المصريون سيعانون التقشف بعد اتفاق صندوق النقد

تاريخ النشر: 21 أغسطس 2016 - 07:25 GMT
أعلنت مصر خططا لتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي لتخفيف الأثر على الأكثر فقرا
أعلنت مصر خططا لتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي لتخفيف الأثر على الأكثر فقرا

قبل بضع سنوات لم يكن يخطر ببال عماد أنه سيقف تحت حرارة شمس القاهرة للحصول على حصة أسبوعية من حليب الأطفال المدعم، لكن بعد ارتفاع الأسعار أصبح راتبه يكفيه بالكاد حتى نهاية الشهر، فيما تتجه الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية أصعب قد لا يطيقها المصريون بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكنهم بدأوا الاستعداد لهذه الحقبة الجديدة من التقشف.

وقال عماد الذي ارتدى ملابس مهندمة على غرار كثيرين ممن وقفوا في الصف "إن أسعار الكهرباء والطعام زادت، والشيء الوحيد الذي لا يزيد في مصر هو رواتب الناس، لكنهم لا يتحدثون إلا عن خفض الدعم".

وبحسب "رويترز، فإن الإصلاحات الاقتصادية المزمعة جزء من برنامج لخفض العجز في الموازنة وإعادة التوازن لأسواق العملة وهي إجراءات وعدت بها مصر صندوق النقد من أجل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

لكن المعارضة السياسية لإجراءات تنطوي على خفض الدعم وتخفيض قيمة العملة وفرض ضرائب جديدة، بينما يعتمد عشرات الملايين على الدعم الحكومي للسلع الغذائية، تعني أن البرنامج صعب التنفيذ، ويرى مختصون اقتصاديون أن ثمن الفشل باهظ، فعجز الموازنة يقترب من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أما التضخم فقد وصل إلى 14 في المائة، كما أضر نقص العملة الأجنبية بالاستيراد.

ولا يستطيع المستثمرون الأجانب تحويل أرباحهم إلى الخارج والبعض يصفُّون أعمالهم بسبب القيود التي فرضت على رأس المال والاستيراد في الأشهر الـ 18 الماضية، ولا تستطيع الشركات توفير ما يكفي من العملة الصعبة لاستيراد المكونات أو تحمل الفرق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء الذي يتجاوز 40 في المائة، وقد أصبح الحديث الآن عن مجرد البقاء وليس النمو.

وقال أنجوس بلير المدير في شركة فاروس القابضة "إنه من الواضح جدا أن الظروف دفعت مصر دفعا نحو طلب دعم صندوق النقد، وسيتعين على مصر إجراء تغييرات لضمان تنفيذ الخطة التي قدمتها إلى صندوق النقد"، مضيفا أن "النظام بشكل عام بطيء، وهذا برنامج إصلاحي يدعو إلى تحرك سريع وجرأة خاصة، لأن من بين تداعياته زيادة التضخم".

وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن خفض الدعم، بعد أن رفع الرئيس السابق أنور السادات عن الطحين "الدقيق" والأرز وزيت الطهي عام 1977 ضمن محاولة للحصول على تمويل بدعم من صندوق النقد، وأعاد السادات الدعم بعد أن احتج مصريون وقاموا بأعمال شغب وهاجموا رموز الهوة الفاصلة التي أخذت في الاتساع بينهم وبين الطبقات الأغنى التي اعتبروا أنها استفادت من سياسة الانفتاح الاقتصادي التي طبقها السادات لتحرير الاقتصاد، بعد حكم اشتراكي دام لأكثر من عشر سنوات.

وعلى الرغم من أن مصر لجأت إلى صندوق النقد فعليا في كل عقد منذ السبعينيات فإن تطبيق الإصلاحات لم يكن شاملا قط، ويشعر كثير من المصريين بعدم الارتياح إزاء البرنامج الذي يعتبرونه مفروضا من الخارج، ويرون أنه سيضر الجميع باستثناء الأثرياء.

ومنذ الإطاحة بمبارك، تفاوضت مصر على اتفاقين مع الصندوق لكنهما لم يتما ويشمل ذلك قرضا قيمته 4.8 مليار دولار جرت الموافقة عليه مبدئيا عام 2012، وفي ضوء إحجام صناع القرار السياسي عن تطبيق الإصلاحات من قبل، يبدو أن المستثمرين يتريثون في العودة إلى مصر.

وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 20 إلى 40 في المائة هذا الشهر في إطار برنامج مدته خمس سنوات سيشهد إلغاء دعم الطاقة تدريجيا، والدور الآن على خفض دعم البنزين، وأقر البرلمان إصلاحات تتعلق بالخدمة المدنية على الرغم من تخفيفها إلى حد كبير.

وعماد الذي كان يعتبر نفسه ذات يوم من أبناء الطبقة المتوسطة يؤكد أنه حتى مع العلاوات المعتادة لا يمكن لراتبه الشهري البالغ 2000 جنيه "225 دولارا" مواكبة ارتفاع الأسعار، ويضيف و"لسنا تحت خط الفقر. نحن تحت الأرض".

وأعلنت مصر خططا لتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي لتخفيف الأثر على الأكثر فقرا، لكن كثيرين يخشون من أن الإجراءات ستعمل على تفاقم التفاوتات الاجتماعية، وقد أصدرت مجموعة من الأحزاب الاشتراكية بيانا يرفض اتفاق صندوق النقد، الذي يقولون "إنه يكبل مصر بمزيد من الديون ويجعلها رهنا لقرارات قوى خارجية".

وأول اختبار للحكومة هو مشروع قانون يقترح ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 14 في المائة وستتم مناقشته في البرلمان، لكنه يواجه معارضة من نواب يخشون من التضخم، وقد أدى التأخر في تطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة بالفعل إلى تأجيل الشريحة الأولى من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من البنك الدولي. والشريحة الأولى التي تبلغ 2.5 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي غير مرتبطة بإجراءات محددة، لكن ذلك لا ينطبق على الشرائح التالية، وثمة قضية رئيسية أخرى هي سياسة سعر الصرف، وقد تعهدت مصر بسعر صرف أكثر مرونة لتخفيف حدة نقص العملة الصعبة والقضاء على السوق السوداء للدولار.

وستنطوي هذه الخطوة بالتأكيد على خفض ثان لقيمة العملة هذا العام، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم، لكن البنك المركزي يقول "إنه يجب أن يزيد الاحتياطي الأجنبي أولا من 15.5 مليار دولار إلى 25 مليارا، ويتطلع للوصول إلى هذا الرقم بحلول نهاية العام".

وبالنسبة إلى سامي خانجي الذي يدير مطبعة، يمثل نقص الدولار أزمة ملحة بالنسبة إليه، إذ توقفت ماكينات مطبعته عن العمل لأسابيع، وقال "أنت تتحدث عن أشهر وسنوات، وأنا أتحدث عن أسابيع، إذا لم أحصل على الورق قريبا فسيتعين علي أن أفصل عمالي، وربما يتوقف نشاطي تماما قبل أن تأتي هذه الأموال".

اقرأ أيضاً: 

مصر تتفق مع صندوق النقد على برنامج بقيمة 12 مليار دولار لمدة 3 سنوات

صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد المصري 5%

الرئيس المصري: قريباً جداً سيتمكن المواطن من شراء الدولار “بسعر موحد” في البنوك

مصر تلجأ رسمياً لصندوق النقد لإصلاح اقتصادها المتعثر

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن