باحث في كلية طب وايل كورنيل في قطر يقطع مسافة 360 كيلومتراً جرياً عبر الصحراء

أتمَّ الدكتور جيرمي أراش رافي تبريزي، أستاذ الطب الوراثي المشارك بكلية طب وايل كورنيل في قطر، ماراثوناً استثنائياً قاطعاً مسافة 360 كيلومتراً عبر قطر من أجل نشر التوعية وتعزيز المعرفة بقضايا سرطان المرأة. وقد أمضى أربعة أيام في عبور الصحراء القطرية بظروفها القاسية، بمسافة تعادل ثماني مرات ونصف المرة مسافة الماراثون العادي.
انطلق الدكتور تبريزي من حرم كلية طب وايل كورنيل في قطر في المدينة التعليمية حيث سلك في مستهل مغامرته طريق الشمال وصولاً إلى الغويرية، قبل أن يغير وُجهته نحو الجنوب الغربي وصولاً إلى منطقة زكريت على الساحل الغربي لقطر. ثم أخذته مغامرته جنوباً إلى أن وصل على بُعد مسافة تناهز 30 كيلومتراً من الحدود القطرية - السعودية، ثم غيَّر مساره نحو الشمال الشرقي قاصداً العاصمة الدوحة عبر طريق سلوى، ووصل في نهاية رحلته إلى الكورنيش حيث استقبله أفراد عائلته وعدد من أصدقائه استقبال الأبطال.
وتحدث الدكتور تبريزي الذي ينصب اهتمامه على بحوث سرطان المِبْيَض وسرطان الثدي ويدير مختبر الخلايا الجذعية والبيئة الصُّغْريَّة في كلية طب وايل كورنيل في قطر، عن الحافز وراء تحدي الجري قائلاً: "يُنظر إلى السرطان في بلدان الشرق الأوسط كمحظور حتى أن كثيرات يخشين الخوض فيه ويحذرن الحديث عنه، وأردت من تحدي الجري أن أكسر هذا الحظر المفتعل الذي يجعل كثيرات ممَّن يخشين إصابتهن بالمرض يتردَّدن باستشارة أطبائهن بسبب ذلك، وأعتقد أن باستطاعتنا تغيير هذه الفكرة الخاطئة والنظرة النمطية في حال عرف الناس المزيد عن السرطان".
وتابع الدكتور تبريزي قائلاً: "وثمة اعتقاد سائد أن مجرد تشخيص إصابة المرء بالسرطان إنما هو بمثابة موت محتوم، وهذا الاعتقاد أبعد ما يكون عن الصواب. وبسبب هذا الاعتقاد والخشية التي رسخها في الأذهان، تُشَخَّص إصابة كثيرين بالسرطان في بلدان الشرق الأوسط في مرحلة متقدمة لتوانيهم عن مراجعة أطبائهم عند بدء ظهور أعراض مقلقة".
ويحاول الدكتور تبريزي طمأنة الكثيرين قائلاً: "ما أريد أن يعرفه الجميع أن السرطان، في حالات عديدة، ليس عصياً على العلاج، ومن تلك الحالات سرطان الثدي الذي يمكن الشفاء منه في كثير من الأحيان في حال إجراء العملية اللازمة مقرونة بالمعالجة الكيميائية في الوقت المناسب. لذا، أحثّ كل من يشعر أن ثمة خلل ما في جسمه ألا يخاف وأن يراجع طبيبه دون إبطاء للتحقق من الأمر. وأعتقد أن السرطان الذي يمكن أن يصيب المرأة يستحق اهتماماً أكبر نظراً للدور الكبير الذي تضطلع به المرأة في بلدان الشرق الأوسط، فهي عِماد أسرتها. وبتعبير آخر تعتمد عافية الأسرة ككل على صحة الأم".
قطع الدكتور تبريزي مسافة الماراثون منفرداً، بينما رافقته زوجته التي كانت تقود مركبة الدعم التي نقلت الطعام والشراب وتجهيزات أخرى. ونظم الدكتور تبريزي تحدي الجري بشكل مستقل وأطلق عليها اسم "تحدي الجري عبر قطر" QURE.
يُذكر أن الدكتور تبريزي أتمَّ عام 2012 سلسلة السباقات الرباعية السنوية Ultra Trail du Mont Blanc التي تجري بجبال الألب وتشمل مسارات جبلية عبر فرنسا وإيطاليا وسويسرا، غير أنه وصف تجربته في قطر بأنها مختلفة قائلاً: "الجري في الصحراء يمثل تحدياً ذهنياً. قد يظن البعض أن الجري في الصحراء أكثر انسيابية لأنها مستوية وخالية من التضاريس كالتلال وغيرها، غير أن المهمة كانت صعبة للغاية. فالصحراء خالية من المعالم التي قد تميّز موقعاً عن آخر، وموضعاً عن آخر، وهكذا كنت أشعر أنني أجري دون أن أقطع أي مسافة".
وأضاف تبريزي أن تحدي الجري تطلب عزيمة وهمة عاليتين وكان مناسبة لنشر رسالة التوعية بقضايا السرطان. وقال: "يحتاج مرضى السرطان إلى عزيمة راسخة للتغلُّب على المرض، فهُم يتحمسون أحياناً ويُحبطون أحياناً خلال مكافحتهم للسرطان، وهذا الشعور يشبه كثيراً شعور من يجري لفترة طويلة. كذلك ثمة أوجه شبه عديدة بين تحدي الجري وطريق البحث والدراسة التي علينا أن نقطعها في سعينا للتوصل إلى علاجات غير مسبوقة للسرطان وإرساء دعائم مجتمع المعرفة. ففي الحالتين، علينا أن نتحلى بالصبر والإرادة القوية، ونأمل أن نحقق في نهاية المطاف ما نتوق إليه بالمثابرة".
اعتاد الدكتور تبريزي الذي يعمل أيضاً طبيباً نسائياً وأخصائياً للأورام النسائية بمؤسسة حمد الطبية، أن يبدأ الجري خلال هذا التحدي بين الساعة الثالثة والرابعة صباحاً يومياً، وهو الوقت الذي تكون فيه درجة الحرارة في حدود 5 درجات مئوية، ترتفع تدريجياً لتبلغ ما بين 24 أو 25 درجة مئوية في منتصف اليوم. ويتذكر قائلاً: "لم تكن درجة الحرارة سيئة للغاية، ورغم ذلك واظبت على شُرب لتر من الماء كل ساعة إبان بلوغ درجة الحرارة ذروتها خلال النهار. وأتذكر أن الرياح كانت عاصفة ومثلت تحدياً بالنسبة لي أكثر من درجة الحرارة".
وكان الدكتور تبريزي يتوقف عن الجري مساء كل يوم بين الساعة السادسة والساعة الثامنة حيث ينصب خيمته . وعثر خلال جريه على كلب ضال من فئة السلوقي قام بإنقاذه ونقله إلى منزله، ويبحث اليوم عن شخص يتعهد بتبنيه.
وختم الدكتور تبريزي قائلاً: "كانت التجربة مضنية ولكن آمل أن تحقق الغاية المرجوة منها ألا وهي زيادة نسبة الوعي بأمراض السرطان التي تصيب النساء والإضاءة على البحوث التي نجريها في كلية طب وايل كورنيل في قطر، في ظل الدعم القوي الذي تلقاه البحوث العلمية في قطر، وآمل أن نستمر في هذا الزخم".
يُذكر أن كلية طب وايل كورنيل في قطر تأسست عام 2002 كفرع لكلية طب وايل كورنيل في الولايات المتحدة الأميركية. وتأسست المرافق البحثية للكلية عام 2008 وتتضمن اليوم 34 مختبراً علمياً فعالاً في بحوث الطب الحيوي حيث تجرى الدراسات على الصعد الأساسية والتطبيقية والمجتمعية، مع إيلاء الأولية لأكثر القضايا الصحية المُلِحَّة التي تواجه قطر والمنطقة عامة.
وتعليقاً على هذا الماراثون الاستثنائي، قال الدكتور خالد مشاقة العميد المشارك للبحوث في كلية طب وايل كورنيل في قطر: "قلَّما التقي زملاءَ بارعين ومتعددي المواهب مثل أراش، فهو باحث بارع وجراح متميز ومغرم برياضة الجري في آنٍ معاً. وقبل انطلاقته سألته عن الحافز وراء هذه المغامرة الصعبة، لم يُطِل وقال بإيجاز: تحفيز التوعية بأهمية بحوث الطب الحيوي وقضايا سرطان المرأة".
وتابع الدكتور مشاقة قائلاً: "انضم أراش إلى قسم البحوث في كلية طب وايل كورنيل في قطر قبل أكثر من خمسة أعوام كأحد أوائل الباحثين الذين استقطبتهم الكلية. وحينئذ لم يكن برنامج البحوث قد تحدَّدت معالمه بعد، حتى أن كثيرين اعتبروا قراره بالانضمام إلينا جريئاً تماماً مثل قرار الانطلاق بمغامرة الجري لمسافة 360 كيلومتراً. وفي الحالتين، أثبت أراش للمشككين أنهم هم المخطئون إذ أتم تحدي الجري وحقق برنامج البحوث الذي انضم إليه بالكلية النجاح المنشود. فقد أنجز مختبر أراش العديد من البحوث اللافتة في مجال السرطان والخلايا الجذعية، ناهيك عن البحوث المنشورة. كذلك لم يتوان أراش عن تقديم الرعاية الطبية للمصابات بالسرطان. ويتطلب كل ذلك العزيمة التي تُعين صاحبها على التغلُّب على الصعاب مهما بلغت. وفي هذا الإطار، يجسد أراش رؤية وعزيمة برنامج البحوث في كلية طب وايل كورنيل في قطر".
خلفية عامة
وايل كورنيل للطب - قطر
تأسست وايل كورنيل للطب - قطر من خلال شراكة قائمة بين جامعة كورنيل ومؤسسة قطر، وتقدم برنامجاً تعليمياً متكاملاً مدته ست سنوات يحصل من بعدها الطالب على شهادة دكتور من جامعة كورنيل. يتمّ التدريس من قبل هيئة تدريسية تابعة لجامعة كورنيل ومن بينهم أطباء معتمدين من قبل كورنيل في كل من مؤسسة حمد الطبية، مستشفى سبيتار لجراحة العظام والطب الرياضي، مؤسسة الرعاية الصحية، مركز الأم والجنين وسدرة للطب. تسعى وايل كورنيل للطب - قطر إلى بناء الأسس المتينة والمستدامة في بحوث الطب الحيوي وذلك من خلال البحوث التي تقوم بها على صعيد العلوم الأساسية والبحوث الإكلينيكية. كذلك تسعى إلى تأمين أرفع مستوى من التعليم الطبي لطلابها، بهدف تحسين وتعزيز مستوى الرعاية الصحية للأجيال المقبلة وتقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية للمواطنين للقطريين وللمقيمين في قطر على حدّ سواء.