يناقش الكاتب خالد الجزار في روايته “ولاد شديد” متناقضات الدين والخرافة، الجشع والطموح، الانكفاء والعزلة في مقابل الانفتاح على العالم كإحدى مفردات القوة والسيطرة. تتضمن الرواية بين دفتيها حكايات عن الدجل والموت والخيال والطمع وهي طبائع تسيطر على مجموعة من الناس الذين ينحدرون من جد واحد، ويحلمون بالدفينة أو الكنز الذي تركه جدهم الأكبر شديد الألفي.
ينجح الكاتب من خلال عرض يتسم بالبساطة ويتحاشى المبالغات اللفظية والزخرف البلاغي في تقديم مرويته، فالكاتب لا يلف شخصياته بالغموض كأحد الأساليب الفنية المتبعة من قبل العديد من الروائيين، بل يسعى إلى تشكيل شخوصه على مهل أمام القارئ الذي لن يواجه صعوبة في قراءة عمق الشخصيات والتعرف على الفروقات في ما بينها وعلى طبيعة كل واحد منها على حدة، حيث يعايش قارئ هذه الرواية شخصياتها التي لا تتوقف عن التطور في خضم الحكاية، وفقا لصحيفة «العرب».
أهم شخصيات الرواية هو جاد حاكم قرية كفر الألفي بسطوة المال والنفوذ وانفتاحه على العالم الخارجي لهذه المنطقة التي يبسط عليها نفوذا عميقا، ونجد كذلك شخصية غازي الدجال الذي يدّعي العلم بالخفايا عن طريق الأرواح وصلاته بالجن، بكل ما يرمز إليه من جهل وتخريف وتغييب للعقل والذي يتّحد مع صاحب السلطة والمال والنفوذ ليحققا مآربهما.
كما سيطلع القارئ على شخصية حمودة التي تبتدئ بها الرواية، وهو شاب طموح غريب عن القرية اضطر للعمل مع خاله الشافعي على شاحنته، بناء على وصية الأم التي تريد أن تصرف ابنها عن الغناء. أما الخال الشافعي فيرى في حمودة عريسا جيدا لابنته شادية، حتى لا تتزوج من رجل غريب يرث الشاحنة التي دفع سنوات من عمره وشقاء السنين من أجل شرائها.
ينجح المشعوذ غازي في فرض سيطرته على أهل كفر الألفي، بينما هو نفسه خاضع لسيطرة صاحب المال والنفوذ جاد، يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، وينفذ إرادته بإصدارها للناس في شكل رسائل من ملوك الجان. ومن الشخصيات المحورية أيضا نجد شخصية أنهار، التي سلبت عقول رجال القرية وأثارت غيرة نسائها. كلها شخصيات ساهمت في حبك عالم القرية بحكايات الحب والسلطة والظلم والتهميش، حكايات أحلام القرويين الموءودة في تربة الجهل وتعتيم الحاكم. تمضي أحداث الرواية في توازن سردي وارتباط منطقي، حيث لا يعتمد الجزار الفانتازيا في بناء عوالمه السردية.
عندما تكتشف الشرطة أمر القرية المعزولة وتشتبه في شيء مريب يحدث داخلها، وتقرر اقتحامها، تتباين مواقف الشخوص إزاء الخطر المحدق حسب طبائعهم التي ما هي إلا انعكاس للطبائع البشرية المنغلقة على نفسها والبعيدة عما يحدث خارج بيئتها، لنبدأ في تبيّن تأثير الانغلاق على الذات الإنسانية، وأثره العميق في خلق شخصيات مفرغة من الأحلام والهواجس ومن أصواتها الخاصة.