شكل توسع تنظيم 'داعش' ووصوله إلى مشارف أربيل واحدة من أعقد وأخطر مرحلة واجهها الأكراد منذ سقوط النظام العراقي السابق، في حين كان الإقليم الكردي يواجه أزمة اقتصادية خانقة ناجمة عن خلافاته مع الحكومة حول إدارة النفط، والالتزامات المترتبة على كل جانب.
قبل ظهور 'داعش'، وتحديدا في شباط (فبراير)، بلغت الخلافات بين بغداد وأربيل مرحلة غير مسبوقة إثر قرار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قطع حصة الإقليم من الموازنة في ضوء إصرار الأخير على تصدير النفط بقرار 'فردي'، سبقتها تهديدات للقادة الأكراد، خصوصا رئيس الإقليم مسعود بارزاني بطرح خيار الاستقلال على الاستفتاء.
هذه الخطوة أربكت الحركة الاقتصادية في الإقليم الذي اختيرت عاصمته أربيل عاصمة للسياحة العربية، بعد استقرار اقتصادي وأمني دام سنوات، وأفرز هذا الإرباك أزمة في السيولة النقدية وتأخيرا في دفع رواتب الموظفين، على رغم بيع نحو 13 شحنة، تقدر كل شحنة بمليون برميل.
بعد أشهر من الشد والجذب وغياب مفاتيح الحل، واجه الأكراد عدوا غير تقليدي تمثل في سيطرة تنظيم 'داعش' على مدينة الموصل في 9 حزيران (يونيو) إثر انسحاب الجيش وتسلم 'البيشمركة' المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك.
قراءة الأكراد للمشهد كانت أن 'داعش' لن 'يغامر' في تجاوز حدود المدن العربية، تدعمها قناعة بحصن الإقليم المنيع وخبرة الأكراد القتالية وبقاؤهم في موضع الدفاع من دون تدخل، كما أن بارزاني أعلن 'انتهاء العمل' بالمادة 140 الخاصة بحسم مصير المناطق المتنازع عليها مع بغداد، لكن الأكراد تلقوا صدمة في مطلع آب (أغسطس) مع زحف داعش نحو مدنهم انطلاقا من قضاء سنجار في غرب الموصل وصولا إلى مشارف أربيل.
المخاطر التي شكلها اقتراب 'داعش' من أربيل على المصالح الغربية كسرت الصمت الأميركي فقرر الرئيس باراك أوباما التدخل وتوجيه ضربات جوية إلى التنظيم، وتشكل تحالف غربي وأرسل دعما لوجستيا إلى 'البيشمركة' التي تمكنت من استعادة السيطرة على معظم المناطق التي خسرتها باستثناء مناطق سهل نينوى.
توقيت التدخل الأميركي تزامن مع قلق ساد أربيل وبغداد من وقوعهما في مرمى نيران 'داعش'، ما أجبر الطرفين على الرضوخ للشروط والضغوطات في تقديم تنازلات متبادلة للإسراع في تشكيل حكومة ائتلافية موسعة وطرح مرشح توافقي لرئاسة الحكومة خلفا لنوري المالكي.
وأقر معظم السياسيين العراقيين والأكراد بأن ظهور 'داعش' شكل نقطة تحول دفعت الأفرقاء السياسيين إلى نبذ الخلافات والتوصل إلى تسوية متوازنة في تشكيل الحكومة الجديدة التي توجت بتكليف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم حيدر العبادي رئاستها في منتصف آب (أغسطس)، عقب اتفاق مع الأكراد الذين أمهلوا العبادي مدة ثلاثة أشهر لتحقيق تعهده صرف موازنة الإقليم وحل الخلافات النفطية.
في مطلع كانون الأول (ديسمبر)، خاض وفد كردي برئاسة رئيس حكومة نيجيرفان بارزاني مفاوضات في بغداد دامت يومين، توجت باتفاق مرحلي يلتزم بموجبه الإقليم تصدير 250 ألف برميل من النفط يوميا فضلا عن 300 ألف برميل من كركوك، عبر أنابيبه باتجاه تركيا بإشراف الحكومة، مقابل صرف حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية البالغة 17 في المئة، وتخصيص نسبة من موازنة الجيش الاتحادي لقوات 'البيشمركة'.
ويقول مسؤولون أكراد إن 'تراجع أسعار النفط عالميا، كان المحفز الرئيسي للجوء بغداد إليهم بغية رفع حجم صادرات البلاد، وسيمتد الاتفاق الذي لقي ترحيبا أميركيا من ستة أشهر إلى نحو عام على أن يخضع لاحقا لتعديلات تمهيدا لإقرار قانون النفط والغاز.
ومع نهاية عام 2014 يكون الأكراد قد تجاوزوا مرحلة مهمة في تحديد العلاقة مع بغداد، إلا أنهم يتوقعون صعوبات في انتزاع مزيد من الصلاحيات من المركز، كما سيواجهون ظروفا إقليمية ودولية في المضي في الاستفتاء على الاستقلال، ناهيك عن خلافاتهم الداخلية.
اقرأ أيضاً: