هل شاهدت إعلان 'علبة البيض الذكية' ? التي تتناول جهازا يرسل تنبيها إلى هاتفك الجوال ليعلمك بعدد البيض المتبقي داخل ثلاجتك؟ هل رأيت يوما غسالة أو مكيفا يمكن التحكم بهما من بعد؟ هل سمعت ب'نظارة غوغل'؟ إنه 'إنترنت الأشياء' كما تتخيله فئة واسعة من الرأي العام اليوم. إنها قدرة الآلات والأشياء على نقل البيانات حين يتم استخدامها.
غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إن التكنولوجيات الجديدة والقدرة على جمع عدد كبير من البيانات الرقمية التي تنشئها الآلات لن يسمحا لنا باستخدام المنتجات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية في شكل مختلف فحسب، بل سيخولاننا أيضا التخطيط ومراقبة أنماط الإنتاج والاستهلاك بطريقة جديدة كليا ودقيقة جدا. ويعتبر البعض أن هذا هو التطور الكبير الآتي ويذهبون إلى حد تسميته 'الثورة الصناعية الثالثة'.
وسيكون لهذه الثورة التكنولوجية الجديدة تأثير كبير على الاقتصاد، إذ إنها ستزيد الإنتاجية وتقلص التكاليف، مثل النقل والتخزين واستهلاك الطاقة. وستقوم أجهزة الاستشعار بضبط التدفئة الداخلية، والتبريد والمكيفات الهوائية. ولن يعود هناك مكان لتبديد الموارد الاقتصادية، وبالتالي، ستتراجع تكاليف الإنتاج. وأعلن مدير شركة 'سيسكو سيستمز' الذي يعمل منذ وقت طويل على تطوير الأنظمة قائلا 'إنه عصر إنترنت كل الأشياء'.
سبق أن أصبح مفهوم 'إنترنت الأشياء' حقيقة. وأقدمت 'الخطوط الجوية البريطانية' على اختبار بطانيات منسوجة من ألياف بصرية، تحتوي على أجهزة استشعار يتغير لونها إلى الأحمر حين يشعر المسافرون بالقلق، وإلى الأزرق حين يشعرون بالراحة، أو تشمل أجهزة استشعار تنقل معدل ضغط الدم أو مستويات السكر لدى مرضى السكري إلى حاسوب الطبيب مباشرة. كما لجأ قطاع الألبسة إلى استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة في أنواع الملابس على اختلافها، بدءا بالكنزات، ووصولا إلى الجوارب التي تنقل بيانات حول دقات القلب، أو حرارة الجسم أو النشاط الجسدي.
وعام 2007، تم وصل عشرة ملايين جهاز استشعار بالإنترنت. وقد يصل عدد هذه الأجهزة إلى مئة تريليون عام 2030 إن بقي النمو مستمرا بوتيرته الحالية. وأشارت مجلة 'وايرد' إلى أن عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت (كالحواسيب أو الهواتف الذكية)، الذي قدر عام 2010 ب12.5 بليون جهاز، سيصل إلى 25 بليونا بحلول العام 2015، ويتراوح بين 50 بليونا ومئة بليون جهاز عام 2020.
وسيكون التأثير الاقتصادي لهذا القطاع السريع النمو كبيرا، وسيجلب مكاسب هائلة للشركات الرائدة في هذا المجال، إذ تشير التقديرات إلى أن حجم السوق لهذه الصناعة الغريبة سيراوح بين 14 تريليونا و19 تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة.
وستعيد الثورة الرقمية المقبلة تحديد علاقتنا بالآلات، وببعضنا أيضا. وقريبا، ستتواصل الآلات في ما بينها في شكل مستقل وسترتفع أعداد الآلات التي تستخدم الإنترنت من أجل تبادل البيانات بكثير عن البشر القائمين بذلك. ويخبرنا جهابذة التكنولوجيا أن تكنولوجيات ونماذج أعمال جديدة ستبرز بعد وقت قصير من الآن. وقريبا، سيكون ذكاء الحاسوب بمستويات تفوق ذكاء البشر، ويزداد اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي يوما بعد يوم.
اتصال واسع بشبكة الإنترنت
سبق أن ظهرت سيارات مزودة أجهزة استشعار. وسيحفظ حاسوب سيارتك أدق المعلومات، بدءا بالمرآة وطريقة ضبط المقعد، وصولا إلى الطريق الذي تسلكه والمكان الذي تتوقف فيه لملء الوقود والتبضع. ويعني ذلك أن الحكومة والشركات المتعددة الجنسية باتت تعرف عاداتك وأذواقك، وتحركاتك هي التالية.
إلا أن هذا الابتكار التكنولوجي يأتي مرفقا بمشاكل جديدة. وتكمن المشكلة الأولى في كون التواصل بين كل 'الأشياء' لا يتم باستعمال اللغة الرقمية نفسها. وبالتالي، يعد غياب التجانس سببا لمشكلة. أما المشكلة الأخرى، فهي التحكم بالارتفاع الهائل في حجم التواصل، ومحدودية المساحة المخصصة لعناوين بروتوكولات الإنترنت ضمن الإصدار الرابع من بروتوكول الإنترنت 'آي بي في 4'. وبالتالي، ينبغي التعجيل في وتيرة الانتقال إلى الإصدار السادس من بروتوكول الإنترنت، 'آي بي في 6'، الأوسع نطاقا.
ولكن يجدر التنبيه إلى أسئلة أخرى تطرح نفسها، وتعتري طابعا أساسيا أكبر ومن بينها: من الذي يسيطر على التكنولوجيا الجديدة وكيف يتم الإفادة منها؟
سيكون البشر الذين يعيشون في المراكز المتمدنة محاطين بأغراض يمكن تتبعها، ويتراوح عددها بين الألف والخمسة آلاف غرض. وقد أشار خبير في التكنولوجيا إلى أن مفهوم 'إنترنت الأشياء' ليس على صلة بالأشياء، إنما بالبيانات الرخيصة.
ويكفي أن تفكر في جميع المعلومات الشخصية ? المتناقلة عبر أجهزتك الشخصية ? التي قد تصل إلى الأيدي الخطأ، على غرار محترفي القرصنة الذين يستخدمون المعلومات لسرقتك، أو في البيانات التي قد تصبح في متناول أسوأ المجرمين الذين سيتحكمون من بعد بمفاتيح سيارتك أو منزلك. وكذلك، ستحصل الحكومة والشركات على هذه المعلومات بأي طريقة ممكنة، بما أنها باتت قادرة اليوم على النفاذ إلى اتصالاتك الخاصة. إلا أننا نبدي، مع ذلك، استعدادا لدفع ثمن الراحة القليلة والرضا اللذين نحصل عليهما في عاداتنا الاستهلاكية.
أنت مراقب من البيانات الضخمة. ولعلنا لا نعيش في عالم جورج أورويل، بل أكثر بين سطور رواية 'عالم جديد وشجاع' للكاتب ألدوس هكسلي، حيث نعيش مراقبين ومحكومين من أنماطنا الاستهلاكية.
اقرأ أيضاً: