ناصر اليحمدي
من يحاول قراءة المشهد الذي تمر به أمتنا العربية في الوقت الحالي سيتبادر إلى ذهنه على الفور الحديث النبوي الشريف «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها» وكأن رسولنا الكريم استشعر ما ستتعرض له أمته من فتن هدفها في المقام الأول القضاء على وحدة المسلمين وتماسكهم والمحبة التي تجمعهم وصدق الله العظيم حين قال «الفتنة أشد من القتل».
لقد نجح من يريد زرع الفتنة بين المسلمين في اختيار نقطة ضعف الأمة والتي كانت في يوم من الأيام منطلق قوتها .. ألا وهي التعدد المذهبي الذي قلما تجد قوما يتميزون به ويتعايشون مع بعضهم البعض دون صراع أو تناحر أو أضعف الإيمان كراهية تملأ القلوب .. فتعدد المذاهب في الإسلام منحه الثراء الفكري طالما جميعها تدعو إلى الإيمان بإله واحد ، واتسم المجتمع المسلم بأنه كالبنيان يشد بعضه بعضا وعاش المسلمون كالجسد الواحد في توادهم وتراحمهم رغم اختلاف أعضاء وأجزاء الجسد في الوظيفة والشكل فهم في النهاية نسيج واحد وقلب واحد يعمره الإيمان إذا اشتكى أي منهم تداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمى .. أما ما يحدث الآن فإن بعض أعضاء هذا الجسد أعمت أبصارها الفتنة وأصمت آذانها وتسعى لاستقطاع أعضاء أخرى من الجسد وهي لا تدري بذلك أنها تقضي على الجسد ككل.
إن الصراع تحت مبرر اختلاف المذاهب ضربة قاصمة لقلب الأمة .. وتزايد الكراهية وتكفير المجتمع دليل على الانحراف الفكري الذي بدأ ينتشر بين الشباب وإلا كيف لمسلم أن يفكر في تفجير بيت من بيوت الله يذكر فيها اسمه ليقتل مسلمين صائمين حتى ولو اختلفوا معه في المذهب أو الفكر ؟!.
لا شك أن العالم العربي والإسلامي بحاجة ماسة لاستعادة وحدته ونبذ كل ما يؤدي إلى تمزقه وتشتته ولا يكفي أبدا التنديد والشجب والاستنكار بل لابد من اتخاذ خطوات فعلية لتطهير العقول والألباب المنحرفة من القنابل التي زرعتها فيها تنظيمات متطرفة تسعى للقضاء على الأمة بحجة الحفاظ على الدين.
السؤال الذي يفرض نفسه .. لماذا ظهر على السطح الاهتمام بقضية المذهبية في هذا التوقيت بالذات ؟
بالتأكيد لأنها الطريقة المثلى التي تؤدي إلى تفتت المجتمع وتفككه باستهداف الداخل وأن يهدم المجتمع نفسه بأيدي أهله وهذا ما يسعى إليه أعداء الأمة .. لذلك لابد من إعادة صياغة المفاهيم واستعادة تقبل مذهب الآخر والتعايش مع المختلف فكريا على أن يتم ذلك بطريقة عملية وحقيقية وليست دعائية.
لقد قدمت السلطنة النموذج المثالي للدولة التي يعيش أهلها بسلام وود واحترام وهذا ما يجب أن تحتذي به جميع دول العالم خاصة الإسلامي فيثوب أهله إلى رشدهم ويقلبون صفحات التاريخ لينظروا كيف كانوا يعيشون في استقرار وأمن ثم يقتدون بما فعله السلف الصالح من تقبل اختلاف أبناء الشعب الواحد ويتجاوزون حواراتهم العقيمة التي تعمق الخلافات فيما بينهم وينفضون عنهم غبار الفرقة الذي أعمى أعينهم وجعلهم لا يرون إلى أين تسير أمتهم.
إن الأمر لم يعد يتعلق بمؤامرة خارجية فقط لأن ما يحدث بالداخل أشد خطرا من تلك المؤامرات .. وعلينا أولا أن نعيد ترتيب البيت من الداخل وتقويمه كي يستطيع أهله مقاومة تلك المؤامرات الخارجية والبداية هنا تكون من البيت والمدرسة فيتم تبصير الأبناء بمبادئ الإسلام الصحيحة وغرس مفاهيم الوحدة الوطنية في نفوسهم وتربيتهم على حب الوطن وتقبل الآخر المختلف دينيا ومذهبيا حتى لا نعطي فرصة لأي مخططات خبيثة لتغيير تلك المفاهيم وعمل غسيل لأدمغة أبنائنا واستقطابهم نحو الفكر المنحرف .. فديننا لم يأمرنا قط بالقتل أو تكفير غيرنا بل إن عباءة الشريعة واسعة وتتسع للجميع والله سبحانه وتعالى هو من يحاسب الإنسان على عقيدته وعمله .. المهم أن ندع الخلق للخالق ونعيش كما أمرنا الله في سلام ومودة كي نستحق أن نكون خير أمة أخرجت للناس.
الشعوب الخليجية كل لا يتجزأ
في مواجهة الإرهاب
اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي الطارئ الذي عقد مؤخرا في الكويت أكد بما لا يدع مجالا للشك أن بيتنا الخليجي بحكوماته وشعوبه على قلب رجل واحد ولا يمكن أن ينجح دعاة الفتنة في بث بذور الفرقة بين المواطنين وأن المجتمعات الخليجية بعيدة كل البعد عن الانسياق وراء دعوات التطرف والتشدد والانقسام المذهبي والطائفي.
لقد شدد أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية على ضرورة مواجهة الأعمال الإجرامية التي تتنافى مع قيم الدين السمحة ومبادئه السامية التي تنبذ العنف والتخريب والدمار وتحرم قتل النفس إلا بالحق وتدعو إلى التسامح والسلام والوسطية .. إلى جانب إدانتهم الشديدة للأعمال الإرهابية التي تستهدف استقرار الشعوب الخليجية خاصة تلك التي لا تراعي حرمة للمساجد أو أمن الآمنين أو حتى إنسانية البشر مثلما حدث بدور العبادة في كل من مدينتي الدمام والقديح بالمملكة العربية السعودية ومسجد الصادق بالكويت والأعمال الإرهابية في البحرين إلى جانب استهداف موكب إغاثي من دولة الامارات العربية المتحدة بالصومال وغير ذلك من الأعمال التخريبية البشعة التي تسقط الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم قالوا «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
الجميل أن وزراء الداخلية وصفوا أمن وسلامة المجتمعات الخليجية بأنها «كل لا يتجزأ» وهذا ما يجب أن يشعر به كل مواطن يعيش في المنطقة حتى لا تسول له نفسه الانجرار وراء دعوات الفتنة الطائفية والمذهبية .. فجميعنا يد واحدة في مواجهة الإرهاب الأسود .. لذلك لابد من تفعيل القرار الذي صدر عن هذا الاجتماع الخاص بضرورة تكثيف العمل الأمني المشترك بين دول المجلس بما يعزز الأمن والاستقرار فيها .. فما يحدث من محاولة لزعزعة استقرار وأمن المجتمعات الخليجية بات واضحا بل من الممكن أن نتعرف بسهولة عمن وراءه لذلك ينبغي أن تواجه هذه المحاولات بكل صرامة وشدة وحزم قبل أن تراق المزيد من الدماء الزكية البريئة .. فالأمر لم يعد يحتمل التأجيل أو التسويف لأننا لا نعلم في أي دولة خليجية ستكون القنبلة القادمة التي تستهدف وحدتها في مقتل.
لا شك أن الدعوة التي وجهها أصحاب السمو والمعالي إلى الشباب جديرة بالاهتمام وتتطلب تكثيفا توعويا باليقظة وعدم الانسياق وراء الأفكار الهدامة ومن يروج لها وتغليب المصلحة الوطنية العليا .. إلا أنني أرى أن هذه اليقظة لا يجب أن يتحلى بها الشباب فقط بل كل فرد مسئول في الدولة سواء في الحكومة أو المدرسة أو الجامعات أو رب الأسرة أو الإمام على المنبر وغيرهم .. فيجب أن يتابع كل منهم مقدار ما يتأثر به الشباب الذين يتواجدون حوله من أفكار منحرفة لا تمت لديننا الحنيف بصلة خاصة في ظل انفتاح الشباب بجميع أعمارهم على الشبكة العنكبوتية الدولية التي يستقون منها في الغالب الأعم أفكارهم ومبادئهم.
كذلك شدد وزراء الداخلية على أن تقوم وسائل الإعلام بدورها التنويري المنوط بها فتوضح الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل الوسطي وتبصير جميع فئات المجتمع بخطأ الأفكار المغلوطة التي يتمسكون بها والتأكيد على مبدأ الوحدة الوطنية وضرورة الحفاظ على النسيج الوطني الواحد والتعايش الإنساني المبني على السلام والمحبة والود بين جميع المواطنين.
إن دعوات الفتنة تحيط بنا من كل صوب وحدب ويجب أن نتكاتف جميعا للوقوف في وجهها لأن في الاتحاد قوة وفي الفرقة ضعف ونحن نريد خليجا قويا تهابه التنظيمات الإرهابية ولا تجرؤ على التفكير في إيذائه.
وفق الله قادة دول المجلس لما فيه خير شعوبهم وأمتهم وسدد على طريق الخير خطاهم وأعانهم على تحقيق الأمن والاستقرار لأهل البيت الكبير .. إنه نعم المولى ونعم المجيب.
آخر كلام
لابد أحياناً من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرون.
اقرأ أيضاً: