تحت وطأة ضغوط الشارع، بدأت حكومة نتانياهو تطبيق قرارها بإبعاد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في اسرائيل، في تحول عن سياسة التسامح ان لم يكن الترحيب التي كانت تتعامل بها البلاد مع المتسللين عبر الحدود الصحراوية مع مصر، فمنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية على نظام مبارك، وقوات حرس الحدود الاسرائيلي تسهل عملية دخول المتسللين الأفارقة وخاصة القادمين من السودان الى اسرائيل، في اجراء كان يحظى بتغطية اعلامية ايجابية وربما مقصودة، غير أن تعاظم أعداد هؤلاء بدأ يجلب النقمة عليهم في الفترة الأخيرة حيث تحول وجودهم في اسرائيل الى عبء أمني واجتماعي يضيق به الاسرائيليون على المستويين الشعبي والرسمي.
غير أن الممارسات التي صاحبت تظاهرات الاحتجاج التي نظمها الاسرائيليون ضد تواجد المهاجرين السود، من مهاجمة هؤلاء بالعصي والسكاكين والسلاسل، والشعارات التي رفعها البعض، وانسحاب هذه التصرفات على فئات عمرية متباينة بما فيها الأطفال اضفت بعداً عنصرياً على حركة الاحتجاج هذه. فخلال تجمع جماهيري شهدته ضواحي تل ابيب الجنوبية، وقف طفل لا يتعدى السنوات الثماني الى جانب والدته الفرنسية الأصل على شرفة شقة العائلة المطلة على الميدان في الأسفل وهو يهز قبضته مقلداً المتظاهرين، في حين كان صبي آخر في العاشرة من العمر يصدر أصواتاً يقلد فيها أصوات الحيوانات باتجاه مجموعة من السود كانوا يمرون في المكان وهو لا يعلم بأن هؤلاء من اليهود الاثيوبيين.
في هذه الاثناء كان باروخ بارزيل، المستوطن القادم من الخليل في الضفة الغربية، يوزع منشورات تعرض على المتظاهرين المشاركة في دورات تدريبية مجانية للدفاع عن النفس في حال التعرض لتحرشات من المهاجرين. وغير بعيد كان أحدهم يحمل راية نقشت عليها عبارة: «جميعنا كاهانا»، في اشارة الى الحاخام مائيير كاهانا، الذي كان من أشد المتحمسين لطرد غيراليهود من اسرائيل والأراضي المحتلة. أما الشعار الأكثر تردداً في مهرجان تل أبيب فكان «هذا هو وطننا الوحيد ولا نملك سواه». ينظر الاسرائيليون من كافة المواقع والانتماءات السياسية والطبقية، الى وجود ما لا يقل عن 60 ألف مهاجر افريقي بين ظهرانيهم، باعتباره مصدر تهديد أمني واجتماعي داهم، الأمر الذي بدأ ينعكس في تصاعد وتيرة الهجمات التي يتعرض لها المهاجرون، ويبدو ان العديد من الساسة ووسائل الاعلام في اسرائيل يعملون على تغذية المشاعر العنصرية تجاه المهاجرين.
فهذا رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يعلن قبل أيام أمام مؤتمر لكبار الضباط العسكريين والأمنيين المتقاعدين، بأن المهاجرين الأفارقة يشكلون مصدر تهديد أمني للدولة والمجتمع، ويهددون بالإخلال بالتركيبة السكانية في بلد يحرص على الظهور أمام العالم باعتباره دولة يهودية الطابع. غير أن تحذيرات نتانياهو من خطورة المهاجرين تتضاءل أمام نظرة أعضاء حكومته أمثال وزير الداخلية ايلي ييشاي، وهو حاخام ينتمي الى حزب شاس الديني الذي يمثل اليهود الشرقيين، الى هؤلاء الغرباء، حيث يتحدث ييشاي عن «الحاجة الى تحويل القواعد العسكرية الى سجون مفتوحة لاستقبال كافة المتسللين بدون استثناء».
وفي حديث له مع صحيفة معارييف مؤخراً قال الوزير الحاخام «سيتمكن المتسللون من الوصول الى أرض الميعاد الا أنهم لن يشاهدوها سوى من وراء القضبان». ولم ينس ييشاي توجيه اتهامات للمهاجرين باغتصاب اليهوديات ونشر الايدز في المجتمع الاسرائيلي، وهي تهمة يدحضها الاطباء الاسرائيليون الذين يتابعون الأوضاع الصحية للمهاجرين، حيث يؤكد هؤلاء بأن 99.5% من حالات الايدز المسجلة في المجتمع الاسرائيلي، تم التقاطها من مصادر اخرى غير المهاجرين. ويرى هؤلاء بأن اتهامات الوزير ييشاي يقصد منها نشر مشاعر الخوف والكراهية.
ومن جانبهم يضم العديد من كبار المسؤولين الاسرائيليين أصواتهم الى الحملة المناهضة للمهاجرين. وكما يقول جيورا ايلاند، المستشار السابق للأمن القومي، فإن معظم الاسرائيليين ينظرون الى المهاجرين من زاوية أمنية بحتة، ويعتبرونهم مصدر التهديد الأعظم للدولة والمجتمع. فهم موجودون بين ظهرانيهم وأمام أعينهم على عكس التهديد النووي الايراني. بل ان أحد أعضاء الكنيست البارزين يطالب الحكومة باصدار تعليماتها للجيش بإطلاق الرصاص على المتسللين بدون سابق انذار. أما الأكاديمي والمعلق السياسي الشهير غاي بيتشور، فيصف وجود المهاجرين بـ «الوباء».