كشف الكاتب والصحافي سلام الشماع، جوانب خفية من حياة عالم الاجتماع الابرز علي الوردي، خاصة علاقته مع نظام الرئيس السابق صدام حسين، نافياً بشكل قاطع كل الروايات التي تحدثت عن اعتقاله او حبسه.
وقال الشماع في حوار مع الصحفية باهرة الشيخلي، بمناسبة مرور قرن وعام على ولادة الوردي، ان الدولة العراقية أيام الرئيس الراحل كانت تهاب الوردي، والدليل على ذلك محاضرة الوردي الصاعقة في منتدى امانة العاصمة، بعد أحداث الربع الاول من عام 1991، والتي أصابت محبيّه بالرعب وأطلقوا عليها اسم (قنبلة الوردي الانتحارية). وفق موقع العباسية نيوز.
وأضاف الشماع، الذي كان حاضراً في القاعة التي امها عدد كبير من المثقفين العراقيين، ان منتدى الامانة كان يعقد جلساته عادة في قاعة تقع في الطابق الثاني من بناية المتحف البغدادي، ولكن القاعة ضاقت بالحاضرين الذين وقفوا على السلالم، بل حتى في الشوارع المجاورة فأوعز أمين بغداد يومها وكان المرحوم خالد عبد المنعم رشيد الجنابي بنقل المحاضر والمحاضرين بحافلات كبيرة إلى القاعة الكبرى في مبنى أمانة بغداد والتي ضاقت هي الأخرى بالحاضرين على الرغم من اتساعها، مشيراً إلى أن هذه المحاضرة كانت حدثاً مهماً في تلك الأيام لتـزامنها مع انتهاء حرب الخليج الثانية وما أعقبها من أحداث في محافظات العراق حيث عدّ بعضهم حوادث السلب والنهب والعنف تأكيداً لنظريات الوردي وتحليلاته حول تأثير البداوة في شخصية الفرد العراقي.
وفي تلك المحاضرة -والكلام للشماع- أعلن الوردي بنحو هادئ غضبه على الطريقة التي تعاملت بها الدولة مع ما سمي وقتها بـ(الغوغاء) أو (صفحة الغدر والخيانة) ومن الطريف الذي يجدر ذكره هنا هو أن أمين بغداد تقدم إلى المنصة ووضع جهاز تسجيل أمام الوردي، وعندما سأله الوردي عن سبب تسجيل المحاضرة قال له أمين بغداد: إن السيّد الرئيس (صدام حسين) يريد الاستماع إليها.
وقال الشماع: إن الوردي بدأ بتوجيه انتقادات حادّة وصريحة ليسمعها الرئيس صدام، وقال فيما قال: نحن لسنا فئران تجارب لتدخلونا كل يوم في تجربة جديدة، فما معنى أن تستحدثوا مثلاً شرطة أخلاق، بالله عليكم هل لدى الشرطة أخلاق أصلاً؟ فإذا كنتم قد ضللتم الطريق فتعالوا إلينا لندلكم على الطريق الصحيح لحكم الشعب.
وأضاف الشماع: ثم قال الوردي بالحرف: لا تليق بهذا الشعب الـ(...) إلاّ مثل هذه الحكومة الـ(...). وكانت الأوصاف قاسية جداً وشديدة الجرأة. وعندما رأى علامات الغضب على وجه أمين بغداد، قال الوردي مبرّراً: "هذا ليس قولي.. إنما هو قول النبي محمد "صل الله عليه وسلم"، الذي يقول: "كيفما تكونوا يولّ عليكم".
وأكد الشماع، عدم حصول أي تبعات على انتقادات الوردي الحادة للنظام والدولة، منوهاً إلى الحديث المطول الذي اجرته الصحفية الأمريكية (كريستين هيلمز) مع الرئيس الراحل صدام حسين والذي سألته فيه عن ازدواجية الشخصية العراقية، فنفى بشدة أن يكون الإنسان العراقي مزدوج الشخصية، فردّت عليه بأن بروفيسوراً عراقياً هو الدكتور (علي الوردي) يرى غير ذلك.
وقال الشماع إن الوردي حين سئل بعد نشر تلك المقابلة في الصحف عن رأيه بوجهة نظر الرئيس صدام نفى أن يكون هناك أي تناقض بين الرأيين، فالرئيس ـ حسب رأي الوردي- ينظر إلى الأمر من وجهة نظر القائد السياسي، بينما هو (أي الوردي) فينظر إلى الأمر من وجهة نظر علمية محضة.
واذا ما كان ترتب موقف حكومي ضد الوردي جراء وجهة نظره هذه، كشف الشماع عن ان الوردي اخبره، انه في أحد الصباحات طرق باب بيت الوردي فخرج بزيه البيتي المميّز، غطاء الرأس و(الروب) ليفتح الباب فوجد أمامه أحد مرافقي الرئيس الراحل صدام حسين الذي قال له: السلام عليكم دكتور. فردّ الوردي: لا عليكم السلام ولا رحمته ولا بركاته. فدهش المرافق وقال له: لماذا دكتور؟ فأجابه: أنا مريض وأنت تمنع عنّي السفر إلى الخارج للعلاج. وبعد مناقشة طويلة ـ عند الباب ـ قال له كبير المرافقين إنه قصده لأنه بحاجة إلى كتبه، فقال له الوردي: لا توجد عندي نسخ من كتبي. ولكن عندما قال له إن السيّد الرئيس صدام حسين هو الذي يريدها، قال له الوردي: إذا للسيّد الرئيس أنا أصير (كتب) له، وسلمه نسخاً من كتبه كلّها.
يذكر أن الشماع أصدر عدة كتب حول الوردي طبعت عدة مرات منها: (من وحي الثمانين) و(الدكتور علي الوردي.. مجالسه ومعاركه الفكرية).