البوابة- بسام العنتري
قد يبدو من السذاجة الادعاء بأن ورشة البحرين التي تمهد لصفقة القرن، وقبلها مسابقة الاغنية الاوروبية "يوروفيجين" كانا وراء لجم ردين عسكريين: أميركي ضد ايران على اسقاطها طائرة التجسس، واسرائيلي ضد حماس إثر اصابة جنديين اسرائيليين برصاص انطلق من غزة عشية جولة التصعيد الاخيرة في أيار/مايو الماضي.
ولكن في كل الاحوال، يمكن ملاحظة ان الورشة والمسابقة كانا من ضمن الاسباب.
امتنعت الولايات المتحدة -في الدقائق الاخيرة كما تزعم- عن رد عسكري على ايران بعد اسقاط الحرس الثوري إحدى اعقد اربع طائرات تجسس يملكها الجيش الاميركي قرب مضيق هرمز.
الواقعة التي لا يزال الطرفان يجادلان حول ما اذا كان مسرحها أجواء المياه الايرانية ام الدولية، جاءت قبل ايام من انطلاق ورشة دولية في البحرين تعد الجزء الاول من خطة للسلام في الشرق الاوسط عملت واشنطن أكثر من عامين لاعدادها.
دفع كثيرون في واشنطن من اجل شن ضربات عسكرية موجعة لايران على سبيل الانتقام للهيبة الاميركية التي اعتبروا انها تهشمت كحطام الطائرة. لكن هذا الرد كان سيصبح مثل القنبلة التي يستطيع الشخص التحكم بتفجيرها، لكن من المستحيل عليه التنبؤ بمسار شظاياها.
وقف العالم على اعصابه صبيحة ذيوع نبأ اسقاط الطائرة، وتوالت التقديرات بنشوب حرب واسعة في المنطقة في حال اختار الاميركيون الرد عسكريا، وأيضا في حال صدق وعيد الايرانيين بالاستماتة في الدفاع عن أنفسهم بكل ما اوتوا من قوة.
لكن سيد البيت الابيض تراجع عن رد عسكري كان وشيكا، نازعا بذلك فتيل حرب كان من شبه المؤكد انها ستضع خطط عقد ورشة البحرين على الرف، كما سبق ان فعلت الانتخابات الاسرائيلية حين فشل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في تشكيل ائتلاف حكومي جديد في اعقاب فوزه بها، ما استدعى تأجيل الاعلان الرسمي عن خطة صفقة القرن.
فهل كانت ايران تضع ورشة البحرين في الاعتبار عندما استنسرت على الطائرة؟. بالتأكيد ان مثل هذه الخطوة تحمل مجازفة كبيرة ولا بد انه سبقها دراسة وتخطيط معمقان ويأخذان كل العوامل في الحسبان، ومن بينها الورشة واهميتها بالنسبة لواشنطن وتأثيرها في أي قرار اميركي بالرد.
غربا، وقبل ذلك ببضعة أشهر، كانت اسرائيل تتراجع هي الاخرى عن تنفيذ وعيد بشن حرب مدمرة "تعيد قطاع غزة وحركة حماس عشرين سنة اخرى الى الوراء"، ردا على اصابة اثنين من جنودها برصاص قناص من غزة.
فلو فعلت حينها لكانت الصواريخ المتطايرة في سماء تل ابيب كفيلة بتطفيش المشاركين في مسابقة "يوروفيجين" التي لم يكن يفصل عنها سوى أيام، وبما سيؤدي الى الغاء هذا المحفل العالمي الذي لهثت اسرائيل وراءه مطولا وبذلت جهودا مضنية لاجل استقطابه.
فمن شأن هذه المسابقة ان تزيد في رصيد انجازات اسرائيل على صعيد كسر عزلتها واضفاء شرعية على وجودها كدولة "طبيعية"، لا ككيان طفيلي يتغذى على احقاد التاريخ ودماء الفلسطينيين، بحسب الصورة النمطية عنها في وجدان الشارع الاوروبي، والتي لا يخفيها سوى الخشية من تهمة "معاداة السامية"، ناهيك عن اعتبارات سطوة اللوبيات اليهودية.
لم تتردد اسرائيل حينها في قبول تهدئة مع حماس توسطت فيها مصر والامم المتحدة. وهكذا توقفت جولة التصعيد لتتعالى من بعدها اصوات الموسيقى صادحة في تل ابيب بدلا من صافرات الانذار وانفجارات الصواريخ.
طبعا كان هناك ثمن: دماء ودمار في غزة، وتنازلات هزيلة من اسرائيل استجابت عبرها لبعض مطالب حركة حماس.
وبعد انتهاء اليوروفيجن، عاد الجانبان الى عملية التفاوض المستمرة والمتشعبة بينهما من اجل ابرام تهدئة طويلة الامد.
ما اتضح من جولة التصعيد القصيرة تلك، هو ان الحركة الاسلامية المتهمة بالسذاجة السياسية، تمكنت مع السنوات من تطوير ذكاء براغماتي جعلها تحسن استثمار بعض الفرص السانحة.
جنوبا، على خط التماس الملتهب بين السعودية واليمن، تتصاعد منذ نحو شهر عمليات اطلاق الطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من ايران باتجاه منطقة عسير جنوبي المملكة، وتتكثف خصوصا على مدينة "أبها" العاصمة الادارية للمنطقة، واكثر تحديدا، على مطار المدينة.
أسلوب اغتنام الفرص يتكرر هنا ايضا. فالمدينة مقصد سياحي وتستضيف في هذه الفترة من الصيف مهرجانين مهمين، الاول غنائي يشارك فيه فنانون من مختلف ارجاء العالم العربي، ومن المقرر ان يكون من بينهم هذا العام المغنية اللبنانية الشهيرة نجوى كرم، والثاني للتسوق، وكلاهما يستقطب اعدادا كبيرة من السعوديين والخليجيين، ومن دول أخرى، ومنفذهم الرئيسي هو مطار أبها
يمكن فهم ما يسعى اليه الحوثيون من وراء محاولة ضرب الموسم السياحي في أبها، والذي يأتي في خضم الحرب الدائرة منذ سنوات بينهم والتحالف الذي تقوده السعودية، لكن ما الذي يمكن ان تقدمه لهم السعودية حتى توقف تصعيدهم وتنقذ الموسم؟ الامور غير واضحة الى الآن، وربما سنعرف قريبا، او ربما لن نعرف ابدا.
لا أحد يعلم على وجه اليقين ما إذا كان الحرس الايراني وحماس والحوثيون تلقوا علومهم في أسلوب استثمار الفرص بهذه الشاكلة والتقارب الزمني على يد نفس الشيخ، أم أنها مجرد أحداث منفصلة ليس من الحكمة التسرع في الربط بينها تأثرا بعقلية المؤامرة؟