قبل عدة أسابيع؛ نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقالا تناولت فيه ظاهرة تحوّل مدينة "مكة المكرمة" من منشأ للديانة الإسلامية ومقصدٍ تقليدي لأداء فريضة الحج عند المسلمين إلى مدينة أخرى عصرية وحديثة ومخصصة للأثرياء أيضا.
بحسب الصحيفة؛ فإن كلا من المدينتين المقدستين (مكة والمدينة المنورة) تتعرضان لخطر التحول من معالم وأماكن روحية مخصصة للعبادة إلى مواقع سياحية يؤمها سياحٌ متدينون وأغنياء كذلك. حيث سلطت الصحيفة الضوء على عمليات الهدم التي تقوم بها السلطات السعودية في الأماكن والمواقع الأثرية في مكة -والتي يعود بعضها إلى زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم- بحجة توسيع الحرم وتسهيل الحج والعبادة على ضيوف بيت الله الحرام.
إلى هنا يبدو الأمر وكأن السلطات السعودية تقوم بما ما من شأنه خدمة الحجيج والمعتمرين الذين يتوافدون لزيارة الأماكن المقدسة بهدف منحهم تجربةً روحيةً لا تُنسى برغم الاعتراضات المتناثرة على إزالة مواقع أثرية لا يمكن إغفال أهميتها التاريخية والدينية في نفوس المسلمين. إلا أن بعض التغريدات التي انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي توبتر توحي بأن للقصة جانبًا آخر قلَّ أن ينتبه إليه أحد.
أبو البركات الريفي، مغربي يغرد على حسابه الخاص الذي يحمل اسم aborifi@ في موقع تويتر للتواصل الاجتماعي. قبل أيام كشف الريفي عن تطور حكاية عمليات التطوير في مكة كما يراها من منظوره الخاص وهو الأمر الذي وصفه الريفي بـ" عملية تجديد فريضة الحج". في سلسلة من التغريدات التي بدأها على الموقع؛ أبدى الريفي احتجاجه على الهدم الذي تتطلبه عملية توسيع الحرم المكي مذكرًا بأن العبادة ليست بحاجة إلى عمارات شاهقة أو مولات فارهة.
وفي السياق؛ يذكر بأن النجمة لأمريكية باريس هيلتون والمعروفة بفضائحها الإباحية قد واجهت اعتراضات شديدة قبل أيام بسبب افتتاح المتجر الخامس من سلسلة المحلات التي تحمل اسمها في إحدى المولات بمدينة مكة المكرمة). وتابع الريفي قائلا بأن عمليات التوسيع التي جلبت النفع على مجموعة شركات بن لادن (وهي المجموعة السعودية العملاقة المتخصصة في مشاريع إعمار الحرم المكي) تصب كذلك في مصلحة العائلة السعودية الحاكمة.
ووفقا لهذا المصدر؛ فإن المملكة تسعى للتخلص من أي مطالبة قانونية بالأراضي المقدسة تاريخيا، وهي بذلك تتعدى على الإرث الديني للمسلمين. ذلك أن الصراع الآن قائم بين العائلة المالكة في السعودية وبين المسلمين من ورثة هذه الأراضي المقدسة وفقا لحكم الشريعة الإسلامية أو ما يعرف بـ"نظام الوقف في الإسلام". وتجني الأوقاف المليارات من الأرباح التي تعود ملكيتها بالأصل للحجاج حيث تشهد الوثائق بأن الاراضي التي تقع في ضمن حدود مكة المكرمة مملوكة لعامة الناس و"للمسلمين" وليست ملكًا للدولة. وتاريخيًا؛ تم تقسيم هذه الأراضي كـ"وقف" للحجاج من مختلف البلاد وتوزيعها بما يتوافق مع مبدأ العدالة الذي حث عليه الإسلام وكما أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ويرد المغرد المغربي على الحجج الداعية إلى توسعة الحرم بسبب أزمة الحجيج بأن أزمة الطواف حول الكعبة قد حُلّت عن طريق بناء طوابق عدة يرتادها الحجاج والمعتمرون ولذا فإن أي توسع عمودي -في رأيه- مثل بناء الأبراج الشاهقة هو نابع من الجشع وليس الحاجة الفعلية إلى خدمة زائري بيت الله الحرام.
وبحجة توسيع المسجد الحرام؛ يتم التخلص من التاريخ والقضاء على معالم الحجاز في آن معا. فهذا يمكِّن المملكة من الاستفراد بالتراث الإسلامي في الحرم المكي والتخلص من عبء المطالبين بحقوقهم فيه سواء أكانوا من أصحاب الأوقاف الذي وقفت عليهم الأراضي أو كما هو حال الهاشميين الذين حكموا الحجاز قبل أن يصيروا ملوكًا على الأردن. وهكذا تمت إزالة معالم تاريخية هامة مثل المنزل الذي ولد فيه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بحجة التوسعة التي لا حاجة إليها في رأي الريفي.
ويستكمل المغرد الغاضب الحديث بالقول بأن التوسعة يجب أن تنال من منى وعرفات والمزدلفة حيث أن هذه الأماكن تشهد ازدحاما لا يوصف في زمن الحج؛ وهناك يتمركز الحجاج ويتدافعون. إلا أن مشروع التوسعة لا يشمل هذه المناطق التي يتجمع بها الحجاج وبدلًا من ذلك فإن التركيز ينصب على مكة والمدينة فقط.
وفي تطور جديد يضاف إلى الجدل الدائر بخصوص أعمال التوسعة في الحرم المكي، أوردت صحيفة الحياة خبرا عن الاعتراضات الحالية على إزالة الرواق العثماني (وهو عباسي العمارة بالأساس) والتي أحدثت مدًا وجذبًا بين المغردين على موقع تويتر، إلا أن المدون السعودي أشرف الفقيه قد أبدى امتعاضه من عمليات الهدم قائلا:
"عموماً فقد تأخر الوقت لإنقاذ الرواق، لكن مهما كانت وجهة نظرك فيهمني أن تعرف بأن المسألة أكبر من تاريخ الحرم المعماري وأكبر من شرف خدمة الحجيج. المسألة متعلقة بتاريخ الأمة، بأجيال تُقطع علاقتها ببيئتها، وبمخطط تدميري لا نفتأ نعايش فصوله في الحجاز منذ عقود".
وعودة إلى المغرد المغربي أبو البركات الريفي، فقد ختم حديثه بالإشارة إلى أنه إن لم يكن هدم القبور والبيوت ذات التراث الإسلامي ذا أهمية تذكر فلم لا تطال عمليات الهدم القصر الملكي ذا الجدار العريض الملتصق بالحرم؟؛ أم أن التوسعة يجب أن لا تمتد إلى أملاك عائلة آل سعود الحاكمة في المملكة؟.