مع اقتراب مصر من نهاية المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وفي ظل العديد من التوترات التي نشبت بين القوى المدنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة من مبارك، برزت إلى السطح قضية المشروعات الاقتصادية التي يمتلكها الجيش والتي يعتقد البعض أنها تمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد المصري.
وبعد فترة انتقالية شهدت تباينًا في المواقف من المجلس العسكري، بدأ الحديث يتصاعد عن انتقال السلطة للمدنيين، واعتبر البعض أن الأمر لن يكون سهلاً، وأنه قد يتطلب منحهم العسكريين ضمانات من الملاحقة القضائية فضلاً عن تأمين مصالحهم الاقتصادية.
وفي ظل ضبابية الحاضر وغياب اليقين بشأن المستقبل، لم يكن من الغريب أن تتجلى هذه الصفات أكثر ما تتجلى في ما يتعلق بالجيش وما يمتلكه من مشروعات ومصالح اقتصادية، مما أنتج حالة من الجدل حول حجم هذا الاقتصاد وخضوعه للرقابة.
ويتنوع اقتصاد الجيش ما بين مصانع للسلاح والذخيرة، فضلاً عن مزارع ومصانع توفر ما يحتاجه لتغذية مئات الآلاف من الأفراد، لكن هذا الاقتصاد يمتد أيضًا ليشمل مشروعات سياحية وشركات للاستيراد وأخرى للمقاولات إضافة إلى محطات للوقود.
وحسب اللواء المتقاعد ياسين سند، فإن اتجاه الجيش نحو إقامة مشروعات اقتصادية بدأ في ظل تولي المشير محمد عبدالغني الجمسي وزارة الحربية «الدفاع حاليًا» أواخر 1974، حيث سعى الجمسي لتقليل الاعتماد على ميزانية الدولة فبدأ بإقامة عدد من المزارع.
ويضيف الخبير العسكري: إن هذه المشروعات توسعت في ظل تولي المشير عبدالحليم أبوغزالة وزارة الدفاع أوائل الثمانينيات، واستمرت بنفس الوتيرة ابتداءً من أوائل التسعينيات في ظل وزارة المشير حسين طنطاوي «الرئيس الحالي للمجلس العسكري» الذي حرص -كما يقول سند- على «توزيع عائد هذه المشروعات على رجال الجيش بمختلف رتبهم، وذلك في الاحتفال السنوي بيوم التفوق».
وفي ظل غياب تقديرات دقيقة لحجم مشروعات الجيش، نقل الإعلام المحلي مؤخرًا عن مصادر غربية أنها قد تمثل نحو 40% من الاقتصاد المصري، لكن الخبير الاقتصادي د. أحمد السيد النجار يعتقد أن «هذه مبالغة وأن النسبة تدور حول 5% إذا قارنا الأصول التي يملكها الجيش بإجمالي الأصول الإنتاجية للاقتصاد وقارنا ناتج اقتصاد الجيش بالناتج المحلي».
ويعترض النجار على مبدأ امتلاك وزارة الدفاع مشروعات اقتصادية، ويؤكد في تصريحات للجزيرة نت أنه «لو سلمنا بهذا المبدأ لكل الوزرات فهذا يعني تفكيكًا للدولة وظلمًا للشعب»، معربًا عن اعتراضه على مبدأ تشغيل المجندين في مشروعات بعيدة عن مهنة العسكرية.
المجلس العسكري يرى أن مشروعات التابعة للجيش تستهدف تأمين احتياجاته وتحقيق الأمن القومي عبر توريد فوائض الإنتاج إلى القطاع المدني. وفي رد نادر على الانتقادات التي يتلقاها الجيش في هذا الشأن، تحدث عضو المجلس العسكري اللواء محمود نصر في ندوة اقتصادية مؤخرا، وقال إن المشروعات تستهدف تأمين احتياجات القوات المسلحة وتحقيق الأمن القومي المصري من خلال توريد فوائض الإنتاج للقطاع المدني.
وأضاف نصر: إن الجيش قدم للدولة نحو 12 مليار جنيه «نحو ملياري دولار» من حصيلة مشروعاته، كما نفذ مشروعات تنموية عديدة، مشيرًا إلى أن مشروعات الجيش تحقق عائدات سنوية تقدر بنحو 1.2 مليار جنيه «200 مليون دولار» وأنها تخضع لجميع قواعد التفتيش والرقابة.
وكان لافتًا أن نصر استخدم نبرة حادة في التأكيد أن «المجلس العسكري لن يسمح لأي جهة بالتدخل في شؤون المشروعات الاقتصادية للقوات المسلحة»، معتبرًا أن ترك هذه المشروعات للدولة سيؤدي إلى انهيارها.
لكن مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية د. عبدالخالق فاروق يرفض القول إن انتقال هذه المشروعات الدولة يعني انهيارها، كما أكد للجزيرة نت أن الجهاز المركزي للمحاسبات لا يقوم بمراقبة الأنشطة الاقتصادية للجيش، وأنه من غير المفهوم أن يصر الجيش على الاحتفاظ بها. من جانبه، عبر النجار عن رفضه القول إن مشروعات الجيش تندرج في بند الأمن القومي الذي لا يجب الاقتراب منه. لكن اللواء سند، يعود ليؤكد أن الحديث عن مشروعات الجيش جرى تضخيمه دون داع، وأن الحديث عن عدم خضوع هذه المشروعات للرقابة غير حقيقي لأنها كانت دائمًا محل رقابة من جانب الجهاز المركزي للمحاسبات، شأنها في ذلك شأن جميع المشروعات التابعة لوزارات وهيئات الدولة.
واعتبر الخبير العسكري في حديث للجزيرة نت أنه لا مشكلة في أن يتم إعلان ميزانية الجيش ومناقشتها أمام لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب، مع استثناء وحيد للجزء المتعلق بالبحث العلمي والتطوير.
ولفت إلى أن التجربة تؤكد جدوى هذه المشروعات سواء في سد حاجات الجيش أو الإسهام في تلبية حاجات المجتمع كما يحدث في سلع أساسية كالخبز، وسلع إستراتيجية كالإسمنت، مؤكدًا امتلاك الجيش مصانع ساعدت في مواجهة الاحتكار وحال دون ارتفاع الأسعار.وعن تشغيل المجندين في هذه المشروعات، اعتبره سند أن الأمر لا يتضمن مساسًا بالتشكيلات القتالية للجيش، كما أنه لا يوجد ما يمنع من الاستفادة من المجندين في المهن التي يجيدونها قبل التحاقهم بالجيش، كأن يعمل بعضهم سائقًا أو مزارعًا أو نحوه بما يخدم في النهاية مصلحة الجيش والمصلحة العامة.

يتنوع اقتصاد الجيش ما بين مصانع للسلاح والذخيرة، فضلاً عن مزارع ومصانع متنوعة