النمو المطرد للجماعات والمنظمات الإرهابية في العالم العربي والإسلامي بمختلف ميولها، قلَّب المواجع السياسية والاقتصادية في العالم، وتسبب في أزمات بين الدول، ولا يزال من يعتقد بشرعية بعض هذه المنظمات، فيما يرى الآخرون أنها سبب في نشأة الخلاف حول وصفه وتعريفه، وحشد الطرفان -أقصد هنا المؤيد والمعارض- كل أنواع التأييد والدعم لموقفهما.
فالأمم المتحدة تنظر إلى الإرهاب من منظور غياب حقوق الإنسان، والحريات الأساسية والديموقراطية، وغياب العدالة الاجتماعية وأهمية المساواة، فيما لا تزال دولنا العربية والإسلامية تائهة في ردهات التصنيف، والمستفيد من هذه المؤتمرات والملتقيات حضرات المشايخ ورجال الدين، الذين وجدوها فرصة للسفر والترحال والتمتع بالسياحة المجانية والولائم والاحتفاء بهم، والظهور التلفزيوني والإذاعي وفلاشات الكاميرا، وإذا أمعنت النظر في محاور هذه المؤتمرات تجد أن جميعها نظرية وحشو كلام لا يخلو من التنديد والاستنكار، والوجوه نفسها تراها مرة هنا أو هناك، وبعضهم الآخر يتفنن في التصريحات الصحافية حينما يشيد بالبلد الذي يذهب إليه ويجامل، وإذا ذهب وشارك في مؤتمر آخر تحدث أيضاً بإيجابية عن البلد نفسه التي ذهب على ضيافتها، ومنذ أكثر من خمسة أعوام لم يظهر لنا داعية أو شيخ نستطيع أن نجزم أنه وضع أصبعه على الجرح، على رغم المؤتمرات الكثيرة التي أقيمت وصرفت عليها الملايين من خزانة الدول المنظِّمة، والسبب أن الدول العربية والإسلامية غير قادرة على تحديد كلمة الإرهاب ومعناه، لهذا هي تضيع الطريق في كيفية معالجته. فليس من المستغرب أن تجد تناقضات في البيانات من هنا أو هناك، ويزعم أنه توصل إلى نقطة الخلاف.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي نظمت إيران مؤتمراً بعنوان: «العالم في مواجهة العنف والتطرف»، شاركت فيه كل من سورية والعراق وأفغانستان وباكستان ودول أخرى، ومن أسماء الدول المشاركة نستطيع تحديد المواضيع التي تم تناولها والمحاور التي نوقشت والتوصيات التي خرج منها المؤتمر، وعلى مستوى العالم العربي قطار مكافحة الإرهاب مر من البحرين والأردن وأبوظبي، مروراً بباكو في أذربيجان وقبلها في الرياض في 2006، وهو المؤتمر العالمي الذي شاركت فيه الأمم المتحدة وبعض منظماتها الأخرى.
ومشكلة هذه الدول أن نظرتها للإرهاب أفقية، فهي تنظر إلى الإرهاب -دائماً- أنه قادم من الخارج وصناعة خارجية، فيما يغيب عنها نظرتها إلى نفسها، لم تتلفت حولها وتنظر إلى الأسباب والدواعي لنمو الإرهاب والتطرف، على رغم كل هذه المؤتمرات واللقاءات. تستمع إلى كلمات رنانة وتشد الانتباه وتجعلك تمتدح من صاغ كلمات الاستنكار والتهديد.
يجب أن نعترف أن مفهوم الإرهاب في وضعه الحالي، إضافة إلى أنه يتلبس بالدين، غطاء سياسي، وسلاح ذو حدين، فهو أشبه بالحزام الناسف، إما أن ينفجر في جسم صاحبه، أو يقذف به على الآخرين فيقتلهم، في كلتا الحالتين الحزام سينفجر.
من بين كل التوصيات التي خرجت من هذه المؤتمرات التي تدعو إلى مكافحة الإرهاب، لم نقرأ توصية واحدة تدعو إلى تجريم الطائفية وشتم الأديان والإساءة إليها، وتنص على عقوبة مشددة وغليظة، ولم نسمع توصية تتحدث عن أهمية حقوق الإنسان والديموقراطية والعدالة الاجتماعية؛ لأن غياب العدالة عنصر مهم في توليد الإرهاب وتغذيته، فالمجتمعات المهمشة تستغلها قوى أخرى لتوظيفها في مجالات عدة، مستغلة بذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تنشأ من هذه الفجوة الاجتماعية.
عدم نجاح مؤتمرات مكافحة الإرهاب في عالمنا العربي والإسلامي، أنها اعتقدت بأن من أفسدوا هؤلاء الشباب من مشايخ الفكر الضال، هم من سينقذهم من الغرق، فبالله عليكم هل رأيتم مشعوذاً ينقذ ضحاياه ويرشدهم إلى الطريق الصحيح، إلا إذا كنا ما زلنا نثق بالمشعوذين.
الأسبوع الماضي تابعت باهتمام مؤتمر مكافحة الإرهاب، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، وشارك فيه مشايخ ودعاة، وعلى رغم أهمية المواضيع المطروحة في المؤتمر، إلا أنه اعتمد على الأسلوب التنظيري في معالجة معظم مناقشاته، لذا لم نرَ مشاركين من الجانب الأمني والاجتماعي والاقتصادي ولا حتى السياسي، وغياب تام لدور المرأة في القضايا الاجتماعية والأسرية، التي تعتبر عنصراً مهماً، الجانب الديني الطاغي على الحضور؛ أسهم بشكل كبير في غياب الرؤية الحقيقية لمعالجة الإرهاب وفق العصر الحديث، ربما غاب عن المشاركين أن «داعش» خرجت من رحم مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الحاسب الآلي، وتملك تقنيات عالية في فنون الإنتاج والتصوير، على الأقل كنا نتوقع أن نرى خبير إنتاج درامي عالمي يحضر هذا المؤتمر؛ ليعطينا الدوافع التي تجعل منظمة إرهابية تلجأ إلى فنون التصوير والإخراج لإرهاب خصومها، إلا إذا كانت تعتقد بأن هذه الوسائل الجديدة يجب توظيفها لنجاح خططها الإرهابية.
ربما الدول العربية والإسلامية بحاجة إلى مؤتمرات ملتقيات محلية لمكافحة الإرهاب، يشارك فيها مسؤولون ووزراء ورجال أمن وأساتذة جامعات، ومختلف شرائح المجتمع، والشبان والشابات لمعرفة مكامن الخلل ومواضع الجرح، ويجب ألا نرمي بثقل الإرهاب ومكافحته إلى المؤسسات الدينية، فالمشكلة اجتماعية واقتصادية، وما أوصلنا إلى هذه المرحلة الحرجة سوى بعض دعاة الدين والتدين وبعض الفتاوى التي ملأت أركان البلاد، وأغلقت على الناس التنفس بنقاء، وأي مؤتمر بهذا النوع بالتأكيد من الصعب التصديق أنه بالفعل سيناقش مكافحة الإرهاب.
جمال بنون
اقرأ أيضا: