الاقتصاد غير الرسمي يهدد النمو في بلدان الربيع العربي

تاريخ النشر: 15 نوفمبر 2012 - 12:02 GMT
يقول كثير من التجار القانونيين أنهم يخسرون بسبب القطاع غير الرسمي
يقول كثير من التجار القانونيين أنهم يخسرون بسبب القطاع غير الرسمي

يعيش الشباب في خوف. فقبل بضعة أيام، بدأت الشرطة التي تحمل الهروات حملة بالقرب من ميدان التحرير في القاهرة، والإسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر، وضرب أو ألقي القبض على البعض، كما توفي رجل واحد بعد اشتباكات مع الضباط، على نهر النيل في حي الجيزة الشهر الماضي. إنهم لا يتاجرون في المخدرات أو الأسلحة أو حتى السياسة السرية ولكن في الملابس المقلدة، والأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية والفواكه والخضراوات. ''تبدو الأمور سيئة بما فيه الكفاية،'' استهجن بائع جائل في حي العتبة الفقير في القاهرة. وأضاف قائلاً: ''ألم تروا ما فعلوه في الإسكندرية؟ قاموا بإغلاق جميع الأكشاك الصغيرة هناك ومنعوا أي شخص من بيع أي شيء إلا إذا كان يملك متجراً، لا أريد هذا أن يحدث لنا هنا، لا تساعدهم على سلب قوتنا''.

عامان ضائعان بعد البوعزيزي محمد، بائع فاكهة تونسي، الذي أشعل النيران في نفسه وأشعل بعدها سلسلة من الثورات في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن حياة إخوته العرب لم تتغير. كما يستمر معظم التجار الصغار في العمل في الظل، يعيشون في خوف من الشرطة والجهات التنظيمية ومسؤولي الضرائب في حين يدبرون مورد رزقهم. لقد تغير شيء واحد، على الرغم من ذلك، حيث يمعن الاقتصاديون وصانعو السياسات في الحكومات الجديدة في أنحاء العالم العربي النظر في الاقتصاديات غير الرسمية كما لم يحدث من قبل. ويمكن أن يعني جلب هؤلاء البائعين من الظل أكثر من مجرد ارتفاع عائدات الضرائب في مصر وتونس وأماكن أخرى، بل يمكن أن يساعد أيضا على بناء شركات أكثر نجاحا، كما يقول المؤيدون. يعمل عشرات الملايين في المنطقة فقط في الاقتصاد غير الرسمي، حيث خلص استعراض للبنك الدولي 2010 لأسواق العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يشمل الدول الغنية بالنفط في شبه الجزيرة العربية، إلى أن القطاع غير الرسمي يمثل نحو67 في المائة من القوى العاملة في المنطقة و35 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بمقارنة، تمثل العمالة غير الرسمية 9 في المائة فقط من القوى العاملة و16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة. ''إنه أكبر قطاع من قطاعات الاقتصاد من حيث القوى العاملة''، كما يقول عمرو رمضان من الجامعة الأمريكية في القاهرة، الذي قضى عدة سنوات في البحث في حياة الباعة الجائلين وسائقي الحافلات الصغيرة واستطرد قائلاً: ''إنه سوق الفقراء''. وضع نصب تذكاري لبوعزيزي الآن في مسقط رأسه سيدي بوزيد.

على الرغم من أن نجمه قد يتلاشى بسبب ترنح الثورات العربية بين التقدم التدريجي وتفجر الفوضى، إنه لا يزال رمزاً للمعدمين العرب. ولكن في الوقت الذي يكافح فيه البائعون الجائلون، إلا أنهم يسرقون الأعمال من التجار القانونيين الذين يدفعون رسوم الترخيص، ويفتحون متاجرهم لعمليات التفتيش ويرفعون تقريراً عن دخولهم للسلطات - ويدفعون الضرائب التي تمول الشوارع التي يعملون فيها. يمكن أن يشكل العمال في الاقتصاد غير الرسمي خطراً على الجمهور مع الخدمات دون المستوى أو المنتجات التي لا تخضع للوائح، حيث إنه ليس لديهم المنافع الصحية أو التقاعد، كما يفتقرون إلى إمكانية الحصول على الائتمان الذي يمكن أن يساعدهم على بناء أعمالهم وتجاوز مرحلة القوت اليومي، بل إنهم غالبا ما يكونون تحت رحمة السلطات في العديد من البلدان المتضررة من الانتفاضات العربية ويشنون حملات القمع ضدهم. يوجه البائعون غير الرسميين طاقاتهم وأرباحهم إلى ما يسميه هيرناندو دي سوتو بولار، المختص الاقتصادي في بيرو، ''رأس المال الميت'' - مجموعة كبيرة من الأوراق المالية المتداولة بسرية والتي لا تسهم في ثروة الأمم. تعترف الجهات المانحة الدولية بالتهديد الذي يشكله الاقتصاد غير الرسمي على النمو في البلدان التي تتعافى من الاضطرابات السياسية التي استمرت لمدة سنتين تقريبا. عرض مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل الأمريكي هذا العام 860 ألف دولار من المال الممنوح لمساعدة الهيئات التي يمكن أن تأتي بوسائل لجذب الباعة الجائلين في تونس، والعمال المحليين و''المشاريع الصغيرة ذات الإنتاجية المنخفضة الأخرى'' في الاقتصاد الرسمي. واليوم، تشكل هذه الأعمال التجارية نحو 40 في المائة من الاقتصاد. ''لا يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم غير الرسمية الاستفادة بالطريقة نفسها التي يستفيد منها الأشخاص في الاقتصاد الرسمي''، كما تقول ملاك رضا، وهي مختصة اقتصادية في المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهي مؤسسة فكرية في القاهرة. وتضيف قائلة: ''إنهم لا يستطيعون الحصول على المساعدة المالية من خلال المؤسسات المصرفية. كما لا يمكنهم الاستفادة من العروض الدعائية العامة أو تسويق منتجاتهم أو حضور المعارض التجارية مع اسم وعنوان يعطيها القدرة على النمو''. إنهم غير قادرين أيضا على دراسة التصدير، والاستعانة بخبراء استشاريين أو تقديم خدمات فنية متخصصة لتحسين عملياتهم. بدلا من ذلك، كل ما لديهم من طاقة وإبداع يذهب إلى الكسب النقدي السريع والانسحاب من السوق بدلا من إنشاء شركات مستدامة طويلة الأجل. لكن العوائق التي تحول دون دخول رجل أعمال شاب السوق الرسمية كبيرة. في مصر، بداية بإجراءات الترخيص طويلة وغامضة. ثم تأتي الرسوم للمفتشين والنقابات التجارية والغرف التجارية المحلية. بمجرد أن تبدأ الشركات في التقدم، فإن التعاقد مع موظف يعني دفع رسوم لصندوق الضمان الاجتماعي.

يجب أن يسافر الشخص الذي يفتح شركة في جنوب مصر إلى القاهرة، رحلة تصل إلى عدة مئات من الكيلومترات، لاستكمال الأوراق اللازمة. ''إذا كنت تريد أن يكون لديك مقهى إنترنت في أسوان، يجب أن تأتي إلى القاهرة للحصول على أوراقك من وزارة الاتصالات''، على حد قول السيدة رضا. وأضافت: '' في نهاية المطاف لن تفتح الشركة تماماً''. في المغرب، حيث يمثل القطاع غير الرسمي نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي و39 في المائة من اليد العاملة غير الزراعية، وهو الاعتقاد الشائع بأنه يتم تطبيق الالتزامات الضريبية بشكل عشوائي - أو انتقائي، استناداً إلى الاتصالات السياسية – مما سيثبط الشركات من البلورة. ودعا بعض صانعي السياسات في المنطقة إلى إجراء إصلاحات للحد من العوائق التي تحول دون دخول عالم الأعمال الرسمي وتقديم حوافز لأصحاب الأعمال غير الرسمية لتسجيل ودفع الضرائب. أطلق عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري، برنامجا يعرف باسم مائة متجر، والذي يشجع الباعة الجائلين على استئجار مساحة في أسواق حي معين. يقول يوسف القاضي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، إن منظمته وهيئة المعونة التابعة لها التي تلبي احتياجات الشركات الصغيرة قد وضعت حوافز لجذب شركات التكنولوجيا إلى القطيع، بما في ذلك المكافآت للمصدرين، والحصول على التمويل والتدريب. ويمكن إعادة تشكيل الاقتصاد الموازي من خلال وضع في المكان الإطار السليم والصحيح والحوافز للتأكد من أنها يتم تحديثها''، كما يقول القاضي من مقر هيئته في القرية الذكية، وهو مجمع المكاتب الراقي على الأطراف الغربية من القاهرة .

وتدعو السيدة رضا، التي تدرس في معهد البحوث الذي تعمل فيه السوق غير الرسمية، إلى خفض الأعمال الورقية، لمرة واحدة بدلا من الرسوم السنوية لغرف التجارة وتبسيط عمليات التفتيش بحيث لا يشعر رجال الأعمال القانونيون بأنهم يتم ابتزازهم باستمرار بسبب الرسوم والرشا. في الوقت الراهن، تميل الحكومات إلى اعتبار الشركات غير الرسمية في حد ذاتها مشكلة، حيث إن الحملات على الباعة كانت وحشية. لدى الإدارة المصرية التي يقودها الإخوان المسلمون غارات عنيفة مبنية على أوامر في بعض الأحيان، على الباعة مثل أولئك الذين يمارسون حرفتهم إلى جانب الأعمال التجارية المشروعة في حي العتبة في القاهرة. أطلقت السلطات في الجزائر، حيث يقدر نحو 60 في المائة من جميع المعاملات تتم خارج الإطار الرسمي، حملة واسعة الشهر الماضي ضد الشركات غير المسجلة في العاصمة. تعمل الحكومة التركية أيضا على كبح جماح الاقتصاد غير الرسمي، والذي تقول بعض التقديرات إنه يمثل نصف جميع الأعمال ويصل إلى 80 في المائة في قطاعات مثل المنسوجات. ولقد عززت حكومة رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء، التدقيق وتغريم الشركات التي لا تدفع الضرائب أو تساهم في استحقاقات تقاعد الموظف. لن يحل التطبيق وحده المشكلة، ويمكن أن يثير رد فعل عنيفا.

وقد وصفت الحكومة الجزائرية الاقتصاد غير الرسمي بأنه أكبر عقبة أمام بناء القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على عائدات النفط والغاز. يقول كثير من التجار القانونيين إنهم يخسرون بسبب القطاع غير الرسمي. يقول رضا عيد أيوتا، رجل أعمال جزائري، إن شركة التسويق الخاصة به فازت بامتياز بيع القمصان والهدايا التذكارية للفريق الوطني لكرة القدم ولكن لا يمكنها النمو بسبب المنافسة من السوق غير الرسمية. والحكومة أضعف من أن تحمي الشركات المشروعة من المستوردين الأقوياء للمنتجات المهربة ذات النوعية الرديئة في كثير من الأحيان، كما يقول. ''هذه السوق غير الرسمية هي مؤسسة جنائية. لديهم الكثير من المال والقوة، كما أن المستوردين غير الرسميين غير معروفين وغير محددين.

هناك الكثير منهم يعملون دون فواتير ونقد ''، على حد تعبيره. أضاف قائلاً: ''نحن نتحدث عن مبالغ ضخمة من المال، وهذا ما يجعل الأمر صعب التنظيم، والسبب وراء رغبة الكثيرين في الاستثمار في مكان آخر.'' قد تبدو شكاوى لخدمة مصالح شخصية ولكن مسؤولين مقربين من الحكومة أقروا بأن عدة درجات فوق مستوى الشارع، أنتج الاقتصاد غير الرسمي حكومة القلة الخاص به والتي تولد الفساد ولها مصلحة راسخة في الوضع الراهن. ''تعد السوق الجزائرية سوقا كبيرة وتدفع نقدا''، كما يقول عيسى كاسا من جبهة التحرير الوطني، الحزب السياسي الحاكم في البلاد. ''إن وجود المافيا بين هؤلاء الناس الذين يرغبون في الاستيراد وخلق سوق البازار - اقتصاد البازار في مقابل واحدة من الصناعات والإنتاج''. يصف كاسا السوق غير الرسمية بأنها المشكلة الاقتصادية الأكبر في البلاد، حيث تم تقدير 40 في المائة من جميع المعاملات تبقى خارج أي من الدفاتر المحاسبية.

ويرفض تجار الجملة الفاسدون دفع الضرائب أو إصدار فواتير للمبيعات. ورفض التجار ببساطة بصورة جماعية الالتزام بقاعدة العام الماضي تلزم جميع المعاملات التي تبلغ أكثر من 500 ألف دينار جزائري (6,500 دولار) أن تجري تدقيقاً. حتى على مستوى الشارع، تدار الأسواق غير الرسمية عن طريق قواعدها المعقدة الخاصة بها. تمكن رمضان من اختراق تجارة البيع في الشوارع في وسط القاهرة والتعرف على رجل أعمال يدعى بودي. وكان بودي البالغ من العمر 45 عاما يراقب نصف دزينة من النقاط على طول شارع كان قد أعلن أنها منطقته. وقام بتعيين بعد ذلك، كل فرد بنحو خمسة دولارات في اليوم، مجموعة من الشباب تراوح أعمارهم بين 12 و30 لبيع الأواني الصينية الرخيصة. بعد حساب المصروفات ورشا للشرطة، يقدر رمضان أن بودي يكسب تقريبا 1,700 دولار في الشهر، وهو مرتب ضخم في حين يأخذ موظفو الخدمة المدنية غالبا أقل من 200 دولار في الشهر. اشترى بودي المنتجات، وغالبا عن طريق الائتمان، من تجار الجملة في حي الموسكي المتهدم. وخلال مداهمات الشرطة، يتراجع البائعون إلى الأزقة. ''إنه لديه الكثير من الأسر والكثير من السلطة في الحي الذي يسكن فيه''، كما يقول رمضان. ويضيف: ''ما يمتلك 'هو المال. وكان يستخدم القوة السيطرة على هذه المساحة''.