نحن ندخل العام الجديد، تشير معظم التوقعات إلى أن أساسيات أسواق النفط قد لا تختلف كثيرا عما كانت عليه في عام 2012. بعد أكثر من سنة من تراوح أسعار النفط في معظم الوقت عند نطاق محدد، يبدو واضحا أن أي انحراف كبير في الأسعار عن هذا النطاق يتطلب إما تغيرا كبيرا في أساسيات أسواق النفط أو بعض الاضطرابات الجيوسياسية الكبيرة. إذا نظرنا إلى الوراء نلاحظ أن أسعار النفط خلال عام 2012 راوحت إلى حد كبير في نطاق محدد، تخللتها فترات قصيرة من التقلبات خارج هذا النطاق حركتها بعض الأحداث، لكنها فشلت في إحداث اتجاهات مستدامة. على سبيل المثال على مدى الشهرين الماضيين، تم تداول خام بحر الشمال برنت في مدى ضيق بين 108 و111 دولارا للبرميل، السابع من ديسمبر (كانون الأول) كان اليوم الوحيد الذي لم يتداول فيه برنت ضمن هذا النطاق، حتى في هذا اليوم تم تداوله بفارق بسيط جدا عند 107.89 دولار للبرميل.
بعد أكثر من سنة من تراوح أسعار النفط معظم الوقت عند نطاق محدد، يبدو واضحا أن أي انحراف كبير في الأسعار عن هذا النطاق يتطلب إما تغيرا كبيرا في أساسيات أسواق النفط أو بعض الاضطرابات الجيوسياسية الكبيرة. ونحن ندخل العام الجديد، تشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن عام 2013 من المتوقع أن يكون أفضل قليلا فقط من عام 2012، حيث إن التقديرات الحالية تتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.2 في المائة في عام 2013، فقط 0.2 نقطة مئوية أعلى من عام 2012. ستستمر الصين والهند بدعم نمو الاقتصاد العالمي في عام 2013، بمعدل نمو 8.0 و6.5 في المائة على التوالي، في حين من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 2.0 في المائة. من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو نموا إيجابيا طفيفا جدا في العام المقبل.
في ضوء هذا التحسن الطفيف في الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط عند معدلات مماثلة لعام 2012. في حين إن نمو إمدادات النفط من المتوقع أن يستمر في الهيمنة على أسواق النفط واضعا ضغوطا تنازلية على الأسعار، حيث من المتوقع أن يستمر نمو الإمدادات النفطية وارتفاع الطاقات الإنتاجية الاحتياطية، ما يعني استمرار ضعف أساسيات الأسواق النفطية. على صعيد التطورات الجيوسياسية، من المتوقع أن تطفو بعض القضايا على السطح، الخطر الأكبر في هذا الجانب يتعلق ببرنامج إيران النووي والحظر النفطي المفروض عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والعقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة.
تشير معظم التكهنات إلى أن عام 2013 من المتوقع أن يشهد دفعا لإيجاد حل في هذا الخصوص. إذا ما حدث هذا، فإنه سيترتب عليه شكل من أشكال المواجهة بين طرفي النزاع، ما يؤثر في أسواق النفط. من ناحية الطلب، من المتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط في عام 2013، لكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا في السابق إلى حد ما بسبب ضعف توقعات النمو بالنسبة للاقتصاد العالمي، خصوصا في منطقة اليورو والصين واليابان. تشير التوقعات الأولية إلى نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.8 مليون برميل في اليوم في عام 2013، تقريبا معدل نمو عام 2012 نفسه. كما هو الحال في عام 2012، نمو الطلب سيكون مدعوما بالكامل بنمو الطلب في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، على وجه الخصوص الصين والهند ودول الشرق الأوسط النفطية، حيث إن النمو في هذه الدول سيفوق انخفاض الطلب في دول منظمة التعاون والتنمية. لقد ضعف نمو الطلب الصيني على النفط بشكل ملحوظ في عام 2012، حيث إن النمو الاقتصادي فيها قد تباطأ وانتهت المرحلة الأولى من ملء الاحتياطي البترولي الاستراتيجي. مؤشرات الاقتصاد الرئيسة تشير الآن إلى أن الاقتصاد الصيني وصل أخيرا إلى حده الأدنى، ويتوقع أن يستعيد زخمه في النصف الأول من عام 2013 مدعوما بالاستثمارات في البنية التحتية والقطاع العقاري، ما قد يؤدي إلى تعافي نمو الطلب على النفط من جديد، حيث من المتوقع الآن أن يرتفع الطلب على النفط في الصين بأكثر من 0.35 مليون برميل في اليوم في عام 2013 مقارنة بـ 0.3 مليون برميل في اليوم في عام 2012. لكن نمو الطلب في الصين قد يحدث مفاجأة وينمو بأكثر من المتوقع، فيما إذا قامت الصين بملء المرحلة الثانية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي. وفقا لوكالة الطاقة الدولية الطاقة الكلية للمرحلة الثانية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الصيني قد تصل إلى 207 ملايين برميل بحلول نهاية عام 2013. من جانب آخر، من المتوقع أن يتراجع الطلب على النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي بأكثر من 0.2 مليون برميل في اليوم، حيث من المتوقع أن يتراجع الطلب في أوروبا فقط بنحو 220 ألف برميل في اليوم، وفي الولايات المتحدة من المتوقع أن يبقى الطلب على حاله في عام 2013. نمو الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الآسيوية الذي كان قويا في عام 2012 (0.36 مليون برميل في اليوم) مدعوما باستخدام النفط في قطاع توليد الطاقة في اليابان، من المتوقع أن ينخفض إلى نحو صفر في عام 2013، إذا عاد عدد كبير من المفاعلات النووية إلى الخدمة، الطلب على النفط في اليابان سيبدأ بالانخفاض. من ناحية العرض، الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC استمرت في تحدي التوقعات من وصول الإنتاج النفطي فيها إلى ذروته، حيث إن إنتاج السوائل الهيدروكاربونية في هذه الدول، بما في ذلك الوقود الحيوي، من المتوقع أن يرتفع في العام القادم بأكثر من مليون برميل في اليوم رغم توقع استمرار بعض التوقفات الحالية لكن ليس بالمستوى الذي شهده عام 2012، نحو 60 في المائة (0.6 مليون برميل في اليوم) من هذا الارتفاع من المتوقع أن يأتي من أمريكا الشمالية فقط، على خلفية ارتفاع إنتاج النفط من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، ومن طبقات السجيل الغازي الغنية بالنفط في ولاية تكساس وانتعاش الإمدادات من المياه العميقة في خليج المكسيك وكذلك الرمال النفطية الكندية. من المتوقع أن تسهم دول أخرى في نمو الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج دول منظمة أوبك مثل كازاخستان وروسيا والبرازيل وكولومبيا وماليزيا.
من المتوقع أن يعود الإنتاج من جنوب السودان تدريجيا خلال عام 2013 ابتداء من شباط (فبراير) ليصل إلى مستوى ما قبل الصراع فوق 0.3 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية العام المقبل. إضافة إلى ذلك، إنتاج دول منظمة أوبك من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية والسوائل النفطية غير التقليدية من المتوقع أن ينمو أيضا بنحو 0.3 مليون برميل يوميا في عام 2013، ما يعني أن إجمالي الإنتاج من خارج ''أوبك'' بما في ذلك إنتاج دول منظمة أوبك من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية من المتوقع أن يرتفع بنحو 1.3 مليون برميل في اليوم. من المتوقع أن ينخفض الطلب على نفط منظمة أوبك في عام 2013، ما بين 0.4 و0.5 مليون برميل في اليوم على خلفية قوة الإمدادات من خارج المنظمة، وخاصة من أمريكا الشمالية، وضعف نمو الطلب على النفط. تجدر الإشارة هنا إلى أن التوقعات الحالية لنمو الطلب على النفط لعام 2013 مبنية على افتراض ظروف مناخية طبيعية في نصف الكرة الشمالي خلال فصل الشتاء، أي مناخ بارد في الشتاء، بدلا من الحالة غير الاعتيادية للطقس المعتدل التي سادت خلال السنوات الأخيرة في فصل الشتاء، هذه الأجواء المعتدلة إذا ما تكررت في عام 2013 أيضا فإنها ستؤثر سلبا في الطلب وتفاقم من الفائض في المعروض.
مستويات المخزون في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تعتبر مرتفعة نسبيا قياسا إلى عدد الأيام التي تغطيها من الطلب. ما لم تقم دول منظمة أوبك بخفض الإنتاج في عام 2013، فإن هذه المخزونات ستستمر في الارتفاع. ارتفاع مستويات المخزون عادة يعتبر من مؤشرات ضعف أساسيات السوق، ما يسهم في وضع ضغوط تنازلية على أسعار النفط. إن السيولة التي قدمتها البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال برامج التيسير الكمي كانت داعمة لأسعار النفط. بصورة عامة زيادة السيولة النقدية تعتبر إيجابية لأسعار النفط. كما أن الخوف من التضخم إيجابي أيضا. التضخم قد يتسبب في مشكلات على الاقتصاد وعلى الطلب الفعلي على النفط، لكن مع ذلك قد يستمر كعامل دعم ولو مؤقت للأسعار عن طريق زيادة الطلب على النفط في الأسواق المالية، سواء من خلال زيادة الاستثمارات في التعاملات الورقية للنفط أو من خلال المضاربة أو التحوط من التضخم. توصل الولايات المتحدة لحل اللحظة الأخيرة بين الجمهوريين والديمقراطيين بخصوص ''الانحدار المالي''، قد يؤدي أيضا إلى ارتفاع السيولة النقدية في الجزء الأول من عام 2013. لكن عمر تأثير هذا الارتفاع سيكون قصيرا، حيث إن ضعف أساسيات النفط العالمية قد يطغى تأثيره السلبي في أسواق النفط. بما أن الطلب على نفط منظمة أوبك من المتوقع أن ينخفض في عام 2013، كما أسلفنا، فإن أسعار النفط بصورة عامة يجب أن تتراجع مقارنة بعام 2012. لكن مع ذلك قد يستمر تداول نفط بحر الشمال برنت بأكثر من 100 دولار للبرميل الواحد مدعومة بالمخاطر الجيوسياسية ووفرة السيولة.