لماذا أصبح إعلان الاتحاد الخليجي مؤجلا الى اجل غير مسمى كما ذكرت امس؟ ما هي العوامل والاسباب التي تعرقل اعلان قيام الاتحاد بالضبط؟ هناك عوامل كثيرة يمكن ان نتحدث عنها. بداية، معروف ان قوى اقليمية ودولية لا تريد قيام هذا الاتحاد ابدا، وهي مستعدة لأن تفعل كل ما بمقدورها ان تفعله من اجل الحيلولة دون قيامه. بالنسبة إلى إيران مثلا، يعتبر قيام الاتحاد بمثابة كارثة استراتيجية كبرى. والايرانيون منذ ان انطلقت الدعوة الى الاتحاد في العام الماضي وقد اصبحوا كمن مسهم مس من الجنون، ولم يترددوا ابدا في ان يفصحوا علنا عن عدائهم المطلق لأي خطوة في هذا الاتجاه، سواء كانت اتحادا بين دولتين خليجيتين مثل البحرين والسعودية، او كانت خطوة اتحادية عامة تجمع كل دول المجلس. دوافع الايرانيين معروفة . قيام الاتحاد يعني ببساطة شديدة ان سدا منيعا قد اقيم في وجه مخططاتهم وفي وجه مشروعهم العنصري الذي يسعى الى فرض الهيمنة في المنطقة ، ويعني ان أي خطوة عدوانية من جانب ايران تجاه أي دولة من دول المجلس او المجلس ككل، لن تمر وسوف يتم التصدي لها بمنتهى الحزم. ايضا، فإن قوى غربية كبرى، على رأسها امريكا، لا تريد هذا الاتحاد.
كمبدأ عام، هم في امريكا والغرب عموما، ضد أي خطوة اتحادية عربية من أي نوع. وهم بالذات ضد الاتحاد الخليجي بما للمنطقة من اهمية ومكانة استراتيجية كبرى. القضية هنا ان امريكا تقوم استراتيجيتها تجاه المنطقة في جانب اساسي منها على السعي لتفتيت الدول العربية، فكيف يمكن ان تقبل توحيد أي مجموعة من الدول العربية؟ وهم، مثلهم هنا مثل ايران، يعتبرون ان قيام قوة خليجية عربية موحدة وقادرة، بمثابة تهديد لمصالحهم الاستراتيجية، ولامتيازاتهم ومنافعهم الهائلة من دول المنطقة. لا شك ان القوى الاجنبية التي ليس من مصلحتها قيام الاتحاد الخليجي على هذا النحو لا تتردد في ممارسة الضغوط التي تستطيع ممارستها أيا كان شكلها من اجل عرقلة قيام الاتحاد. ومن المعروف ايضا ان هناك قوى محلية في بعض دول مجلس التعاون تعادي الاتحاد وتحارب من اجل عدم قيامه. هذه قوى طائفية معروفة، ومعروف ان عداءها للاتحاد ينطلق لا من اعتبارات وطنية او اعتبارات أي مصلحة عامة لدول المجلس، لكن من اعتبارات طائفية ضيقة، ومن اعتقاد أن قيام الاتحاد سيكون ضربة قاصمة لمشاريعها واجنداتها الطائفية. ومع وجود قوى اجنبية ومحلية تعادي الاتحاد الخليجي على هذا النحو، يبقى ان الاعتبارات والاسباب الاساسية التي تعوق اعلان قيام الاتحاد تتعلق اساسا بمواقف دول مجلس التعاون نفسها. نعني ان الاسباب الاساسية تتعلق بتحفظات بعض دول مجلس التعاون على الاتحاد. نحن لا نعلم ما هي هذه التحفظات بالضبط، فلم يتم الاعلان رسميا لأي منها. الأمر المعلن هنا تبريرا للتردد في الموافقة على اعلان الاتحاد هو القول إنه يجب اعطاء مزيد من الوقت للدراسة الجيدة التفصيلية لكل ما يتعلق بالاتحاد. وهذا في حد ذاته امر معقول ومقبول ولا غبار عليه. لكن الواضح ان الامر ابعد واعمق من هذا، أي ابعد من مجرد المطالبة بإعطاء الوقت الكافي للدراسة.
من الواضح ان بعض دول المجلس غير مقتنعة اساسا بالاتحاد. غير مقتنعة بأن هناك حاجة ضرورية فعلية لقيام الاتحاد، وتعتقد ان الصيغة الحالية لمجلس التعاون هي الانسب والاجدر أن تستمر من دون تغيير. هناك بلا شك اسباب كثيرة تدفع هذه الدول الى ان تتبنى هذا الموقف، لكن في الجوهر منها انها ليست مستعدة بعد لأن تتخلى عن جزء من سيادتها لصالح الاتحاد الخليجي، وهو الامر الذي لا بد ان يحدث بالطبع في اطار أي صيغة اتحادية. والحقيقة ان بعض المحللين يؤيدون هذه الدول في منطقها وفي تحفظاتها ويثيرون هنا جوانب عدة. مثلا، هناك محللون يعتقدون ان نجاح مجلس التعاون واستمراره عبر هذه السنين يتمثل اساسا في الصيغة الحالية للتعاون، والتي في اطارها تستطيع كل دولة ان تتبع السياسات التي تراها وفي نفس الوقت يمكن ان تلتزم برضاها بخطوات وصيغ تعاونية عامة بين دول المجلس. بعبارة اخرى، يرى هؤلاء ان الانتقال من هذه الصيغة الناجحة التي قام عليها مجلس التعاون منذ إنشائه الى صيغة الاتحاد ايا كانت، من الممكن ان تنتهي الى الفشل، بل من الممكن في حال الاصرار على فرضها ان تقود الى تفكك المجلس اساسا. هذه بشكل عام جدا اهم الاعتبارات التي تعرقل اعلان الاتحاد في افق منظور. كيف إذن يجب التعامل مع هذا الوضع؟ للحديث بقية باذن الله.