكعب مع احتمال وجود 1,2 مليار برميل من النفط على عمق 7200 متر، وضمن مساحة تقارب 325 كلم2.

الاشكال الكبير ان هذه الحقول المكتشفة تمتد ضمن الحدود البحرية للبنان وقبرص. وبينما طرحت قبرص منذ العام 2007 مناقصة للتنقيب، وقامت بتشريع معظم القوانين ووقعت اتفاقاً مع اسرائيل وآخر مع مصر، ودخلت مع لبنان في تفاوض لم يصل الى خواتيمه بسبب احتجاج تركيا باعتبار وجودها ضمن قبرص التركية، فان الحكومة اللبنانية تتأخر عن اسرائيل وقبرص في تطوير المصادر الهيدروكربونية في أراضي لبنان ومياهه الاقليمية! لقد دلت الدراسات التي قامت بها شركة «PGS النروجية» ـ لمساحة 21500 كلم2 من المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للبنان على وجود اكيد للغاز والنفط وذلك عامي 2007 و 2008. وتتركز هذه الثروة في المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية. وهناك خلاف بين لبنان واسرائيل على منطقة تقارب 850 كلم2.

رابعاً: أسئلة لا بد منها

1- اذا كان الخلاف على 850 كلم2 بيننا وبين اسرائيل فهل نعرف ما هي مساحة حقل الغاز والنفط؟ وكيف يمتد وباي اتجاه؟ وهل يتحرك جنوباً او شمالاً؟ وكيف سيتم الضخ الاسرائيلي من البئر؟ وهل يمكن الركون الى المصادر الإسرائيلية وحدها من اجل معرفة كمية النفط الموجودة؟ وكيف نحل الخلاف في النقطة الموجودة بين اسرائيل وقبرص ولبنان؟ وفي حال اصرار اسرائيل على موقفها هل نلجأ الى الوسائل الدبلوماسية ام الى غيرها من الوسائل؟ وماذا سيكون موقف الامم المتحدة وبخاصة اميركا؟

2- صحيح ان لبنان قام، بشكل احادي، بترسيم الحدود البحرية الجنوبية لمنطقة لبنان الاقتصادية، وارسلها الى الامانة العامة للأمم المتحدة في 14/7/2010. لكن السؤال المطروح: الا تستطيع اسرائيل ان تستعمل وسائل تقنية لاستخراج الغاز والنفط من المنطقة اللبنانية دون معرفة ذلك فوق سطح المياه؟

3- لماذا لا يسرع لبنان في تهيئة الكوادر البشرية المتخصصة من خلال فتح قسم البتروكيماويات في كلية الهندسة بالجامعة اللبنانية، وهو قسم موجود فقط على الورق؟ ولماذا لا يتم الاستعانة فوراً بفنيين وبإداريين اكفياء في وزارة الطاقة؟ ولماذا لا يتم اصدار جميع المراسيم والقوانين والتشريعات اللازمة في هذا القطاع؟ ولماذا لا تطرح مناقصات للانتقال الى الاستثمار؟

4- لماذا لا يتم تأهيل مصفاتي الزهراني وطرابلس فوراً، مع العلم ان ثمة عروض مغرية كثيرة للقيام بذلك من قبل دول اوروبية؟ وهل ان هناك معارضة لهذا الامر من قبل ايران مثلاً لكي تستمر بالتحكم بمضيق هرمز والنفط الذي يمر فيه ثلث الاستهلاك العالمي؟

5- ما هو دور اسرائيل التي تطور خط ايلات ـ عسقلان حيفا في عملية العرقلة (يضخ هذا الخط يومياً 3 مليون برميل نحو المتوسط)!

6- أليس اغراء قبرص بايصال 750 مليون متر مكعب من مياه النهر الذي يصب تحت المياه في خليج شكا، هو من الوسائل التي تؤدي الى التقارب بين لبنان وهذه الجزيرة؟

7- اليس من الواجب استطراداً ان يكون القرار اللبناني شجاعاً وحكيماً وموثقاً في التفاوض مع تركيا وسوريا وقبرص للحفاظ على تأمين مصالحنا النفطية؟

8- في مواجهة اطماع اسرائيل الاكيدة ليس فقط بالغاز والنفط، وانما بالمياه والارض، اليس الافضل ان نرتكز على الوحدة الوطنية وتقوية موقف الدولة والجيش ونوحد الشعب ونخفف من تأثير القوى الاقليمية ومفاعيل اموالها، خاصة وان الزلزال الحاصل في الداخل السوري لا يبدو انه سيتوقف في المدى المنظور، وانه سينعكس حتماً على كل الأصعدة على الوضع اللبناني والإقليمي عموماً.

ان الصراع على سوريا وفي سوريا لا يمكن ان نفصله عن الصراع على النفط والغاز ـ اضافة الى العوامل الكثيرة الأخرى ـ وافضل سلاح لنا كلبنانيين ان نأخذ العبر من كل ما عانيناه في السابق وان نحافظ على مصالحنا العليا، وان ندافع عن استقلال دولتنا وسيادتها في مواجهة كل الأخطار.

ان الديون التي ينوء شعبنا تحت وطأتها ـ وقد قاربت الستين مليار دولار ـ يمكن الأمل بتسديدها من هذه الثروة الوطنية الهامة. ولكن السؤال الجوهري: هل يحسن السياسيون الذين أوقعونا في هوة الدين، الدفاع عن هذه الثروة وحسن استغلالها لمصلحة الشعب والدولة ولتحقيق الإنماء المستدام والعدالة الاجتماعية، بدلا من العمل لتأمين مصالحهم الخاصة ومصالح ذرياتهم وأسيادهم الأقربين والأبعدين؟!