أعاد مدير عام مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية " ماس " سمير عبد الله هذا التراجع إلى الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة وغياب الأفق السياسي وعدم تنفيذ اتفاق المصالحة. وقال إن " مؤشرات هذا التراجع تتضح في ارتفاع نسب البطالة واستمرار التراجع في أداء السوق المالي رغم تحسنه في بعض الفترات وتراجع وتحسن في مساهمة بعض القطاعات ". وأضاف "الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة هي حصيلة هذه العوامل وإن إمكانيات وفرص السلطة بتحسين مواردها من إيراداتها المحلية نتيجة تحسن إداراتها لهذه الموارد لن تزيد عن / 10 / المائة في أكثر السيناريوهات تفاؤلا .. وإن السلطة تحتاج إلى قفزة في النمو الاقتصادي لتجاوز أزمتها وفرصها محدودة وضعيفة في مجال الحصول على إيرادات أكبر ودون دعم المانحين لن تتمكن من تجاوز هذه الأزمة التي ستنعكس بمزيد من تراجع النمو".
وينعكس هذا التراجع على أداء الاقتصاد الفلسطيني الكلي وبالأخص على القطاعات الإنتاجية و يشهد القطاع الزراعي والصناعي تراجعا في حجم مساهمته بالناتج القومي حيث انخفضت مساهمة قطاع الزراعة والصيد حسب بيانات الربع الأول من / 5 ر5 / في المائة العام الماضي إلى أربعة في المائة لهذا العام .. كما انخفضت نسبة مساهمة التعدين والصناعات التحويلية والمياه والكهرباء من / 1 ر13 / في المائة عام 2011 إلى /3 ر12 / في المائة هذا العام كذلك شهد قطاع الاتصالات والأنشطة المالية والتأمين والإدارة العامة تراجعا.
ويعكس تقرير منظمة التجارة العالمية " الاونكتاد " الخاص بفلسطين و الذي تم نشره بداية أيلول الماضي جوا من التشاؤم .. ويقول التقرير إن أداء الاقتصاد الفلسطيني سيزداد سوءا على المدى الطويل رغم النمو الحالي كما يعرب التقرير عن القلق إزاء التقشف المالي وانعدام الأمن الغذائي وتزايد الفقر وتراجع القطاع الزراعي والآثار السلبية الناجمة عن استمرار الاحتلال وانخفاض الدعم المالي المقدم من الجهات المانحة.
وأشار التقرير إلى أن النمو الذي تحقق عام 2011 ومستهل عام 2012 ليس مستداما وأن نسبة كبيرة منه تعتمد على المعونة من الخارج..وهذا التوسع الاقتصادي اقترن بتراجع قيمة الأجور الحقيقية وإنتاجية اليد العاملة ولم يؤد إلى خفض معدلات البطالة المرتفعة التي ظلت عند مستوى /26 / في المائة وهو أشد في غزة منه في الضفة في حين يبلغ مستوى مهولا في القدس الشرقية ويقدر بنسبة /78 / في المائة.
واعتبر التقرير الاحتلال الإسرائيلي السبب الحقيقي لإعاقة التنمية الفلسطينية فغزة ما زالت خاضعة للحصار الاقتصادي وعدد الحواجز المفروضة على تنقل الفلسطينيين والسلع في الضفة الغربية زاد من /500 / حاجز في عام 2010 إلى /523 / حاجزا عام 2011 وزادت عمليات هدم المنازل والبنى التحتية عام 2011 وأدى توسيع المستوطنات الإسرائيلية إلى تفتيت الأرض إلى جيوب مقطعة الأوصال.
وقال التقرير إن الاحتلال قضى على جميع فرص التسويق والاستثمار المحلية والخارجية وأدى إلى تآكل الأراضي والموارد الطبيعية المتاحة للمواطنين لمزاولة أنشطة منتجة اقتصاديا و تقتصر الاستثمارات العامة والخاصة على /63 / في المائة من الأرض المعروفة بمناطق "ج" التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
ويعيد التقرير استمرار الضعف المالي للسلطة الفلسطينية إلى غياب السيادة الحقيقية على الأرض والمعابر و تسرب الإيرادات إلى إسرائيل وفقدان نواتج وإيرادات ممكنة من جراء التدابير التي يفرضها الاحتلال وتفاقم آثار ضعف إيرادات السلطة جراء تراجع دعم الجهات المانحة.
وما زاد من قسوة تأثيرات الأزمة الارتفاع العالمي في الأسعار وانكشاف فلسطين بالكامل أمامها بسبب اعتمادها على الاستيراد حيث تصل حصة المنتج الوطني الفلسطيني في سوقه حوالي /16 / في المائة فقط و مع الارتفاع في أسعار الدولار وارتفاع أسعار السلع من مصادرها خلال الفترة الماضية شهدت الأرض الفلسطينية موجة من الغلاء لم يعد المواطن قادرا على تحملها.
وقال الوكيل المساعد لوزارة الاقتصاد الوطني حازم شنار: تشير أرقام الجهاز المركزي عند المقارنة بين الأسعار والأجور الاسمية إن الأجور فقدت حوالي ربع قيمتها خلال السنوات التسع الماضية ما ينعكس سلبا على مستوى معيشة العاملين بأجر وعائلاتهم في الأرض الفلسطينية وبما يعني زيادة في الفقر النسبي لهذه الفئة الواسعة من الشعب.
ولم يخالف تقرير البنك الدولي المقدم للمانحين نهاية سبتمبر تقرير"الاونكتاد" في توصيفه للأزمة المالية وأزمة الاقتصاد الفلسطيني وأوصى بإعطاء السلطة منحة بقيمة / 400 / مليون دولار إضافة إلى وفاء المانحين بتعهداتهم للخروج من أزمة ديونها وإذا لم يتم ذلك فسيكون الوضع أسوأ.
وأكد التقرير أهمية استمرار المانحين في دعمهم لموازنة السلطة الفلسطينية و أن تستمر السلطة الفلسطينية في المضي قدما في تنفيذ الإصلاحات الأساسية لرفع مستوى تحصيل الإيرادات المحلية ولمراقبة الإنفاق و حتى في ظل اتخاذ هذه التدابير فإن الآفاق الحقيقية للتقدم تنطوي على تحديات كبرى إذا لم يصار إلى إزالة العوائق الناتجة عن فصل المناطق الفلسطينية وعزلها عن بعضها.
وأكد تقرير البنك الدولي على مواقف سابقة له بأن استدامة النمو تعتمد على زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص غير أن القيود النافذة التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية تستمر في اعتراض سبيل الاستثمار المحتمل في القطاع الخاص وتظل العقبة الكبرى في وجه النمو الاقتصادي المستدام .. كما يفرض استمرار العزل الجغرافي للمنطقة / ج / من الضفة الغربية قيدا ملزما على النمو الاقتصادي الحقيقي باعتباره عنصرا أساسيا من عناصر دعم الدولة الفلسطينية المستقبلية /تعتبر اتفاقات أوسلو المنطقة / ج / غير خاضعة للسيطرة الفلسطينية إداريا وأمنيا/.
ويوضح التقرير أن المنطقة / ج / هي الأرض الوحيدة المتواصلة الجوار في الضفة الغربية والتي تربط بين /227 / منطقة جغرافية منفصلة /المنطقتان ' أ ' و ' ب ' / و هي العنصر الأساس في الترابط الاقتصادي كما أنها المساحة الأكثر وفرة وغنى بالموارد في الضفة الغربية .. فهي تكنز جل الموارد المائية والأراضي الزراعية والموارد الطبيعية والاحتياطي من الأراضي في الضفة الغربية التي توفر أساسا اقتصاديا لتحقيق النمو في القطاعات الأساسية من الاقتصاد.
ويجمع الاقتصاديون والأكاديميون على أن الحل السريع والمباشر لإنقاذ السلطة من أزمتها يكمن في تدفق أموال المانحين للسلطة من جديد وعلى المدى البعيد هناك دعوات للسلطة الفلسطينية لإعادة هيكلة اقتصادها وزيادة الاعتماد على قطاع الزراعة والصناعة لقدرته على تحمل الصدمات وخلق فرص العمل وتعزيز صمود المواطن على أرضه.