حمل سياسيون "الصليب الاحمر" جانبا من المسؤولية في فضيحة تعذيب الاسرى العراقيين بعدم كشفه عنها برغم علمه بها منذ شهور، بينما اعلنت القوات الاميركية انها ستبدأ الاسبوع المقبل اول محاكمة في الفضيحة التي كشف تقرير سري على اشتمالها على عمليات اغتصاب لاسيرات وتصوير اخريات بعد تعريتهن.
وردا على سؤال حول ما اذا كان الصليب الاحمر الذي اكد علمه بالانتهاكات ضد الاسرى العراقيين منذ كانون الثاني/يناير، يتحمل جزءا من المسؤولية عن تفاقم هذه الانتهاكات، قال رئيس لجنة الحريات في مجلس النواب الاردني جمال الضمور للبوابة "طبعا" هو تتحمل ذلك.
واعتبر الضمور الذي دخلت لجنته في مساجلات مع وزارة الخارجية الاردنية بشان اعداد وظروف احتجاز الاسرى الاردنيين في سجون الاميركيين في العراق، ان الصليب الاحمر الذي تاسس قبل 141 عاما، فقد جزءا من استقلاليته وخضع للضغوط الاميركية بشان عمله في العراق.
وقال ان "الصليب الاحمر اصبح مثل مجلس الامن الدولي، منظمة دولية مغلوبة على امرها من قبل (وزارة) الخارجية الاميركية".
وكان الصليب الاحمر سلم للسلطات الاميركية في شباط/فبراير تقريرا أكد أن القوات الاميركية عاملت الاسرى العراقيين في سجن ابو غريب غرب بغداد، معاملة مهينة تعد في بعض الاحيان "من قبيل التعذيب" في اطار منظومة من الانتهاكات الدءوب والواسعة النطاق خلال عام 2003.
وقالت الناطقة باسم مكتب اللجنة في بغداد ندى دوماني لصحيفة "الحياة" الاحد ان تقرير المنظمة المرفوع الى الادارة الأميركية والذي كشفته قبل ايام صحف اميركية, ويتضمن عرضاً تفصيلياً لعدد من الخروقات التي شهدها سجن ابو غريب, لم تتمكن المنظمة من كشفه وإنما جهات اخرى.
ودافعت دوماني عن سرية عمل اللجنة قائلة "ما زلنا مقتنعين الى اليوم بأن سرية عملنا أضمن وسيلة للدخول الى السجون. فكسب ثقة السلطات يتيح لنا الوصول الى المعتقلات ولقاء المساجين ونقل الرسائل الى ذويهم, وايضاً الضغط على السلطات لتحسين أوضاعهم ومنع الخروقات والانتهاكات بحقهم".
وتقول الوكالة انها لا تشعر بنفسها مضطرة للكشف عن اعمال التعذيب او ما هو أسوأ منه الا في الحالات التي يتفشى فيها استخدام القسوة المروعة وتمتع مرتكبي الانتهاكات بالافلات من العقاب في احد السجون وترفض فيها السلطات التحرك.
ومع انطباق هذه التوصيفات على ما جرى في سجن ابو غريب، الا ان الصليب الاحمر ظل متمسكا بالصمت ولم يلجأ الى وسائل الاعلام.
اول محاكمة في الفضيحة
وفي هذه الاثناء، فقد اعلن متحدث عسكري أميركي الاحد ان محكمة عسكرية اميركية ستبدأ يوم 19 ايار/مايو أول محاكمة لجندي اميركي متهم باساءة معاملة سجناء عراقيين في سجن أبو غريب، مشيرا الى ان المحاكمة ستكون علنية.
وقال الجنرال مارك كيميت للصحفيين ان الجندي جيرمي سيفيتس يواجه ثلاث تهم تشمل اساءة معاملة سجناء والتآمر لاساءة معاملة مرؤوسين ومعتقلين بالاضافة الى التقصير في اداء الواجب للفشل الناتج عن الاهمال في حماية معتقلين من اعمال وحشية وانتهاكات وسوء معاملة.
واضاف كيميت "المحاكم العسكرية مفتوحة للجمهور." مشيرا الى ان المحكمة العسكرية ستعقد في بغداد بعد الحصول على الموافقة النهائية.
وياتي الاعلان عن هذه المحاكمة في وقت واصلت فيه وسائل الاعلام الغربية نشر المزيد من الصور التي تحكي فصول التعذيب الذي تعرض له الاسرى العراقيون في سجن ابو غريب.
فقد نشرت مجلة "نيويوركر" صورة لاسير عراقي عري من ملابسه واحيط بكلاب بوليسية دبت الذعر في اوصاله. وفي صورة ثانية ظهر الاسير ويده تنزف بعد ان عضتها هذه الكلاب على ما يتضح.
وجاء الكشف عن هاتين الصورتين، والتي تقول المجلة والعديد من وسائل الاعلام الغربية، وبخاصة الاميركية منها، ان هناك اكثر من الف صورة من نمطها، في وقت اكد فيه تقرير سري اعده الجيش الاميركي ان عمليات التعذيب في سجن ابو غريب اشتملت على اغتصاب اسيرات وتصوير اخريات بعد تعريتهن.
وفي سياق تعداده لانماط الانتهاكات التي تعرض لها الاسرى في سجن ابو غريب، قال التقرير الذي كتبه الجنرال انطونيو تاغوبا بتكليف من قائد عمليات الجيش الاميركي في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز، ان "حارسا من الشرطة العسكرية مارس الجنس مع محتجزة" داخل السجن.
ومن انماط الانتهاكات التي ذكرها التقرير "اجبار محتجزين على خلع ملابسهم وارتداء ملابس نسائية"، كما اظهر انه في بلد حيث التقاليد الدينية تجعل النساء يغطين انفسهن حتى الرأس، قام حراس اميركيون بالتقاط صور لمحتجزات عاريات.
وقد اكدت مجندة اميركية متهمة بتعذيب الاسرى في سجن ابو غريب ان ضباطا من الاستخبارات العسكرية امروا بذلك.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" ان الضابطة في الشرطة العسكرية سابرينا هارمان التي ندبت للعمل في سجن ابو غريب قالت انها كلفت من قبل ضباط في الاستخبارات العسكرية كسر معنويات المعتقلين قبل استجوابهم.
ونقلت الصحيفة عن هارمان قولها ان مهمتها كانت "تحويله (السجن) لجحيم" بالنسبة للسجناء العراقيين كي يتكلموا.
وقد اعلن الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر الاحد ،إنه علم بما يتعرض له السجناء العراقيون في سجن أبو غريب في بداية يناير/ كانون الثاني الماضي وإنه بدأ حملة تحقيق في اليوم التالي.
وجاءت تصريحات بريمر في لقاء مع مسؤولين وزعماء عشائر عراقيين في اطار محاولات الادارة الاميركية امتصاص اثار الضيحة التي اثارت ادانات عالمية. وقدم الرئيس الاميركي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفلد اعتذارات عنها وتوعدا بمعاقبة المسؤولين عنها.
وقال بريمر ان التحقيق في الفضحية تم من خلال القنوات العسكرية على مدى الأشهر التي تلت بداية كانون الثاني/يناير الماضي.
وفي سياق متصل، أعلن المدير الجديد للسجون العراقية اللواء جيفري ميلر أن لجنة أميركية عراقية ستقوم بدراسة إجراءات صرف تعويضات للمعتقلين العراقيين الذين أسيئت معاملتهم.
وأكد ميلر أن تقنيات جديدة سيتم اتباعها في عملية الاستجواب تحترم اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالأسرى والمعتقلين. وقال إن مئات المعتقلين العراقيين الذين لم تثبت إدانتهم سيتم إطلاق سراحهم، بينما سيتم تحويل 540 معتقلا لمحاكمتهم في محاكم عراقية.
الحصة البريطانية من الفضيحة
وعلى الجانب البريطاني من الفضيحة، يتعرض وزراء بريطانيون لضغوط متزايدة للكشف عما عرفوه بشأن اساءة القوات البريطانية معاملة السجناء العراقيين ومتى عرفوا ذلك.
وأكدت الحكومة البريطانية السبت انها تلقت في شباط/فبراير الماضي تقريرا من الصليب الاحمر يعبر عن قلق المنظمة بشأن أوضاع السجناء العراقيين اي قبل أسابيع من نشر مزاعم عن تعذيب السجناء في الصحف.
وقال متحدث ان الحكومة اتخذت اجراء آنذاك لكنه لم يكشف عن تفاصيل. ودعت أحزاب المعارضة وزير الدفاع جيف هون الى القاء بيان في مجلس العموم.
وقال مايكل انكرام وزير الخارجية في حكومة الظل "من الضروري ان تقدم الحكومة بيانا امام مجلس العموم في اقرب وقت ممكن لتفسير ما عرفته وما فعلته في هذا الشأن." وقال تشارلز كينيدي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي ايضا ان الحكومة يتعين ان توضح "ما عرفته ومتى حدث ذلك".
وأضاف ان مزاعم التعذيب تسببت في "اضرار فادحة. من المهم ان نطمئن الشعب العراقي والمسلمين في هذا البلد انه اذا ثبت صحة مزاعم اخرى سيتم التعامل معها بسرعة وبحزم."
ودعا روبن كوك وزير الخارجية السابق الحكومة الى نشر تقرير الصليب الاحمر. وقال "حتى تفعل الحكومة ذلك لن نعرف في حقيقة الامر ما يقوله شعب حر عن المشكلة ومدى قسوتها."
وقال زعيم المحافظين السابق إيان دنكان انه يتعين التعامل بشكل سريع مع اي شخص تورط في عمليات التعذيب وبشكل علني.
ونشرت الصحف البريطانية الاحد تقارير بشأن انتهاكات جديدة. وقالت صحيفة صنداي تايمز ان جنودا من الكتيبة الملكية يواجهون اتهامات بشأن اعتداءات جنسية خطيرة وانتهاكات لحقوق السجناء.
ونشرت صحيفة اندبندنت اليوم تقريرا عن ثماني حالات جديدة لجنود بريطانيين يزعم انهم قتلوا بالرصاص ثمانية مدنيين عراقيين بدم بارد.
وأكدت وزارة الدفاع البريطانية ان ثلاثة من العاملين بالجيش البريطاني امضوا عدة اشهر من هذا العام في استجواب نزلاء في سجن ابو غريب.
وقال متحدث باسم الوزارة ان المحققين الثلاثة كانوا يسعون للحصول على معلومات ستساعد قوات التحالف ولم يكونوا على دارية بشأن الانتهاكات التي حدثت هناك.
ونشرت صحيفة ديلي ميرور سلسلة من الصور الاسبوع الماضي زعمت انها توضح تفاصيل الانتهاكات التي تعرض لها السجناء العراقيون على ايدي القوات البريطانية. وتمسكت ديلي ميرور بهذه الصور رغم الشكوك بشأن حقيقتها.—(البوابة)—(مصادر متعددة)